الاحداث- ترأس البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي قدّاس شبيبة الأخويّات مساء اليوم في الصرح البطريركي في الديمان .
وبعد الانجيل المقدس، ألقى البطريرك الراعي عظة بعنوان:"حدّق يسوع إلى الشّاب، فأحبّه" (مر 10: 21).
وقال فيها:"1. إنجيل اليوم موجّه إليكم، أيها الشباب والصبايا، شبيبة الأخويّات. وقد قاله يسوع وهو في الطريق في منطقة اليهودية، حيث قصده شاب ليسأله السؤال الكبير الذي يطرحه كل إنسان في لحظة جدّية: "ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟" فيجيبه يسوع: "احفظ الوصايا". فيقول الشاب: "جميعها حفظتها منذ صغري". عندها: "حدّق إليه يسوع وأحبه" (مر 10: 21).
هذه العبارة بالذات، تحمل سر اللقاء بين المسيح والشباب. يسوع لا يكتفي بأن يجيب على السؤال، بل يوجّه نظرة حب إلى الشاب، نظرة تغيّر الحياة، نظرة تعطي معنى للقرارات. هذه النظرة ما زالت ترافق شباب اليوم: يسوع لا ينظر إليكم كأرقام أو مشاريع أو طاقات فقط، بل كأحبّاء قلبه. ولذلك طلب من الشاب خطوة أبعد: "بع كل ما لك وأعطه للفقراء، وتعال اتبعني". لكن الشاب "مضى حزينًا لأنه كان ذا أموال كثيرة". هنا تظهر المفارقة: أمام دعوة يسوع، هناك دائمًا خيار، إمّا الانفتاح على الحب، أو الانغلاق على الذات.
هذا الإنجيل اليوم يوجّه إليكم، أيها الشباب والصبايا، نداءً مباشرًا: أنتم لستم مدعوين فقط لحفظ الوصايا كواجب، بل لتعيشوا مغامرة الحب مع المسيح، الذي ينظر إليكم ويحبكم، ويدعوكم لتكونوا شهودًا في العالم.
2. يسعدني أن أرحب بكم، يا شبيبة الأخويات، إلى هذا الكرسي البطريركي في الديمان لنحتفل معًا بهذه الليتورجيّا الإلهية على نيّتكم، أنتم فرح الكنيسة، وقلبها النابض. أنتم صورة المستقبل، ورجاء الوطن. لكي تكونوا كذلك، يلزمكم التقيّد بثلاثة: ابحثوا عن يسوع، أحبّوه، اشهدوا له.
أ. ابحثوا عن يسوع، لأن عنده كلام الحياة الأبديّة، وهو وحده "الطريق والحق والحياة". ابحثوا عنه في سماع كلامه والتأمل فيه وفهمه والعمل بموجبه.
ب. أحبوا يسوع، فهو ليس فكرة أو عاطفة أو ذكرى. بل هو شخص حيّ أبدًا وحاضر معنا. أحبوه حاضرًا في الإفخارستيا، ذبيحة فداء دائمة، ووليمة روحية بجسده ودمه في المناولة. أحبوا يسوع حاضرًا في الكنيسة بواسطة الكهنة، وفي العائلة بواسطة والديكم والذين يحبونكم. أحبوا يسوع حاضرًا في المتألمين.
ج. اشهدوا ليسوع بإيمانكم الشجاع، وببراءتكم، وبالانتصار على الشر بفعل الخير، كما يوصي بولس الرسول.
أنتم تعقدون لقاءكم بموضوع: "أصولنا". فيمكن تناوله من الناحية الروحية والكنسية والوطنية.
3. "حدّق إليه يسوع وأحبه". كل قداس هو هذه النظرة بالذات. فالمسيح في الإفخارستيا ينظر إلى كل واحد منكم ويقول: أحبك، دعوتك باسمك، حياتك ثمينة عندي. الليتورجيا إذًا ليست طقسًا جامدًا، بل فعل حب بين المسيح وشعبه، وبشكل خاص بين يسوع وكل شاب وصبيّة. في كل قداس، يسوع يكرّر لكم: "تعال اتبعني". لا ليلغي أحلامكم، بل ليجعل من أحلامكم واقعًا يحمل معنى.
4. أيها الشباب الأحباء، إنجيل اليوم لا يتحدث فقط عن قرار شخصي، بل يحمل أيضًا بعدًا وطنيًا. الشاب الغني سأل يسوع عن الحياة الأبدية، لكن يسوع فتح أمامه أفقًا أوسع: أن يشارك خيراته، أن يضع طاقاته في خدمة الآخرين. هذا بالضبط ما نحتاجه في لبنان. الوطن لا يُبنى فقط على: ماذا أدرس؟ أي عمل أختار؟ كيف أهاجر؟ الوطن يُبنى حين يدرك الشباب أن لهم دورًا وطنيًا ورسالة. أنتم لستم فقط شبابًا يبحثون عن مستقبل شخصي، أنتم أصحاب قرار وطني، أنتم مسؤولون عن وجه لبنان الآتي. يسوع أحب الشباب، والكنيسة تحب الشباب، ولبنان بحاجة إلى شبابه. أنتم لستم الهامش بل أنتم القلب. أنتم لستم المتفرجين بل أنتم صانعو التاريخ.
اليوم لبنان ينتظر من شبابه أن يقولوا: لا للفساد، نعم للنزاهة. لا للاستسلام، نعم للإبداع. لا للأنانية، نعم للمشاركة. تذكروا: من دونكم لا مستقبل للبنان. وإذا كان الكبار قد تعبوا أو فشلوا، فأنتم القادرون أن تبدأوا من جديد. فيكم تكمن الطاقة التي تجدّد الدولة والمجتمع. فكونوا صوتًا للحق، نورًا للعدالة، وملحًا للأرض.
5. فلنصلِّ، أيها الإخوة والأخوات، من أجل كل شاب وصبية في لبنان، لكي يكتشفوا دعوتهم، ويتجرأوا على اتباع المسيح. نصلي من أجل شبابنا الذين يواجهون البطالة والصعوبات، لكي يثبتوا في الرجاء ويظلوا أقوياء. نصلي لكي يبقى شبابنا في أرضهم، ويجدوا هنا فرصًا للعمل والمستقبل الكريم. نصلي من أجل أن يرافق الله كل شاب وفتاة، ليختاروا الطريق الصحيح، في الجامعة، في المهنة، في العائلة، وفي المجتمع. فنرفع معهم المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد. آمين.