Search Icon

هذه عينة من "التعيينات" ... استنساخ لآليات الماضي

منذ 6 ساعات

من الصحف

هذه عينة من التعيينات ... استنساخ لآليات الماضي

الاحداث- كتب نخلة عضيمي في صحيفة نداء الوطن يقول:"التعيينات لا تزال كما كانت طبخة على نار التقاسم والحصص.

إثباتاً على ذلك، لم تنضج بعد التعيينات المالية ولم تتمكن الاتصالات من تأمين حلقة تعيين نواب حاكم المركزي وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف. فكيف يمكن وصف تعيينات لا يقبل الرئيس نبيه بري بها، إلا إذا تم تثبيت وسيم منصوري نائباً للحاكم، في ظل عقبة أخرى تتمثل بإصرار النائب السابق وليد جنبلاط على أن تكون له اليد الطولى في اسم العضو الدرزي؟

وكيف يمكن التباهي بتعيينات مع رفض بري أيضاً، أي مناقشة في اسم المدعي العام المالي متمسكاً بالقاضي زاهر حماده كمدع عام؟

على كل حال، ورغم تبنّي حكومة الرئيس نواف سلام منذ انطلاقتها خطاباً إصلاحياً وإعلانها الالتزام بالشفافية والكفاءة في التعيينات، كشفت سريعاً  آلية تعيين موظفي الفئة الأولى المعتمدة انحرافاً عن أهدافها. فقد باتت هذه الآلية واجهة شكلية لتغطية قرارات محسومة سلفاً في وقت يتم فيه الالتفاف على دور الهيئات الرقابية والإدارية، وعلى رأسها مجلس الخدمة المدنية . وبدلاً من أن يكون للمجلس دور حقيقي في اختيار المرشحين، تقلّص دوره إلى المشاركة الصورية في لجان تقييم شكلية، بينما يظل قرار التعيين النهائي خاضعاً للمساومات السياسية. وقد أكّدت مصادر مطلعة أن لجنة آلية التعيينات التي ضمّت رئيسة مجلس الخدمة ووزراء معنيين أجرت مقابلات ورفعت نتائجها إلى مجلس الوزراء، لكن الاعتراضات برزت حول كيفية عرض الأسماء على الوزراء أثناء الجلسة للتصويت. هذه الممارسة أثارت تساؤلات حول جدية عمل لجنة آلية التعيينات وشفافية الإجراءات المتبعة.

كما أنّ بعض التعديلات على الآلية سمح للوزراء والجهات النافذة بالتدخل المباشر في الترشيحات. فمثلاً، في إحدى عمليات التعيين تسرّبت معلومات عن تخفيض المعدّل المطلوب لاجتياز المرشحين لمعايير آلية التعيين، وذلك لإضافة أسماء مرغوبة سياسياً إلى لائحة الترشيحات. واعتُبر هذا الإجراء “تحايلاً” على الآلية، بحيث يتم تعديل الشروط كلما احتاج الأمر لإدخال مرشح محسوب على جهة معينة.

كذلك تحوّلت بعض التعيينات إلى تحاصص مقنّع داخل إطار الآلية. إذ باتت أسماء المرشحين المفضلين للأطراف النافذة تُسرَّب وتُفرض عملياً قبل بدء الإجراءات، فتأتي نتائج الآلية كتحصيل حاصل وفق التسويات المسبقة. في ما يلي أبرز الأمثلة على ذلك:

• منصب مفوّض الحكومة لدى مجلس الإنماء والإعمار (CDR): تبيّن أنه تم حصر الموقع بمرشح واحد هو زياد نصر، المدير العام لمصلحة سكك الحديد والنقل المشترك. وتشير المعلومات إلى أن مجلس الخدمة المدنية سرّب لائحة المتقدمين للموقع إلى الجهات السياسية، وبشكل مستغرب، انسحب جميع المرشحين المحتملين ولم يبقَ سوى اسم زياد نصر ليعيَّن بالتزكية. 

• تعيين المدير العام لهيئة أوجيرو للاتصالات: على الرغم من الإعلان عن التزام الآلية في اختيار خليفة المدير السابق، كشفت المعطيات أن اسم أحمد عويدات كان متداولاً في الكواليس قبل فترة طويلة من شغور المنصب. فقد أفادت مصادر مطلعة بأن عويدات كان المرشح الأوفر حظاً منذ البداية، بل إن اسمه طُرح قبل استقالة المدير السابق عماد كريدية. ورغم تشكيل لجنة شارك فيها ممثلون عن وزارة الاتصالات ووزارة التنمية الإدارية ومجلس الخدمة المدنية لتقييم المرشحين، جاء الاختيار النهائي متطابقاً تماماً مع التوقعات المسبقة. وقد حلّ عويدات في المرتبة الأولى بنتيجة المقابلات، في حين يرجّح مراقبون أن ذلك كان تحصيلاً حاصلاً للتوجه السياسي الذي حسم أمر التعيين سلفاً. بكلام آخر، استُخدمت الآلية هنا لإضفاء شرعية شكلية على خيار محدد سلفاً. 

• تعيينات أخرى محسومة: تؤكد مصادر موثوقة أن سلسلة تعيينات ستتم قريباً بصيغة مماثلة، حيث تمرَّر عبر الآلية بينما تكون نتائجها معروفة خلف الكواليس. ومن أبرزها:

• رندة حمادة لتولي منصب المدير العام لوزارة الصحة العامة (مخصص تقليدياً للمقعد الدرزي). هي تشغل حالياً موقعاً إدارياً رفيعاً في الوزارة، ويتم الدفع بها إلى هذا المنصب بالتزكية، ما يضمن اختيارها سلفاً مع غياب أي منافسة فعلية.

• فاديا حلال لتولي منصب المدير العام لوزارة الشباب والرياضة (عن المقعد الشيعي). كانت قد عُيّنت مديرة عامة بالوكالة في الوزارة ويتم التحضير لتثبيتها نهائياً بغطاء الآلية، علماً أن تسميتها جاءت نتيجة توافق سياسي لضمان حصة طائفة معينة.

• زياد شيا لتعيينه مديراً عاماً لـمصلحة سكك الحديد والنقل المشترك (خلفاً لزياد نصر). يجري تداول هذا الاسم ليشغل الموقع الشاغر.

هذه التعيينات، وغيرها، وإن تم تمريرها شكلياً عبر لجان الآلية والإجراءات المعلنة، إلا أن نتيجتها محسومة مسبقاً بالتفاهمات السياسية. وبالتالي تنتفي فعلياً قاعدة تكافؤ الفرص التي يفترض أن تضمنها الآلية، ويتم الاختيار على أساس التوزيعات السياسية والطائفية.

المحاصصة تطال الهيئات الناظمة أيضاً

لم يقتصر تكريس هذا النهج على تعيينات الإدارات والمؤسسات العامة التقليدية، بل تمدّد ليشمل الهيئات الناظمة. فرغم إعلان الحكومة أنها أطلقت هيئات ناظمة لقطاعي الاتصالات والكهرباء وستعيّن أعضاء مجالس إدارتها قريباً، تفيد المعلومات المتداولة أنه يجري التداول بأسماء محسوبة على مرجعيات سياسية محددة لملء بعض مقاعد تلك الهيئات. على سبيل المثال:

 

• في هيئة تنظيم قطاع الاتصالات (المنشأة بموجب قانون 431 لعام 2002) وكذلك هيئة تنظيم الكهرباء (قانون 462/2002) ظهرت اتجاهات لتوزيع مقاعد مجلس كل هيئة على أساس طائفي لضمان تمثيل القوى. وقد أشار خبراء إلى أن تشكيل هيئة الكهرباء على هذا النحو – عبر إضافة أعضاء لتلبية التوازنات كما حصل باقتراح زيادة عددهم إلى ستة بدل خمسة – يجعلها مشابهة لهيئة إدارة قطاع البترول التي عُيّنت سياسياً وفقدت فعاليتها.

• الأمر نفسه ينطبق على هيئة الطيران المدني (المنصوص عليها في قانون 481/2002) حيث يجري البحث في أسماء مقرّبة من قوى سياسية مختلفة لتشكيلها، ما يعني تقاسم الهيئة بين هذه القوى. 

إن عودة نهج التعيين على هذه الشاكلة في هذه الهيئات التنظيمية يفرغها من دورها الإصلاحي. فالقوانين التي أنشأتها هدفت إلى تحرير القطاعات من هيمنة الدولة والأحزاب وإشراك القطاع الخاص على نحو شفاف، وقد حذّرت جهات دولية مانحة كالبنك الدولي من هذا التوجه، إذ ترى أنه يقوّض أي إصلاح حقيقي ويبدّد الثقة، حتى أنها لمحت إلى احتمال إعادة النظر بالدعم في حال تمادت التدخلات السياسية في تشكيل الهيئات.

 

يتضح مما سبق أن آلية التعيينات التي رُوِّج لها قد تحوّلت إلى وسيلة لتكريس الأعراف القديمة بأساليب جديدة.

بالنتيجة، الأسماء التي عُيّنت تأتي انعكاساً لموازين القوى داخل الحكومة وخارجها، لا ثمرة منافسة شفافة.

في المحصلة إن استمرار هذه المنهجية يُكرّس حالة الشلل في الإدارة العامة، ويبدّد ثقة اللبنانيين بأي إصلاح. فطالما أن ذهنية المحاصصة تطغى على مبدأ الكفاءة وسيادة القانون، ستبقى مؤسسات الدولة رهينة الترضيات وليس الاستحقاقات. وعليه، فإن أي حديث عن الإصلاح الإداري يبقى مجرد شعار فارغ ما لم يقترن بإرادة سياسية حقيقية لكسر قاعدة التعيينات التقليدية. وفي غياب تلك الإرادة، لن تكون آلية التعيينات سوى ورقة توت تُخفي نظام محاصصة مقنع سيؤدي حتماً إلى إفراغ الدولة اللبنانية من مضمونها المؤسساتي والإصلاحي.