Search Icon

هكذا "لجم" برّاك موجة التصعيد و"عطّل" فتيل الانفجار!

منذ 10 ساعات

من الصحف

هكذا لجم برّاك موجة التصعيد وعطّل فتيل الانفجار!

الاحداث  - كتب جورج شاهين في صحيفة الجمهورية يقول:"مما لا شك فيه ان الموفد الرئاسي الاميركي الى سوريا ولبنان توماس براك نجح في لجم موجة التصعيد وعطل فتيل الانفجار على الأقل في الشكل. وعند العودة الى المضمون فقد ثبت أن الديبلوماسي العتيق عبر عن القدرة على نقل الرسالة الاميركية ذاتها بلغة هادئة ولطيفة، خالية من التحدي من دون ان يتجاهل مضمونها واهميتها، وخصوصا لجهة  عدم اعترافه بوجود أي محاور غير السلطات الشرعية تاركا لهم شجون وهموم الداخل.  وعليه ما هي المؤشرات التي تقود الى هذه المعادلة؟
مما لا شك فيه انّ الموفد الرئاسي الأميركي إلى سوريا ولبنان توماس برّاك، نجح في لجم موجة التصعيد وعطّل فتيل الإنفجار على الأقل في الشكل. اما في المضمون، فقد أثبت القدرة على نقل الرسالة الأميركية نفسها بلغة هادئة ولطيفة، خالية من التحدّي، من دون أن يتجاهل مضمونها وأهميتها، وخصوصاً لجهة عدم اعترافه بوجود أي محاور غير السلطات الشرعية، تاركاً لها شجون وهموم الداخل.  وعليه، ما هي المؤشرات التي تقود إلى هذه المعادلة؟
كان طبيعياً أن يُفاجأ كثر باللغة الديبلوماسية التي تحدث فيها برّاك على منبر القصر الجمهوري، للمرّة الأولى بعد لقائه برئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، متحدثاً عن ارتياحه لمضمون الردّ اللبناني على سلسلة اقتراحاته. معبّراً عن "امتنانه الكبير للسرعة والاهتمام واللهجة المتزنة والمدروسة في الردّ على اقتراحاتنا". تاركاً المجال للردّ على مختلف الأسئلة بكل رحابة صدر، وهو أمر لم يكن مألوفاً من قبل.
عند هذه الملاحظة الدقيقة توقفت مراجع عليمة وقالت إنّ براك أعطى بإطلالته الاولى على اللبنانيين انطباعاً بضرورة التهدئة، وإنهاء حال التوتر التي عاشها اللبنانيون في الأيام الاخيرة، نتيجة موجات التهويل التي مورست على أكثر من مستوى، بطريقة أوحت وكأنّ هذه الزيارة هي الثانية والأخيرة للرجل، وأنّ البلاد مقبلة على جولة جديدة من الحرب، أوحت بها الغارات الإسرائيلية المكثفة عشية وصوله، في مقابل المواقف المتشّددة التي عبّر عنها "حزب الله" على ألسنة أعلى قيادييه واستعداده للحرب مرّة أخرى، في ظل افتقار أدنى مقومات المواجهة لأسباب داخلية، بعدما بات وحيداً إن قصد القيام بها مرّة ثانية. وأخرى خارجية تحول دون قدرته على استخدام أسلحته الثقيلة، إن كانت موجودة، أو انّه يمكن التصرّف بها بقرار لبناني محلي، واستجرار البلاد مرّة أخرى إلى موجة من الخراب والدمار التي قيل انّها ستكون غير مسبوقة.
على هذه الخلفيات توسعت المراجع المعنية في قراءة مواقف برّاك والمعادلات الجديدة التي عبّر عنها. فإلى قبوله بالردّ اللبناني في شكله ومضمونه، عبّر عن الرغبة بالعودة إلى بلاده لمناقشتها، كخطوة لا بدّ منها لترجمة الاقتراحات التي تحقق الإجماع من حولها من الجانبين اللبناني والأميركي ومن معهم من القوى الدولية المشاركة في ورشة البحث عن أقصر الطرق للانتقال من مرحلة وقف العمليات العدائية إلى وقف نار شامل وثابت، يتزامن مع  نزع الأسلحة غير الشرعية ووضعها بتصرف الجيش اللبناني وضمان الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي أعيد احتلالها في نهاية حربي "الإلهاء والإسناد" و"أولي البأس"، مجدداً تأكيد "التزام رئيس الولايات المتحدة الأميركية واحترامه الكبير للبنان ودعمه ورغبته في مساعدته ودعمه لتحقيق السلام والازدهار"، مشيراً إلى أنّه لا يظن "انّ هناك اي تصريح مشابهاً لذلك منذ عهد دوايت أيزنهاور".  
وعند الدخول في التفاصيل، يمكن القول بكل بساطة انّ واشنطن لا تنتظر أي موقف من "حزب الله" يتناول مصير سلاحه، او من اي فريق آخر بوجود السلطة الشرعية الجديدة في لبنان منذ انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، فعليها هي وحدها أن تعالج أي عقدة داخلية في بلد سيادي. مكرّراً دعوته المسؤولين "إلى اغتنام الفرصة الآن، وانّه سيكون على الجميع ان يتنازل عن شيء ما. فعندما يتخلّى البعض عن بعض الأمل الزائف او عن التوقعات غير الواقعية او عن الاوهام، ذلك أنّها هي الطريقة الوحيدة لتحظوا بدعم العالم أجمع لتحقيق ذلك، ولا بدّ من أن يبدأ هذا من الداخل. وكل هذا يحدث في فترة قصيرة جداً".
وإلى هذه الملاحظات البالغة الدقة لم يقصّر برّاك في الإشارة إلى ما هو مطلوب من لبنان، إن كانت النية صادقة بالتغيير، "أما إذا لم ترغبوا في التغيير، فلا مشكلة، فالمنطقة بأسرها تسير بسرعة فائقة نحو الاستقرار والازدهار، وانتم ستكونون متخلفين للأسف، وهذه هي فعلاً رسالة الوزير روبيو، والرئيس ترامب، ورسالة العالم أجمع". وهي عبارات وُصفت بأنّها الأدق في هذه المرحلة، بالنظر إلى التطورات المتسارعة في المنطقة، وانّ لبنان مدعو ليجاريها ليكون حاضراً على طاولة المفاوضات عندما تبدأ مرحلة رسم خريطة المنطقة الجديدة وتوزيع مغانم السلم لجهة الإنماء والإعمار". فلبنان كان وسيبقى كما قال "الجسر بين الشرق والغرب، وهذا هو الشعب الأكثر روعة واصراراً في العالم".
وفي غمرة الملاحظات المتعددة التي أسهب برّاك في تعدادها، لفت المراقبين ردّه على سؤال يتصل بـ "انّ ما حصل كان فشلاً اميركياً في عدم ضمان التزام إسرائيل بالهدنة التي أقرّها اتفاق وقف إطلاق النار"، حيث رفض تحميل بلاده المسؤولية لأنّه "لم يكن هناك في الأساس ضامن أمني من الولايات المتحدة لاسرائيل". وأنّ ما كان موجوداً "هو آلية تمّ انشاؤها (mechanism) وأنّ هناك قوات "اليونيفيل" الجهة التي تؤدي الدور التنفيذي التقني، ولكن ما حصل هو انّ بنود اتفاق وقف الأعمال العدائية لم تكن كافية. ولذلك لم يثق أي طرف بالآخر". ولم يكتف بذلك عندما اضاف ما يشكّل نكسة لمصير تفاهم 27 تشرين الثاني 2024، بأنّه "لم يكن هناك ضامن أمني فعلي، بل كانت هناك آلية لا تملك القدرة على تصحيح الخلل عند حدوثه. ولذلك فإنّ انعدام الثقة بين اسرائيل و"حزب الله" والجيش اللبناني وكل الأطراف المعنية، لم يسمح بتشكيل ارضية مشتركة، لأنّ الجميع كانوا في عجلة من أمرهم لإنجاز اتفاق، وأنّ ما تقوم به حكومتكم الآن هو ملء تلك التفاصيل".
وتجزم المراجع المعنية انّ بّراك الذي نجح في "لجم موجة التصعيد وتعطيل فتيل الانفجار"، القى المسؤولية الكبرى على أركان الدولة لاتخاذ القرارات المناسبة التي تسمح باستغلال اللحظة الحالية في المنطقة بفوارق لحظات قصيرة بين احتمال العودة الى التفجير او السلام. وهي مسؤولية كبيرة أُلقيت على عاتق أهل الحكم لإدارة المرحلة بكثير من الجدّية، وأنّ لا حسابات في واشنطن لأي قوة عسكرية او أمنية او سياسية خارج إطار الدولة اللبنانية وسلطاتها ومؤسساتها، بدليل إصراره على الفصل بين ما يجري في لبنان وسير المفاوضات الايرانية ـ الأميركية متى استؤنفت بقوله حرفياً: "لا رابط بتاتاً بين المسألتين، الرابط في ما نقوم به هنا هو انتم، وليست مشكلتنا ما يحصل مع إيران".