رسالة من حبشي إلى محمّد رعد
الاحداث - وجّه عضو تكتّل "الجمهورية القوية" النائب أنطوان حبشي، رسالة مفتوحة الى رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد عبر صحيفة "نداء الوطن"، جاء فيها التالي:
رسالة مفتوحة الى النائب الزميل الحاج محمد رعد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، ردّاً على مقالته المنشورة في جريدة الأخبار بتاريخ 26 تشرين الثاني 2024، والمعنونة "عودٌ على بدء، ضمانة حفظ السّيادة معادلة الشّعب والجيش والمقاومة".
كي لا نعود دوماً الى سردية أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، وكي نكتسب معرفة في مواجهة العدو الصهيوني وغيره من الأعداء، لا يمكن إلا التوقف عند مجموعةٍ من المغالطات التي تضمنتها مقالتكم، تصل إلى حد بيع الوَهِم للشعب اللبنانيّ، وَهِم في سرديّة لم تُنتج إلاّ القتل والدمار والتشريد كإنبعاثٍ متجددٍ، عودٌ على بدء، إنبعاث السرديّة نفسها من دون أيّ مراجعةٍ وجدانيةٍ او عقلانيةٍ او نقديةٍ.
تستهلّون مقالتكم بمقاومة تعتبرونها لم تكن يوماً منغلقة على قناعاتها او ممتنعة عن نقاش الرأي لآخر، خصوصاً في ما يتّصل بالسيادة والإستقلال الوطني والمصير الوطني"... وهذا تضليل وتضليل كبير، لأنكم عزلتم كل اللبنانيين عن قناعاتكم التي فرضتموها بالقوّة، حيث كان الرأي الآخر مختلفاً، واللائحة تطول، أُعدّد بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
– لقد تفرّدتم دوماً بقرار الحرب والسلم وعزلتم بذلك الشعب اللبناني عن مجلسه النيابي، حيث لم تقبلوا يوماً بنقاش هذا الأمر، لا في مجلس النواب ولا في الحكومة اللبنانية وكانت تداعياتها السلبية على بيئتكم وعلى كل شركائكم في الوطن.
– خلال جلسات الحوار أكدّتم للبنانيين بأنّهم سينعمون بصيفٍ هادئٍ، وبشرتم بسياحة مزدهرة، ولكنكم في تموز 2006 قرّرتم بمفردكم خطف جنديين للعدو الاسرائيلي، فاندلعت حرب قتلت من قتلت، ودمّرت ما دمّرت، وشردت من شردت، ودفع كل الشعب اللبناني ثمنها على المستويين الإقتصادي والإجتماعي، ولم تجدوا أنفسكم مضطرين لتحمّل أيّ مسؤولية، إذ عدتم بعدها كما في مقالكم اليوم الى نفس السرديّة تحت شعار "لو كنت أعلم".
– لم تأخذوا برأي الأفرقاء اللبنانيين الآخرين، في 5 تموز 2008 عندما تكلّم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي آنذاك الاستاذ وليد جنبلاط، عندما تكلم عن الكاميرات على المدرج 17، كما ولم تمتثلوا للقرارات الحكومية، لا بلّ قُمتم بإضرام حرب أهلية مصغّرة، قتلتم فيها اللبنانيين في بيروت والجبل، لتنفتحوا بالعنف والقتل على الإقناع برأيكم، كي تحموا شبكة اتصالات خاصّة بكم، نكتشف اليوم أنّها لم تَحمِكُم من العدو الصهيوني الذي بدأ عدوانه الفعلي من خلالها.
إنّ انغلاقكم على قناعاتكم والامتناع عن نقاش الرأي الآخر هو الذي جلب الموت والدمار لكلّ اللبنانيين ومن ضمنهم من صنّفتموهم "بأشرف الشرفاء".
– بعد إعلان بعبدا في العام 2012 تعهّدتم بالنأي بالنفس كي لا يتورط لبنان واللبنانيون في ما ليس في مستطاعهم، ولكنكم انتم الذين انغلقتم على قناعاتكم عندما قلتم "بلّوها واشربوا ميِّتها"، وتدخلتم في سوريا وجلبتم على نفسكم وعلى لبنان الويل الذي يستمرّ حتى اليوم، وامتنعتم بذلك عن احترام نتائج نقاش الرأي الآخر.
وللأسف تورّطتم وورّطتم اللبنانيين في الحرب السوريّة التي قتلتم خلالها الآف من الشعب السوري تحت شعارات دينية إسلامية بمفهومكم، ليتبيّن أنّها لم تكن إلا حرباً لتأمين طرق امدادكم من إيران. وها هو نظام وحدة الساحات يتفرّج عليكم تقتلون دون أن يرّف له جفن.
وقمة انغلاقكم على قناعاتكم وامتناعكم عن نقاش الرأي الآخر بدأ بتحديد مقاومتكم بـ”الإسلامية”، لأن هناك لبنانيين غير مسلمين، وهناك مسلمين غير إسلاميين، ولأنه حتى المسلمين في لبنان لا يوافقونكم الرأي على تحديدكم للأمة الإسلامية، ماذا أعني بهذا؟
يقول سماحة السيد حسن نصر الله، رحمه الله واكثر من مرّة، أنه “جندي في ولاية الفقيه”، فكيف يحدّد الولي الفقيه في طهران مقاومته ومعركته الإسلامية؟
لقد حدّد خامنئي في تغريدة له بتاريخ 25 آب 2024 بأن "المعركة بين الجبهة الحسينية والجبهة اليزيدية هي معركة مستمرة"، فهل يوافق كل العالم الإسلامي على هذه الحرب وهذا التحديد؟ قطعاً كلا. وهل كل الشيعة في لبنان هم من مقلّدي الولي الفقيه في إيران؟ كلا. إن مقلّدي العلامة السيستاني هم أضعاف مقلّدي الوليّ الفقيه في لبنان. فكيف تكونون بالكلام عن مقاومتكم الإسلامية وفق التحديد الإيراني، غير منغلقين على قناعاتكم، او غير ممتنعين عن نقاش الرأي الاخر؟
إن إعادتكم لنفس السردية اليوم كي تبيعوا الوَهِم مجدداً للبنانيين، يؤكد انّكم منغلقون على قناعاتكم وممتنعون عن نقاش الرأي الآخر، وإذا ما أدى أي نقاش الى غير قناعاتكم تستعملون سلاحكم بفعالية ضد الشعب اللبناني لإجباره على الخضوع لكم. إننا نقرأ في كتابين مختلفين يا زميلي.
وتستمرون بإلغاء الآخرين من اللبنانيين من خلال وضعكم الإطار لمناقشة المصلحة الوطنية، وفصلكم بين المصلحة الوطنية الراهنة والمصلحة الاستراتيجية. أليس كل ما كنتم تحضرون له وتعتبرونه استراتيجياً أوصلنا الى الوضع الراهن؟ فما قيمة هذا الفصل اليوم؟ وهل العودة الى نفس السردية – الوَهِم هو الوسيلة المتكررة للمحافظة على السلاح الذي لم تكن فعاليته واضحة المعالم إلا بوجه اللبنانيين؟ وهل أخذتم برأي اللبنانيين الآخرين قبل التذرّع بالإستناد الى مفكري العالم وخبراء الأديان والباحثين السياسيين؟
إن صياغتكم للمسائل التي تتعلق بسيادتنا فيها الكثير من الأخطاء في القراءة والتقدير، فحبّذا لو كنتم انفتحتم على الآخر لكنتم وفّرتم عليكم وعلى كل اللبنانيين المذلّة التي نعيشها كلنا اليوم.
واخطاؤكم في التقدير والقراءة لا متناهية:
– أخطأتم في تقدير العدو الإسرائيلي الذي اعتبرتموه غير قادر على خوض حرب طويلة الأمد فإذا بكم تهللون لوقف إطلاق النار وكأنه انتصار، بينما وعدتم أهلكم بالصلاة في القدس.
– أخطأتم في قراءة قدرتكم، إذ تبيّن أنكم تقبعون في العصر الحجريّ تكنولوجياً، بينما عدونا يستبيح بتفوقٍ غير طبيعي كلّ ما بنيتموه حقاً او باطلاً منذ 40 عامٍ حتى اليوم.
– أخطأتم بتقدير حلفائكم الذين استعملتموهم كورقة تين لستر عورة انتهاككم لسيادة لبنان، واضطررتم للسكوت عن فسادهم فإذا بهم يهللون لما يحصل معكم، معتبرين أنّ “الحزب” لم يعد يمتلك "الڤيتو" في الداخل اللبناني.
– أخطأتم في قراءة من اعتبرتموهم خصومكم في الداخل اللبناني لتصنّفوا الشريف وغير الشريف، الوطني والصهيوني، فإذا بهذا الخصم يفتح لكم يداه ليحتضن بيئتكم الحاضنة التي لم تتمكنوا من الالتفات إليها والى حاجاتها لأنكم قابعون تحت الارض.
يا زميلي لا يمكنك ان تكمل بإلغاء الآخرين وتنغلق على قناعاتك، لأنها أدّت الى ما نحن فيه اليوم، ولأن الشعب اللبناني لم يفوّضك أنت وفريقك أن تحدّد إستراتيجيته الوطنية التي يجب ان تكون حكرًا على النقاش في المؤسسات الدستورية التي أنتجها الشعب اللبناني، وما قمتم إلا بالإمعان في ضربها وتعطيلها، حتى الديمقراطية والإنفتاح بالنسبة لكم تمثّل في تعطيل المجلس النيابي والحياة الدستورية ومنع إنتخاب رئيس للجهمورية.
تفترضون وتبنون سرديتكم على الإفتراضات عن ماهية الحرب الصهيو-أميركية على لبنان. إذا كنتم تعرفون أنّ الأميركي يريد العدوان على لبنان، لماذا سمحتم له أن يكون التحكيم الدولي في يده فيما يختص بالحدود البحرية؟ أخبروني لماذا انتظرتم هوكستين لمعرفة هل سيكون هناك وقف لاطلاق النار اليوم ام لا؟ لماذا تفاوضون الشيطان الأكبر وفق كتابكم، بينما يدعوه رئيس دولة ولاية الفقيه بالأخ والصديق؟ لماذا هذا التخبّط؟ تتخبطون وتعيدون نفس السردية وكل لبنان يدفع الثمن.
تفترضون انه لدى العدو الإسرائيلي نوايا عدوانية، اذاً لماذا قمتم بإستدراجها الى لبنان، طالما إنكم غير قادرين على مواجهتها وجلبتم بذلك الدمار للبنان وللبنانيين؟
إن كل السرّديّات المعادة والمكرّرة، هي فقط لحفظ السلاح ولتغيير معادلات في الداخل اللبناني. وإذا لم يكن كذلك، فإني أدعوك يا زميلي الى تطويرٍ ما في السرّدية أو في الخطاب السياسيّ بعد كل هذه التجارب ونتائجها لأنّ ما لا يتطوّر مصيره الزوال.
إذا كنتم تقبلون بتطبيق الـ 1701 اليوم، فلماذا لم تطبقوه منذ الـ 2006؟ لأنّ العدو الاسرائيلي اخترقه عدة مرات، كان الحرّي بكم عدم اختراقه، وكان الاولى بنا جميعاً تنفيذه بالتكافل والتضامن، مجتمعين مع بعضنا كلبنانيين في مطالبة المجتمع الدولي بالسهر على تنفيذه لمنع العدوان الإسرائيلي. هل خرقكم لهذا القرار مكّنكم من ردّ العدوان الإسرائيلي؟ حتمًا كلا.
تعود يا زميلي الى نفس منطق فائض القوة الذي أوصلكم الى ما انتم فيه اليوم عندما تعتبر ان العدو الصهيوني يريد تكريس نفوذه في لبنان بـ”أشكال وادوات ليست مجهولة” طبعا ان هذه الادوات ليست مجهولة ولكن لماذا لا تسميها؟
لا احب المجهول يا زميلي لذلك سأسمح لنفسي بتسمية هذه الادوات. أنتم الأداة، عن وعي او عن غير وعي، عن قصد أو عن غير قصد؛ لأنّه إنّ كان يجب البحث عن اختراقٍ ما فابحثوا بينكم عمّن أتمّ صفقة “البيجر” بالشكل الذي تمّت عليه وأدّى إلى إصابة الآلاف واستشهاد المئات وفق مفاهيمكم؟
إبحث في أروقتكم الداخليّة عمّن سلّم لوائح كاملة الى العدو ليعرف وظائف كل المسؤولين ويتتبعهم وهم مجهولين لبقية اللبنانيين.
إبحث بين العمائم عمّن يعرف بتوثيق إجتماع تواجد فيه سماحة السيد حسن نصر الله رحمه الله، لم يكن يجب أن يعلم بتفاصيله إلاّ القلّة القليلة النادرة، خاصةً بعد شعوره بالخذلان وقوله أنّه سيقاتل لوحده، هو الذي ناجى الله عدّة مرات وكأنه إستشرف مسبقاً (لقاء الأحبة).
إبحث بمن شكّ سماحته قبل اغتياله ممّا دفعه ليتوجّه للشعب اللبنانيّ بالقول أنه سيتّخذ القرار في الدائرة الضيّقة ويضرب بيده على صدره…
إبحث… لأنّه للبحث صِلة ولأنّ السرديّات الإيديولوجية المكرّرة لم تعد تفي بالغرض.
عودٌ على بدء، تعتبرون أنّ الحلّ لا يزال بمعادلة “الشعب والجيش والمقاومة”. قد أتفهّم ذلك إنطلاقاً من فهمي واحترامي لكل تاريخكم، والذي يتعاطى مع المنطق الإيمانيّ الغيبيّ.
ولكنّي حكماً أتأسّف على النكران وعدم القدرة على أيّ نقدٍ ذاتيّ يُمَكّننا من التلاقي في حلّ أزماتنا. نقرأ في كتابين مختلفين، وقد سمعت مراراً أصدقاء لي من الطائفة الشيعية الكريمة، يتكلمون عن عاشوراء جديدة نشأت في 10 أيام، تفصل 17 ايلول 2024 (تاريخ تفجير البيجر) عن 27 ايلول 2024 (تاريخ اغتيال سماحة السيد حسن نصر الله)، 10 أيام تعيد احياء ذكرى عاشوراء.
كما سمعت اصدقائي في الطائفة المسيحية يذكرون ان الحرب انتهت في 14 آب 2006 وهو تاريخ يتوافق مع إنتقال السيدة العذراء بالنفس والجسد الى السماء، واستمرّ الحصار حتى 7 ايلول ليلة عيد ميلاد السيدة العذراء. واليوم تمّ وقف اطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024 ممّا يصادف عيد الأيقونة العجائبيّة. هذه قراءة إيمانية غيبيّة اخرى.
هل يمكننا يا زميلي أن نستمر في قراءة كتابين مختلفين؟ لست أبحث عن قراءة في كتاب يخصّني أفرضه عليك، وأرفض ان تفرض عليَّ قراءتك الإيديولوجيّة في كتابك، فهل يمكننا الإلتقاء حول كلمة سواء؟
وكتاب الكلمة السواء الذي ارتضيناه جميعنا بعد انتهاء الحرب اللبنانية هو كتاب الدستور اللبنانيّ، الذي يبني الدولة، دولة لا تحمل إيديولوجيا مجموعة من مجموعاتها، وإنمّا ترعى الجميع في إيمانهم، متساوين امام القانون.
لقد رأيت في مقالتكم التي محّصتها تفتيشاً عن كلمة “سواء”، ضوءاً او خرقاً في جدار إسمنتيّ عندما إعتبرْتَ أنّ النقاش مفتوح إذا ما كانت هناك معادلة أخرى…
نعم، هناك معادلة أخرى لأنّ الكتاب الذي يفترض به ان يجمعنا هو الدستور الذي يشكل مرجعنا لبناء الدولة، التي لا تقوم اذا لم تملك كامل سيادتها. وسيادة الدولة ليست إلاّ حصريّة السلاح في يد المؤسّسات الأمنيّة الشرعيّة، وحصريّة القرارات الإستراتيجيّة والإتفاقيّات الدولية في مؤسساتها.
أتوجّه بهذا الرّد وأنا أعرف أنك الأب المفجوع على فقدان ولده البكر رغم فرحك بنيله الشهادة وفق كتابكم. أما في كتابي، وحتى في الإستشهاد يبقى دائماً وأبداً أنّ موت كلّ طفل، وتشريد كلّ امرأة وكهل، وتدمير كلّ منزل، وموت الشّباب من دون هدفٍ واضحٍ نُجمع عليه كلبنانيين يحزنني ويؤلمني الى أقصى الدرجات.
حتماً ليس هناك من شباب يموت إن لم يكن من أجل قضيّة يؤمنون بها… هم يقدمون أغلى ما لديهم… حياتهم. فإذا لم يثمر موتهم بناء وطن ودولة، عبثًا نحاول… لا بلّ تتحمل قيادتهم مسؤولية موتهم… ولكي تُنتج دماؤهم وطنناً ودولةً، يجب الخروج من حالة النكران والقراءة الغيبية، الى حالة التحام مع الواقع لإنتاج قراءة وضعيّة يتشارك بها كلّ اللبنانيين قراراتهم من خلال كتاب الدستور وتطبيقه.
بالتجربة، سقطت ثلاثيّة “الشعب والجيش والمقاومة” فالشعب مشلّع بين نازح وشهيد وجريح، والجيش ويله، يدفع ثمن حرب لم يقررها ولم يتحضر لها ولم يعرف بها، والمقاومة عاجزة في ظلّ استباحة الارض والبحر والجو.
زميلي سقطت هذه الثلاثية ولن نعود إليها، عسى ألّا يكون كلامي نافذةً لحالةٍ جديدةٍ من النّكران والتخوين، بل باباً لبناء وطنٍ يتساوى فيه الجميع بالحقوق والواجبات.
صديقُك من صَدَقكَ لا من صَدَّقك…