من الصحف

تداعيات بقاء النازحين تُهدّد هوية لبنان واستقراره وإصرار على توطينهم: الاقتصاد تكبَّد 50 مليار دولار والدول المانحة تكفّلت بـ12 ملياراً فقط

الاحداث- كتبت سلوى بعلبكي في صحيفة النهار تقول:"لا يبدو أن معضلة النازحين السوريين في لبنان  مع ما تشكّله من ثقل ديموغرافي هائل (نسبة الى عدد سكان لبنان) ومن ضغط مباشر على الإستقرار السياسي والإقتصادي والمالي، في طريقها الى الحل.
لطالما كان لبنان وجهة أساسية للسوريين. فحركة توافد العمال والمياومين من سوريا والعمالة الموسمية، كانت على مر القرن الماضي نشيطة جدا، وحاجة ضرورية لقطاعَي البناء والزراعة حصرياً. أما بعد اندلاع الثورة السورية، والمآسي التي رافقتها من تهجير قسري إلى دول الجوار، نال لبنان الحصة الأكبر من النازحين نسبة الى عدد سكانه. وترافق ذلك مع انتشارهم الفوضوي على كامل مساحة لبنان، ونشوء مخيمات عشوائية، معظمها لا يراعي الشروط الصحية والإنسانية.

مليونان ومئة ألف نازح سوري في بلد عدد سكانه 4 ملايين، يُعتبر وفق أبسط قواعد علم الإجتماع والإقتصاد، كتلة بشرية ضخمة جدا، لا يمكن إيفاؤها حاجاتها، ولا القدرة على ضبط توزعها بين القرى والمدن، وتاليا سيتبدى تأثيرها الدراماتيكي حكماً على الإقتصاد والبنية التحتية، وهو ما حصل فعلا، فكان أحد الأسباب المباشرة في الإنهيار الإقتصادي الذي يعانيه لبنان اليوم.

بلدات، وأسواق تجارية، ومهن عدة سقطت في يد العمالة السورية، التي افادت من عاملين أساسيين. أولهما غياب الدولة الكلّي عن تنظيم اللجوء، وعدم وضع إستراتيجية امنية وإدارية لذلك، وتغاضيها "المتواطىء" أحيانا عن ممارستهم الاعمال والمهن التي لا يحق لهم قانونا ممارستها. وثانيهما، تراخي المنظمات المانحة الدولية والأممية، في تطبيق شروط اللجوء على المستفيدين من مساعداتها، فبات كل من يحمل هوية سورية من المستفيدين حكماً من "كرم الأمم" من دون التدقيق في ما اذا كانت تنطبق عليه شروط التهجير القسري، أو عدم قدرته على العودة إلى بلاده.

لم تتأخر الدولة اللبنانية في اكتشاف الأزمة، وخطرها على مستقبل البلاد الاقتصادي والإجتماعي، وربما السياسي والأمني. فكل من فيها كان يعرف، لكن الجميع كانت ألسنتهم مقطوعة، ومواقفهم منضبطة تحت سقف التحالفات والتحالفات المضادة والمصالح السياسية المشتركة، والحمايات العربية والدولية التي وضعت مظلة أمان فوق النازحين، إلى أن بات الكلام حول توطين السوريين في لبنان مشروعا جديا جدا، وما تصويت البرلمان الاوروبي بغالبية ساحقة أخيرا، على قرار يدعم إبقاء النازحين السوريين في لبنان، إلا ترجمة فعلية للنيات الدولية التي تريد أن ان تبعد قنبلة النازحين الموقوتة عن بلادها لتفجرها في لبنان بمعزل عما قد يسببه هذا الملف من أذى على اللبنانيين.

الكلفة الاقتصادية للنازحين
فيما تفاقمت خسائر لبنان على كل المستويات بالتزامن مع الانهيار التام للعملة الوطنية مقابل الدولار الاميركي، فصّلت دراسة حديثة لوزارة الشؤون الاجتماعية كلفة النزوح على المرافق العامة منذ العام 2012 وحتى العام 2022. واستندت الدراسة الى تقديرات المديرية العامة للأمن العام اللبناني للعام 2022 التي قدّرت عدد النازحين السوريين بما يناهز الـمليونين و100 ألف نازح، بلغت كلفتهم المباشرة على الاقتصاد اللبناني 49 مليارا و691 مليون دولار، فيما ساهم المجتمع الدولي منذ بداية الأزمة بـ 12 مليار دولار.

وفي تفاصيل الدراسة، أن الاثر المباشر للنزوح السوري نتيجة الخسائر في قطاع المياه، بين (2015-2022)، مليار و633 مليوناً و200 ألف دولار. اما الخسائر الناشئة عن ملف الكهرباء  بين 2014 و2020، فبلغت 23 مليارا و192 مليونا و64 الف دولار.

ولكن يجب الاخذ في الاعتبار أنه لم يتم احتساب الخسائر عن العامين 2021 و2022 بسبب التوقف شبه التام لمعامل الكهرباء، كذلك عدم احتساب استفادة النازحين السوريين من الدعم على الكهرباء الذي اتبعته الحكومات المتعاقبة منذ العام 1994 وذلك بعد تثبيت سعر برميل الفيول بـ 22 دولارا. 

بالنسبة الى النفايات الصلبة، ينتج النازحون السوريون 1500 طن من النفايات يوميا بكلفة متوسطة تبلغ 150 دولارا لمعالجة كل طن. فتكون كلفة معالجة 1500 طن من النفايات في 8 سنوات 657 مليونا و600 الف دولار، فيما بلغ اثر النزوح على البيئة خلال 8 سنوات 879 مليون دولار.

في قطاع النقل حيث ازدادت الحركة المرورية بفعل النزوح السوري 50%، بلغت الحاجة لتغطية تكاليف الصيانة الاضافية للطرق بين 2015 و2022 مليارا و554 مليون دولار. وبلغت تكاليف النزوح السوري على البنية التحتية للقطاع الصحي 611 مليونا و112 ألف دولار. أما في قطاع التربية فبلغت كلفة التعليم الناشئة عن النزوح السوري مليارا و500 مليون دولار.

وتشير دراسة وزارة الشؤون الاجتماعية الى أن حجم الدعم على السلع الغذائية و#الدواء والكهرباء بلغ في أقل من 3 سنوات نحو 10 مليارات دولار منها 3 مليارات لدعم الكهرباء والمحروقات و7 مليارات دولار لدعم المواد الغذائية، فيما بلغ اجمالي افادة النازحين السوريين من الدعم على المواد الاستهلاكية (37%) أي نحو مليارين و100 مليون دولار، والدواء نحو 3 مليارات و472 مليون دولار.

على صعيد التكاليف غير المباشرة، أدى النزوح السوري الى ارتفاع نسبة البطالة بين اللبنانيين الى نحو 35%، اضافة الى خسارة الترانزيت (معبر نصيب)، وتراجع الصادرات بنسبة 30%، تهريب البضائع المدعومة، وارتفاع نسبة الجريمة 30% وزيادة نشاطات الخلايا الارهابية. اما الكلفة الامنية فناهزت الـ 10 مليارات دولار منذ بداية الازمة، فيما ارتفعت الكثافة السكانية (الاعلى في العالم) الى 600 شخص في الكيلومتر المربع الواحد. وقدرت حاجة لبنان الى أكثر من 4 مليارات دولار لإعادة البنى التحتية الى ما كانت عليه قبل الحرب السورية، عدا عن الخسارة الكبيرة الناشئة عن انخفاض معدل النمو في اجمالي الناتج المحلي يراوح ما بين 10 و15 مليار دولار، وهجرة الادمغة.

يبدو ان الحلول في ما لو وُجدت ومعها النيات الحسنة، لن تجد طريقها الى التنفيذ، ما لم تحصل تسوية سياسية إقليمية دولية لا يعلم أحد ما الثمن الذي سيدفعه لبنان أو سيتحمله، للخلاص من هذا الخطر الذي يهدد وحدة المجتمع والهوية الإجتماعية والاقتصادية والحضارية للبلاد.

الأكاديمي والباحث الاقتصادي الدكتور ايمن عمر يؤكد أن لا أرقام دقيقة عن كلفة اللجوء السوري على لبنان وهي عبارة عن تقديرات فقط، بيد أن غالبية التقديرات تشير إلى بلوغ هذه الكلفة نحو 4.5 مليارات دولار سنويا ما بين مباشرة وغير مباشرة، لتتجاوز الـ50 مليار دولار منذ بدء الأزمة في العام 2011. ومن المؤكد أن اللجوء طاول الاقتصاد اللبناني بمجمله بتداعياته السلبية حيث أصاب الكثير من القطاعات الحيوية كالكهرباء والمياه وغيرهما.

يعيش معظم السوريين في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والفقيرة بمعظمها، مما زاد من حالات البؤس والحرمان ومن تعميق التفاوت الاجتماعي. يقدّر عمر الكلفة المالية الإضافية لتوفير الكهرباء للنازحين بأكثر من 300 مليون دولار، ويقدّر استهلاك الطاقة للنازحين بنحو 477 ميغاواط/ ساعة، والاستهلاك السنوي للأسر السورية يبلغ 2,013 جيغاواط/ ساعة، وهذا ما شكَّل عبئا كبيرا على شبكات الكهرباء وصيانتها والحاجة إلى توليد طاقة أكبر، ناهيك عن التعدّيات على الشبكة وحرمان خزينة الدولة حقها في رسوم استهلاك الطاقة، وكذلك ساهم ذلك في خفض ساعات التغذية التي كان من المفترض أن يحصل عليها اللبنانيون.

تعاظمت الحاجة إلى المياه الصالحة للشرب والاستعمال الشخصي، وكذلك ازداد الضغط على شبكات الصرف الصحي. وتقدّر الزيادة في الطلب على المياه بسبب الوجود السوري بنحو 61 مليون متر مكعب سنويا، ولذلك تأثير مزدوج على تأمين المياه الصالحة للشرب وفي الوقت عينه تأثير على الصرف الصحي. وقد ازدادت نسبة تلوث المياه الجوفية والموارد المائية بسبب تضاعف حجم النفايات الصلبة. وأوضح عمر أن الكمية المتوقعة المنتجة من مياه الصرف الصحي تبلغ نحو 120 ألف متر مكعب يوميا، بحيث ازداد إنتاج مياه الصرف الصحي بنسبة تراوح ما بين 8 و14% منذ العام 2011، في ظل قطاع لا يُعالج سوى 8% فحسب من المياه المبتذلة على مستوى لبنان كلاً. 

كذلك أدى اللجوء إلى استنزاف القطاع الصحي والتعليمي، فقد ازداد الطلب على خدمات هذين القطاعين بشكل كبير، إذ تبلغ كلفة استشفاء النازحين سنويا نحو 600 مليون دولار، وتزداد الحاجة إلى الأدوية وبعض الخدمات الصحية، وازدياد استهلاك المدارس والثانويات الرسمية.

ومع ازدياد عدد المقيمين وحاجتهم إلى التنقل تفاقمت مشكلة النقل وما يرتبط بها من زحمة مرور خانقة وازدياد الطلب على المحروقات من بنزين ومازوت وغاز وغيرها، في ظل بنى تحتية لقطاع النقل مترهلة وشبكات طرق سريعة أو داخل المدن متردية.

وبرأي عمر فقد "ساهم اللجوء السوري في خفض الناتج المحلي 2.9% سنويا مما يعني خسارة الاقتصاد اللبناني مليارات الدولارات والدفع إلى ازدياد نسبة البطالة ورفع مستوى الفقر في لبنان، وكذلك ساهم في ازدياد الاستهلاك المحلي وازدياد الحاجة إلى الاستيراد وتفاقم العجز في الميزان التجاري، وكذلك استنزاف الخدمات العامة وازدياد الحاجة إلى الإنفاق العام واتساع حجم العجز المالي.