الاحداث – انطلقت عند العاشرة من صباح اليوم أعمال الدورة الحادية والعشرين لـ«ملتقى الإعلام العربي»، تحت عنوان «الإعلام والتنمية… شركاء الحاضر، تحالف المستقبل»، برعاية رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وفي حضوره، وفي حضور الامين العام لجامعة الدول العربية احمد أبو الغيط ووزراء عرب سابقين للاعلام وعدد مو رؤساء اتحاد الصحافيين العرب وسياسيين واعلاميين في مركز المؤتمرات والتدريب التابع لشركة طيران الشرق الأوسط في بيروت.
استُهل الحفل بالنشيد الوطني اللبناني، ثم قدّمت الإعلاميان نيشان ومنى صليبا فقرات الافتتاح، لتبدأ بعدها الكلمات الرسمية.
الخميس: الإعلام شريك في التنمية لا ناقل للأخبار
وألقى الأمين العام للملتقى الإعلامي العربي ماضي الخميس كلمة أكد فيها أن انعقاد الملتقى في بيروت يحمل رمزية خاصة، باعتبارها “مدينة تتسع كسماء وتسمو كقصيدة وتفيض كأغنية خالدة”، مشدداً على أن الملتقى الذي بدأ قبل أكثر من عقدين بفكرة بسيطة، بات اليوم منبراً عربياً فاعلاً يسهم في صناعة الوعي وحماية الحقيقة.
وقال الخميس إن شعار الملتقى لهذا العام، «الإعلام والتنمية.. شركاء الحاضر وتحالف المستقبل»، يعكس رؤية استراتيجية تؤمن بأن التنمية لا يمكن أن تقوم من دون إعلام، وأن الإعلام من دون رسالة تنموية يتحول إلى “صدى عابر”.
وأضاف:“نلتقي اليوم لنصوغ رؤية جديدة تتجاوز حدود التنظير إلى ميادين التطبيق، ونضع الإعلام العربي في مكانه الطبيعي، شريكاً في التنمية لا مجرد ناقل للأخبار.”
وأشار إلىأن الإعلام أصبح اليوم قوة ناعمة وجيشاً صامتاً وسلاحاً غير مرئي يخترق العقول ويصوغ الوجدان، لافتاً إلى أن الكلمة الحرة هي سلاح الأمة وضميرها الحي".
وتوجه الخميس بالشكر إلى فخامة الرئيس العماد جوزاف عون على رعايته للملتقى، وإلى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط على دعمه المتواصل، كما شكر وزير الإعلام الدكتور بول مرقص على تسهيله إقامة هذا الحدث ودعمه الإعلاميين اللبنانيين والعرب.
وختم قائلاً:"لبنان، أرض الحرف والموسيقى والكلمة الحرة، سيبقى المنصة الحاضنة للإعلام العربي والعاصمة الدائمة للحرية والحوار ومرفأ الكلمة التي تبقي الأمة على قيد الأمل.”
الوقيان: الإعلام شريك في التنمية المستدامة
ثم ألقى المدير العام للمعهد العربي للتخطيط في الكويت الدكتور عادل عبد الله الوقيان كلمة شدد فيها على أن انعقاد الملتقى في بيروت، “مدينة الفكر والحرية والإبداع العربي”، يحمل دلالات رمزية وثقافية عميقة، مؤكداً أن الإعلام اليوم لم يعد ناقلاً للخبر فحسب، بل شريكاً تنموياً فاعلاً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأوضح أن الإعلام يسهم في تمكين الشباب والمرأة، وتعزيز الاقتصاد الأخضر، وترسيخ قيم العدالة والشفافية والمساءلة، داعياً إلى تحويل الإعلام إلى قوة اقتراح وتغيير تسهم في ردم الفجوة بين السياسات العامة واهتمامات المواطن.
وعرض الوقيان دور المعهد العربي للتخطيط في دعم الإعلام التنموي من خلال برامج لبناء القدرات الإعلامية، ووضع مؤشرات لقياس الأثر التنموي للإعلام، وتعزيز الشراكات بين المؤسسات الإعلامية والجهات التنموية.
وختم بالتأكيد على أن بناء إعلام عربي تنموي رشيد يتطلب الاستثمار في العنصر البشري والمعرفة والتقنيات الحديثة، داعياً إلى تأسيس تحالف عربي للإعلام والتنمية المستدامة يكون منبراً موحداً لصناعة الوعي وبناء المستقبل.
مرقص: بيروت تستعيد دورها
من جهته، ألقى وزير الإعلام بول مرقص كلمة اعتبر فيها إن اختيار بيروت لاستضافة الملتقى هذا العام هو عربون ثقة ووفاء، ونتيجة مبادرة بدأت خلال زيارته إلى الكويت قبل خمسة أشهر “حيث زُرعت الفكرة، ونمت لتثمر هذا اللقاء العربي الجامع رغم التحديات”.
وقال مرقص:“في ملتقى اليوم، يرتدي لبنان حلّته الحقيقية: حامياً للفكر، حاضناً للتعدد، محفزاً للثقافة. إنه لبنان الحرف والحلم والحياة، لبنان الذي جعل من الكلمة وطناً، ومن الحرية حضارة.”
وأكد أن بيروت لطالما كانت منارة للفكر والإبداع والإعلام العربي، مشيراً إلى أنها احتضنت أولى الصحف والمجلات ودور النشر في المنطقة، وكانت أول مدينة عربية تؤسس إذاعة وتلفزيوناً، لتبقى ذاكرة ناطقة للإبداع.
وأضاف:“الأمل ظلّ القلم رغم الألم، والإعلام في لبنان رفع الأعلام لأعلام في الفكر والفن والطب والإبداع. واليوم، نحن في عهد جديد يملأ الوطن أملاً، عهد الرئيس جوزاف عون، عهد الدولة والكرامة والنهضة والانفتاح.
ابو العيط
ثم القى الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط كلمة قال فيها:" "نتحدث اليوم في هذا الملتقى عن علاقة الإعلام بالتنمية وعن الدور الذي يمكن أن يقوم به في تحقيق أهدافها، وهي رسالة مهمة تتطلب التعامل بمهنية وموضوعية ومسؤولية ، رسالة تصل المسؤول بالمواطن، وتقوم بتوعية المواطن للمساهمة في العملية التنموية ، حتى تستطيع الدولة الاستمرار في القيام بمهامها في تحقيق إنجازاتها في ملفات التنمية".
واشار الى ان" قضية التنمية هي القضية الأولى دون منازع على أجندة الدول العربية ولا بد أن تكون أيضاً هي القضية الأولى على أجندة المجتمعات، وفي ذهن وإدراك كل مواطن عربي، وهذا هو دور الإعلام الواعي والمسؤول، فالمواطن هو أداة العملية التنموية ، وهو غايتها وهدفها في الوقت نفسه".
واكد ابو الغيط ان" الإعلام شريك أساسي في التنمية، لما يملكه من قوة تأثيرية على فئات المجتمع كافة من خلال وسائله المسموعة والمرئية والتفاعلية ، ودوره أن يقوم بتوعية المواطنين على أهمية العملية التنموية وآفاقها المستقبلية ومقتضياتها، وتحفيزهم على المشاركة فيها على نحو فاعل ومؤثر، بحيث تصير هماً شخصياً لكل مواطن أو معركة يتعين الانتصار فيها".
واكد ان" حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة هي عار على الإنسانية التي رأت وشاهدت وتركت المحتل يواصل القتل والتدمير . صحيح أن شعوب العالم كله استفاقت بعد أن رأت وجهاً قبيحاً متجرداً من الإنسانية والضمير لاحتلال عنصري بكل معنى الكلمة ، ولكن الصحيح أيضاً أن أبناء الشعب الفلسطيني، الصامد البطل، قد مروا بنكبة جديدة في زمن يقال إنه زمن القيم وحقوق الإنسان".
تابع:"إننا نتطلع الى أن يكتب اتفاق شرم الشيخ نقطة النهاية لهذه المقتلة البشعة ، وأن تبدأ فوراً جهود إعادة الإعمار ،وأن يبقى الشعب الفلسطيني على أرضه وتخيب أوهام إسرائيل بتفريغ أرض فلسطين من أبنائها".
وقال:" إن إسرائيل قد تتصور أنها ترسم معالم شرق أوسط جديد بالبارود والدم لكن هذا لن يحصل ، فهذا الفضاء العربي من المحيط إلى الخليج، سيظل انتماؤه عربياً ولغته عربية، وسيادة دولة الاحتلال المزعومة هي محض وهم لدى أنصار اليمين المسكونين بأحلام وعقائد عنصرية ليس لها مكان في عصرنا".
وعن لبنان قال ابو الغيط: "تقف الجامعة العربية معكم في التمسك بضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من أراضيه ، وتطبيق القرار 1701 بكافة عناصره" ، مؤكدا ان "الخروق المستمرة لإسرائيل لإعلان وقف الأعمال العدائية في نوفمبر الماضي ليست سوى محاولة يائسة للتشويش على الوضع الداخلي في لبنان، وبث بذور الفرقة فيه"، مبديا ثقته بان "القوى اللبنانية كلها لن تقبل الانجرار لهذا الفخ المكشوف ، وأن الجيش اللبناني لديه القدرة والإرادة لتطبيق قرار الحكومة بحصرية السلاح بيد الدولة".
ختم :"ننشد جميعاً إعلاماً عربياً مواكباً لجديد العصر ،في التكنولوجيا، كما في الأفكار ومناهج العمل. ننشد إعلاماً يبتعد عن التحريض، ولا يستهدف الإثارة ،يترفع عن إثارة الفتن ، ويصون وحدة المجتمعات بعيداً من نعرات الطائفية أو المناطقية، أو التشدد الديني وصنوف التعصب كافة. ننشد إعلاماً لا ينشر الخرافة ،بل يحض الناس على التفكير لا التكفير، على الإبداع لا الانصياع ،وعلى النقد البناء وليس المعارضة الاستعراضية. وبالاختصار أقول :ننشد إعلاماً يدفع مجتمعاتنا للأمام ويأخذ بيدها إلى المستقبل، ولا يجرها إلى سجون التخلف وغياهب الماضي".
بعدها طلب الاعلامي نيشان من الحضور توجيه تحية عبر التصفيق الى الاعلامي الراحل بسام براك .
الرئيس عون
ثم القى رئيس الجمهورية جوزاف عون كلمته فقال:
"الحقيقة مملة باهتة ... الإشاعة جذابة مثيرة" ...
هذه المقولة المنسوبة إلى أحد خبراء التواصل، تجسّد كل الإشكالية المطروحة علينا وعليكم اليوم.
فهي تمثل معضلة هذا العصر. وهي تؤشّر إلى معاناتنا نحن كمسؤولين. وهي تشكل مسؤوليتكم أنتم كأهل إعلام وصحافة.
أولاً، لماذا هي معضلة عصرنا؟
لأننا بكل بساطة، نعيش في زمن انقلابيٍ في كل معاييره ومقاييسه، وحتى – للأسف – في قيمه.
زمنٌ لم تعد الحقيقة فيه قيمة مطلقة. حتى قيل وكُتب ونُظِّر، لكونه زمنَ "ما بعد الحقيقة".
لن أغرق في البحث عن الأسباب. ولن أدّعي معرفة كيف انتقلنا، على مستويات أنشطة المجتمع البشري كافة، من قيمة الإنتاج إلى قيمة الاستهلاك. ومن قيمة العمل إلى قيمة الثمن. ومن قيمة العقل إلى قيمة الجيب. وبالتالي من قيمة الحقيقة إلى قيمة الغريزة ...
المهم أننا اليومَ هنا. وهذه معضلة على مستوى العالم. علينا أن نعرفها ونتعايش معها. لكن علينا أن نسعى كل لحظة إلى عدم الخضوع لها وإلى السعي لتغييرها.
ثانياً، لماذا هي معاناتنا نحن كمسؤولين؟
أيضاً بكل بساطة، لأنه لا يمكن لمجتمع بشري أن يتقدم ويتطور، بناءً على كذبة.
ولأنه لا يمكن أن نحقق خير الإنسان، إلا بالحقيقة.
ولأن كوارث البشر عبر التاريخ، كانت نتاج الأوهام والأكاذيب والأضاليل... والاستثمار في إثارة الغرائز والشعبويات وفي أنصاف الحقائق أو أشباهها.
فالحكم الصالح يحتاج إلى من يقول له الحقيقة.
فيما الشعبويات الكارثية وحدها تقوم على التطبيل. وطبعاً على التضليل.
وهنا تكمن معاناة الحاكم المسؤول. بين واجبه في مصارحة شعبه، وقيادته على درب الخلاص الصعب ...
وبين من يسوق الناس بالدجل، إلى طرقات الجحيم الواسعة، والمعبدة بأعذب الكلام ...
ثالثاً، لماذا هي مسؤوليتكم؟
لأنكم رُسُلُ هذا العصر.
ولأن الإشكاليات المطروحة عليكم كثيرة وكبيرة. خصوصاً في عالم يتطور تقنياً بشكل مذهل.
يكفي أن نتذكر معاً، أن مهنتكم هذه أمضت قروناً طويلة في زمن الكلمة المكتوبة. ثم انتقلت في عقود قليلة إلى الكلمة المسموعة، ثم إلى الكلمة المرئية...
أما الآن فهي تتحوّل لَحظوياً، من الكلمة المرقمنة، إلى عوالم جديدة مذهلة من ثورة تكنولوجية، ما زلنا ربما في اللحظات الأولى من بداياتها.
مسؤوليتكم، هي في البحث عن سبل البقاء رسلاً للحقيقة في قلب هذه الانقلابات.
مسؤوليتكم كيف تواكبون الزمن. وكيف تحافظون على استقلالكم المالي، في زمن ابتلاع غيلان التكنولوجيا لكل شيء.
ومسؤوليتكم كيف تدافعون عن معادلات القيم الأساسية.
في أن يظل الخبر، سقفه الحقيقة. فلا خبر ولا من يُخبرون، ولا إعلام ولا من يُعلمون أو يَعلمون، خارج الحقيقة.
وأن تظل الحقيقة، غايتها خيرُ البشر وخيرُ النظام العام.
هذه المسلّمة الأساسية لعملكم ولرسالتكم، لستُ أنا من وضعها.
إنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي توافقنا عليه إطاراً ناظماً لحياتنا العامة، هو من يحددُها ويحدد حدودها.
هذا الإعلان الذي أعطاكم وأعطانا كل الحقوق، وكل الحرية في التعبير، في المادة 19 منه، التي صارت عنواناً لمؤسسات وحركات وجمعيات مدافعة عن عملكم وعن حريته وحرياتكم ... هو الإعلان نفسه الذي أكد في المادة 29 منه، أنه "لا يُخضَعُ أيُّ فرد، في ممارسة حقوقه وحرِّياته، إلاَّ للقيود التي يُقرِّرها القانون، مستهدِفًا منها، حصراً، ضمانَ الاعتراف الواجب بحقوق وحرِّيات الآخرين واحترامها، والوفاءَ بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع في مجتمع ديمقراطي"... انتهى اقتباس الإعلان.
أعرف أن مسؤوليتكم صعبة. لأن معاناتنا كبيرة. ولأننا في زمن قاس، بقدر ما هو واعد...
في مقررات كليات الإعلام القديمة، ثمة معادلة ساخرة معبرة، تعرفونها غيباً بلا شك في أن الخبر ليس في أن كلباً عض شخصاً.
بل كل الخبر، في أن شخصاً عض كلباً.
بينما في الحقيقة والواقع ومنطق الخيرالعام، الخبر الأصح والأدق، هو خلاف المقولتين.
فالكلب أكثر أصدقاء الإنسان وفاءً وإحساساً ...
والعضُّ الوحيد هذه الأيام، هو عض المظلوم على جرح الظلم والقهر والجوع، في كل أنحاء العالم ...
فيما إعلام التواصل الاجتماعي، منهمك بردحيات الشتائم والسباب ...
لهذا مسوؤليتكم اليوم جميعاً، أن تجعلوا من الحقيقة مجدداً، كل الخبر ...
فالثابت في تاريخ جدلية الحقيقة والكذبة، أنه يمكن تضليل بعض الناس، كل الوقت.
كما يمكن تضليل كل الناس، بعض الوقت.
لكن يستحيل تضليل كل الناس ... كل الوقت.
بناء عليه، ولأنكم أنتم من أنتم ... ولأنكم تجتمعون في لبنان... في الأرض التي وُلدت مع الكلمة... وعاشت من أجل الحرية... وناضلت لأجل الحقيقة... الحقيقة التي وحدها تحرّر ... ووحدها تعمّر ... ووحدها تحقق كل الخير لكل البشر...
أحييكم. وأتوجه بكل الشكر للمنظمين والمشاركين.
وأؤكد لكم، أن عاش الإعلام الحر المسؤول الخيِّر.
لتحيا شعوبنا بخير ومسؤولية وحرية.