الاحداث – كتب جورج شاهين في صحيفة الجمهورية يقول:"لم يفاجئ تعيين الميجور جنرال مايكل ليني خلفاً لنظيره جاسبر جيفرز رئيساً للجنة الإشراف على تنفيذ تفاهم 27 تشرين الثاني الماضي لتجميد العمليات العسكرية، أياً من المسؤولين اللبنانيين. فهم كانوا على علم بالمهمّة الموقتة لجيفرز، صاحب المسؤوليات الكبرى في قيادة المنطقة الوسطى الأميركية، التي لن تسمح له بالتمركز في لبنان، على عكس خليفته الذي سيقيم فيه في شكل دائم، ليمارس مهمّاته بدوام كامل وإحياء أعمال اللجنة بدءاً من الأسبوع الأول من الشهر الجاري. وهذه بعض المؤشرات التي تبرّر هذا التغيير.
عندما سُمّي جيفرز لحظة وصوله إلى بيروت في 30 تشرين الثاني الماضي لرئاسة اللجنة العسكرية الخماسية المكلّفة الإشراف على تنفيذ التفاهم الذي أحيا القرار 1701 بما نصّ عليه من ترتيبات أمنية في الجنوب وبقية المناطق اللبنانية، قال البيان الصادر عن قيادة المنطقة الوسطى الأميركية التي ينتمي اليها، إنّه سيكون في عمله إلى جانب الرئيس السياسي الموقت للجنة أموس هوكشتاين موفد الرئيس السابق جو بايدن. ولما قيس ذلك القرار في توقيته وشكله ومضمونه، قيل إنّ هناك جدّية أميركية غير مسبوقة في إطلاق عمل اللجنة التي شُكّلت في خلال ثلاثة أيام تلت التفاهم على تجميد العمليات العسكرية عند الساعة الرابعة فجر27 تشرين الثاني العام 2024.
وقيل ايضاً في تلك المرحلة، انّ هناك مهمّات عاجلة أُلقيت على عاتق هذه اللجنة التي مُنحت صلاحيات استثنائية يمكن أن تتجاوز فيها الروتين المعتمد في أي خطوة من الجوانب المختلفة، وانّ الراعي الأميركي تفاهم مع نظيره الفرنسي على كل الخطوات العسكرية التي ستؤدي إلى إعادة الاستقرار في لبنان، على أن تؤمّن في المرحلة الأولى الرعاية السياسية لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية، الذي اعتُبر انّه البند السرّي الرابع عشر الذي لم يُعلن عنه في نقاط التفاهم الثلاثة عشرة. وهو يعني إحضار الرئيس المفقود ليمارس مهمّاته لإنهاء الفراغ الذي امتد من نهاية تشرين الاول عام 2022 بانتهاء ولاية الرئيس السابق للجمهورية العماد ميشال عون من دون انتخاب خليفة له.
وفي الوقت الذي قيل أيضاً انّ المهمّة الأولى للجنة ستكون محصورة بـ60 يوماً للانتهاء من الخطوات الأولية التي تنهي الاحتلال الإسرائيلي للجنوب حتى آخر شبر من أراضيه، وتشرف على تنفيذ الترتيبات المقرّرة في منطقة جنوب الليطاني، بحيث انّ الجيش اللبناني سيتسلّم مهمّة الأمن فيها بالتنسيق مع قوات "اليونيفيل" المعززة، قيل أيضاً انّ مهمّته محدّدة سلفاً، وستنطلق بعد تسمية نائبه الذي سيحمل الهوية الفرنسية. وما هي الّا أيام حتى سُمّي نظيره الفرنسي الجنرال غيوم بونشان في 14 كانون الاول، فدُعيت اللجنة إلى اول اجتماع لها في الثامن منه في إحدى قاعات قيادة "اليونيفيل" في الناقورة، إيذاناً ببدء العمل بتنفيذ ما تمّ التوصل إليه من خطوات، في ظل ما هو متوافر من تجهيزات، لتكون مفاوضات غير مباشرة على المستوى العسكري بين لبنان وإسرائيل.
على هذه الخلفيات، ووفق هذه القواعد انطلقت اللجنة في ظل غموض كثيف لفّ عملها من كل الجوانب، ولا سيما منها الإعلامية. فحصرت بياناتها بعد التفاهم على حفظ سرّية المفاوضات على مستوى الوفدين اللبناني والإسرائيلي، وتوصل التفاهم على أن يكون الإعلان عن حصيلة اي اجتماع لها في عهدة الفريق الأميركي ـ الفرنسي الذي يُصدر البيانات الرسمية بعد كل اجتماع عن السفارتين معاً، وبالطريقة التي يرتئيها الطرفان ومن دون الكشف عن أي تفاصيل كان يتلهف إليها اللبنانيون عموماً وأبناء الجنوب المحتل خصوصاً. وهو ما اعتُمد لفترة قصيرة بحيث إنّ أجواءها الإيجابية لم تدم طويلاً، وقد تعدّدت العثرات والمشكلات الداخلية بين أعضائها التي بقيت بين جدران مقرّ الاجتماعات في الناقورة ولم يتسرّب منها الّا القليل.
وتضيف المراجع العليمة، انّه في الوقت الذي لم تتوصل اللجنة إلى إعلان أي موعد للانسحاب الإسرائيلي من الجنوب كما كان مقرّراً عند تشكيلها من ضمن الأيام الـ60، قدّم هوكشتاين خدمة كبيرة للجنة عندما زار بيروت ما بين 4 و5 كانون الثاني الماضي وقبل أيام قليلة على انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية في التاسع منه، وأطلق مفاجأة كبيرة لم تكن متوقعة بإعلانه انّ الإدارة الأميركية طلبت من إسرائيل إخلاء القطاع الغربي المحتل من جنوب لبنان، فتّم ذلك في غضون ساعات قليلة. وفي الوقت الذي بقيت هذه الخطوة يتيمة، تعثرت اللجنة في التوصل إلى اي خطوة مماثلة ودأبت إسرائيل على تجاهل اللجنة وأعضائها، فتفاهمت مع الإدارة الأميركية على تمديد مهلة الأيام الـ60 التي كان مقرراً أن تنتهي في 27 كانون الثاني 2025، وأعلنت الادارة الأميركية عن تأجيل الخطوات المزمع اتخاذها إلى 18 شباط، ليظهر لاحقاً أنّها لم تكن نهائية وخصوصاً على مستوى الإنسحاب الإسرائيلي الكامل، فاحتفظت بخمس نقاط توزعت على القطاعات الجنوبية الثلاثة بطريقة شكّلت صفعة للجنة وعطّلت أبرز الخطوات التي كانت مطلوبة منها.
لم ييأس أعضاء اللجنة من مسلسل الخيبات، ولا سيما تلك التي نجمت عن استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، بحيث انّها أدّت إلى استشهاد أكثر من 135 مسؤولاً وعنصراً من "حزب الله" ومدنيين لا علاقة لهم بالحزب، إلى ان التأمت في 11 نيسان الماضي وقرّرت في خطوة متقدّمة تشكيل اللجان الثلاث التي كان عليها إتمام ما لم تنجزه، الى أن ثبت أنّ هذه اللجان لم تشكّل بعد في ظل اقتراح اميركي تقدّمت به الموفدة مورغان اورتاغوس بتشكيل لجان ديبلوماسية تكمل المفاوضات بين لبنان وإسرائيل على مستوى الإنسحاب الإسرائيلي من النقاط المحتلة وإطلاق الاسرى وتسوية الخلافات على النقاط الحدودية الـ 13 المتنازع عليها، ولم تجد طريقها إلى التنفيذ بعد.
لا يتسع المقال لشرح المزيد من التفاصيل التي سبقت تعيين البديل من جيفرز. لكن ما تسرّب من زيارته لبيروت انّ هناك نية بإحياء عمل اللجنة، وانّ القائد الجديد سيقيم في لبنان ويدعو مع نظيره الفرنسي إلى لقاء قريب، وانّ جيفرز سيزور لبنان عند الحاجة إن تطلّب الوضع تدخّلاً مباشراً منه. وعدا عن ذلك لم يأت تعيين القائد الجديد بأي خطوة واضحة انتظاراً للأيام الأولى من ولايته الجديدة.. فلننتظر.
&&&&&&&&&&&&&&&&&&