اغتيال نصرالله: فوضى قادمة أم خطوة محسوبة؟
الاحداث - كتب إبراهيم منصور
مع اغتيال السيد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، تسرّب إلى أذهان اللبنانيين والمهتمين بالشؤون الشرق أوسطية فكرة أن الصراع قد وصل إلى نهايته. لكن الواقع يظهر أن الوضع أكثر تعقيداً وخطورة مما يتصوره البعض. فالأحداث الحالية ليست مجرد اغتيال قائد سياسي، بل هي لحظة مفصلية في تاريخ الشرق قد تجر إلى حرب كونية . إن الغرب غالبًا ما يفشل في فهم العقل العربي والروح المقاومة التي تربط الشعوب العربية بالحروب والفتوحات وبتقاليدهم الثقافية، ولا يدرك أن هذه التصرفات لا تؤدي إلى إنهاء التنظيمات، بل تساهم في إعادة إنتاج الرموز التي تلهم المقاومة وتحوّل القادة إلى شهداء يتم النظر إليهم بإعجاب وتقدير.
فكرة المقاومة والاستمرارية
لا يرتبط اغتيال نصر الله بإنهاء حزب الله أو تقويض قوته كما قد يتصور البعض. في الواقع، هذه الحادثة قد تكون محفّزًا لاستمرار المقاومة بشكل أشد صلابة وتنظيماً. وكما حدث في السابق مع اغتيال عباس الموسوي عام 1992، الذي أدى إلى صعود نصر الله نفسه، فإن الأحداث الحالية تؤكد أن قتل القادة لا يعني نهاية الفكرة. الفكرة هي التي تستمر، وقادة المقاومة يصبحون رموزًا للشهادة، يستمر تأثيرهم بعد موتهم.
إسرائيل والغرب ينظرون إلى اغتيال القادة كوسيلة للقضاء على المقاومة، إلا أنهم يتغافلون عن أن مثل هذه الأفعال تعزز من قيمة الشهادة في الوعي الجماعي العربي. ولعل أبرز ما أكد هذه الفكرة هو تصريح القيادي الحوثي في اليمن الذي قال: "نهنئك بشهادتك، يا سيد المقاومة. ما أعظم هذه الشهادة، لأنها جاءت وأنت تدافع عن غزة".
الدور الإيراني: استفادة محورية أم مناورة ذكية؟
هناك العديد من النظريات التي تشير إلى أن إيران قد تكون المستفيد الأكبر من هذا التصعيد، مستخدمة حزب الله كأداة في حربها الإقليمية ضد الغرب وإسرائيل. إيران، التي لها نفوذ قوي على حزب الله، قد تكون تسعى إلى توجيه الأحداث بما يخدم مصالحها الجيوسياسية، بما في ذلك تعزيز موقفها في المفاوضات النووية.
إيران تتحكم بخيوط اللعبة، حيث تراقب الأوضاع دون أن تتدخل بشكل مباشر. ورغم اغتيال نصر الله، فإن إيران لم تسمح لحلفائها مثل الحوثيين أو كتائب حزب الله العراقي بالتدخل الفوري. هذا يعكس استراتيجيتها في الحفاظ على التوازنات الإقليمية لصالحها، مع ضمان عدم تصعيد الوضع إلى حرب إقليمية شاملة.
الدرس الذي لا يزال الغرب غير قادر على استيعابه
إن اغتيال نصر الله لا يعد بأي حال من الأحوال نهاية المقاومة، بل هو خطوة جديدة في صراع مستمر. وكما قال أحد المحللين: "يمكنك قتل الرجل، لكن لا يمكنك قتل الفكرة". في كل مرة تحاول فيها إسرائيل كسر المقاومة باغتيال قادتها، تولد أجيال جديدة من المقاتلين المستعدين لتقديم أرواحهم. هذا ليس مجرد نزاع سياسي، بل هو صراع أيديولوجي، حيث تتحول القادة المغتالين إلى رموز تخلدها الشعوب.
مستقبل الصراع: تصعيد وشيك وحرب استنزاف
ما يحدث في لبنان الآن يشير إلى أن التصعيد قد لا يتوقف عند هذا الحد. الهجمات الصاروخية من "حزب الله" لم تتوقف بعد اغتيال نصر الله وقادة من "حزب الله"، بل على العكس، تصاعدت في الأيام التالية، ما يؤكد أن التنظيم قادر على الاستمرار حتى في غياب قيادته المركزية. والأمر لا يقتصر على لبنان فحسب، فالجبهات الأخرى في العراق واليمن قد تفتح أيضًا، ما يؤدي إلى صراع إقليمي أوسع.
السيناريو المتوقع هو تكثيف الغارات الجوية الإسرائيلية، فهي تتبع الاستراتيجية نفسها التي اتبعتها في غزة: قصف مكثف يتبعه محاولة لاجتياح بري. لكن كما حدث في غزة، ستجد إسرائيل نفسها في مواجهة مع "أشباح" المقاومة، حيث يستمر النزاع من دون تحقيق أي نصر حاسم.
وفي الختام يمكن القول أن اللعبة لم تنته بعد وما قد يبدو للبعض كنهاية للصراع هو في الحقيقة بداية جديدة . فاغتيال نصر الله لن ينهي المقاومة، بل سيزيدها عنفوانًا. فالفكرة التي زرعها نصر الله في قلوب أتباعه ستستمر، وستشهد الأيام المقبلة تصعيدًا قد يدفع المنطقة نحو مزيد من الفوضى. وبينما تعتقد إسرائيل والغرب أنهم بتخلصهم من نصر الله قد أنهوا المقاومة، فإن الحقيقة أن الصراع قد يدخل مرحلة جديدة، ربما أكثر خطورة وتعقيدًا.
وستبقى إيران اللاعب الأساسي، تستخدم كل ورقة في يدها لتحقيق مكاسب أكبر، سواء في المفاوضات النووية أو في إعادة تشكيل الخريطة الإقليمية لصالحها.