الاحداث - كتبت ليلى خوري
مع اقتراب الاستحقاق النيابي عام 2026، تعود الأسماء الثقيلة إلى التداول في بورصة الترشيحات، ومن بينها اسم المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي يبرز مجدداً كمرشح محتمل على أحد المقاعد الشيعية في دائرة كسروان – جبيل.
هذا الطرح لا يأتي من فراغ، بل يستند إلى معطيات سياسية وانتخابية تفيد بأنّ حزب الله يدرس بجدية خيار ترشيح اللواء إبراهيم، مستفيداً من رصيده الأمني والوطني ومن صورة رجل الدولة الذي راكم خبرة طويلة في الملفات الأمنية والسياسية الحساسة. غير أنّ نجاح هذا الخيار يبقى مشروطاً بعنصرٍ أساسي: التحالف الانتخابي بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وهو تحالف يتعرّض لاختبارات متكرّرة منذ الانتخابات الماضية.
فـ”التيار”، بحسب مراقبين، هو الطرف القادر على تأمين الحاصل الانتخابي اللازم لمرشح الحزب في هذه الدائرة ذات التركيبة الحساسة. وإذا ما تمكّن الطرفان من إعادة بناء تفاهم انتخابي متين، فإنّ اللواء إبراهيم سيكون أمام فرصة جدّية لدخول الندوة البرلمانية.
لكنّ الأمر يتجاوز الحسابات الانتخابية البحتة إلى البعد السياسي الأعمق. فترشيح إبراهيم، في حال تأكّد، سيُقرأ بوصفه رسالة سياسية غير مباشرة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يتمسك بتوزيع تقليدي للمقاعد الشيعية بين حركته وحزب الله، ويطالب بإبقاء مقعد “حركي” مضمون في دائرة بعلبك – الهرمل إلى جانب المقعد الأساسي هناك. ومن شأن ترشيح اللواء إبراهيم، بما يمثله من استقلالية نسبية عن الثنائية الشيعية، أن يشكّل وجهاً جديداً للمنافسة داخل البيت الشيعي، أو على الأقل إعادة توازن في خريطة التمثيل.
إلى ذلك، لا يمكن فصل الأبعاد السياسية عن القضائية. فاللواء إبراهيم لا يزال يواجه ملفات قضائية عالقة، أبرزها ما يتصل بانفجار مرفأ بيروت عام 2020، وكذلك قضية العميل عامر فخوري التي أثارت جدلاً واسعاً في حينها. ويرى بعض المراقبين أنّ خوضه غمار الانتخابات قد يمنحه حصانة سياسية محتملة، أو على الأقل منصة تتيح له الدفاع عن نفسه في مواجهة تلك الملفات ضمن مناخٍ سياسي داعم.
يبقى السؤال الأهم: هل يغامر حزب الله بدعم ترشيح شخصية خارج الإطار الحزبي الصرف، في وقتٍ تتعاظم فيه الحاجة إلى شدّ العصب الداخلي وتثبيت وحدة الصفّ الشيعي؟ أم أنّ اللواء إبراهيم سيبقى ورقة احتياط تُستخدم في لحظة توازنات دقيقة بين الحزب والتيار، وبين الحزب وحركة أمل؟
وسط هذا المشهد المليء بالحسابات والتحالفات المتشابكة، يبرز سؤال جوهري آخر:
هل من مصلحة اللواء عباس إبراهيم فعلاً أن يترشّح على لوائح حزب الله، وهو الذي تربطه علاقات وثيقة مع الدوائر الأميركية، في وقتٍ تفرض فيه الولايات المتحدة عقوبات صارمة على من يدعم الحزب أو يتحالف معه انتخابياً؟
وهل يستطيع إبراهيم، في حال أقدم على هذه الخطوة، الموازنة بين إرثه الأمني وانفتاحه الغربي من جهة، وانخراطه في تحالف حزبي خاضع للعقوبات من جهة أخرى؟
ثمّة أيضاً سؤال لا يقلّ أهمية:
هل سيغامر التيار الوطني الحر بمنح صوته التفضيلي للمرشح الشيعي في دائرة يغلب عليها الحضور الماروني وتحتدم فيها المنافسة بين مرشحي الطائفة نفسها؟
أم أنّ التيار سيكتفي بتحالف انتخابي شكلي مع حزب الله دون الذهاب إلى الحدّ الذي قد يُضعف موقعه المسيحي أو يثير اعتراضات داخل بيئته الانتخابية؟
هذان السؤالان لا يحدّدان فقط مستقبل اللواء عباس إبراهيم السياسي، بل يرسمان أيضاً ملامح العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله، وبين السياسة اللبنانية ومتغيّرات الإقليم والعالم.
في النهاية، يبدو أنّ اللواء عباس إبراهيم يقف اليوم عند مفترق طرق بين الأمن والسياسة، وبين التجربة الإدارية والمغامرة الانتخابية. نجاحه في دخول البرلمان سيتوقف على تفاعل معادلات ثلاثة: التحالف مع التيار الوطني الحر، قرار حزب الله النهائي، ومآل الملفات القضائية التي لا تزال تلاحقه.
الانتخابات المقبلة قد تكون، بالنسبة إلى إبراهيم، إمّا محطة تتويج لمسار طويل من الخدمة العامة، أو اختبارًا قاسيًا لمعنى القوة في زمن الحسابات المتبدّلة.