الاحداث- كتبت صحيفة "الأخبار": «الإصلاحات مدخل أساسي لإعادة الإعمار، وضرورة التزام جميع الأطراف باتفاق وقف إطلاق النار للحفاظ عليه، وأهمية التعاون والتنسيق بين الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية».
هكذا اختصر معنيون ما قاله الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت التي عادَ إليها بعدَ آخر زيارة له في آذار الماضي، وهي تأتي في ظل حماوة سياسية - أمنية وملفات مشتعلة أبرزها التهديد بعدم التجديد لعمل «اليونيفل» في جنوب لبنان.
لقاءات لودريان شملت الرؤساء جوزيف عون ونبيه بري ونواف سلام، ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بحضور رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان. وتقاطعت المعلومات على أن «الموفد الفرنسي لم يحمِل طرحاً محدّداً كفيلاً بخفض التوتر الذي باتَ يزداد تعقيداً مع إصرار العدو الإسرائيلي على خرق اتفاق وقف إطلاق النار واعتماد سياسة اليد الطويلة وتوسيع مسرح العمليات وتكرار الاعتداءات على الضاحية الجنوبية، لكنه ركّز كثيراً على الإصلاحات والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي».
ولم يكُن ممكناً، في رأي مصادر مطّلعة على جوّ الزيارة، عزل توقيتها عن «الضغوطات المستمرة على لبنان لتقديم مزيد من التنازلات ومواجهة حزب الله تحت التهديد باستئناف الحرب، ولا عن الترتيبات التي تتصل بأبعاد أوسع تبدأ بلبنان وتشمل المنطقة».
وقالت المصادر إن «زبدة الرسالة التي نقلها لودريان تتمحور حول التأكيد على تنشيط باريس لدورها وإصرارها على مساعدة لبنان، مع الإشارة إلى وجود قرار دولي حاسم، ولا سيما أميركي وإسرائيلي يُصر على تطبيق لبنان للشروط كاملة، وأن فرنسا ستساعد لبنان، لكن عليه أن يقدّم شيئاً ما حتى نستطيع انتشاله من المأزق الذي هو فيه».
كما عرض لودريان للمسار الذي يحفّز الخارج على إعطاء فرصة للبنان من دون أي ذكر لسلاح حزب الله، فكرّر أمام من التقاهم عبارة «الإصلاحات ثم الإصلاحات» ناصحاً بعدم تفويت فرصة أن يكون لبنان في صلب المعادلات التي تُرسم للمنطقة، وهذا ما يتطلّب من الدولة والمؤسسات القيام بجهد أكبر «خصوصاً أن ما أُنجز حتى الآن ليس كافياً للتعافي وإعادة الانطلاق بالبلد وفتح باب الإعمار»، وهو ما ردّ عليه بري بالقول: «إننا أنجزنا الكثير من المشاريع، وبعدَ شهر من الآن سنكون قد أنجزنا رزمة جديدة من المشاريع الإصلاحية»، ممازحاً إياه: «نتمنى أن تكون النوايا طيبة وأن لا تفاجئونا بمطالب جديدة».
وأكّد برّي «التزام المجلس بإنجاز جميع التشريعات الإصلاحية المطلوبة»، مشدّداً على «وجوب الشروع في ورشة إعادة إعمار ما تسبّب به العدوان الإسرائيلي على لبنان»، مقدّراً لفرنسا «جهودها في إطار التحضير لمؤتمر إعادة الإعمار.
وفي ما يتعلّق بالتمديد لقوّة «اليونيفل»، شدّد برّي على «أهمية الجهد الفرنسيّ لمؤازرة لبنان في التصدّي للمؤامرة التي تُحاك ضدّ القوّات الدولية للنيل منها ومن لبنان وجنوبه».
وفي اللقاء مع سلام «جرى عرضٌ للمستجدّات السياسيّة والاقتصاديّة الراهنة، والتطوّرات في الجنوب في ضوء استمرار الاعتداءات الإسرائيليّة على لبنان، إضافةً إلى العلاقات الثنائيّة بين البلدين». وكتب النائب السابق وليد جنبلاط عبر منصة «إكس»: «من المهم أن نتأقلم مع دورات الزمن بالرغم من قساوتها في انتظار ظروف سياسية أفضل.
وفي هذا السياق فإنّ الحفاظ على القوات الدولية في جنوب لبنان أكثر من ضرورة تفادياً للدخول في المجهول في زمن الفوضى والحروب الذي يسود في العالم»، فيما أصدرت «حركة أمل» بياناً اعتبرت فيه أن «قوات اليونيفل كانت وما زالت تمثّل الشاهد الدولي والعملي الحي على تمادي العدوانية الإسرائيلية، التي تسعى لحياكة مؤامرة على قوات الطوارئ الدولية انتقاماً منها ومن لبنان. ولذلك، علينا الوقوف جميعاً والحرص الدائم على احتضان هذا الشاهد الدولي، الذي بات خلال مسيرته في لبنان جزءاً لا يتجزأ من نسيج الجنوبيين».
«اليونيفل»: تهويل لتعديل المهمة
وفيما لم يغب ملف التجديد لـ«اليونيفل» عن المحادثات التي قامَ بها الموفد الفرنسي، لفتت مصادر متابعة إلى أن «سياسة التهويل، قبيل موعد التجديد، ليست جديدة. بل كان لبنان يتعرّض لمثل هذه الضغوط قبيل كل تجديد، وتحديداً خلال العامين الفائتين. وفي كل مرة كنا نصل إلى صيغة مقبولة».
واعتبرت المصادر أن «التهويل يهدف عادة إلى تعديل بعض بنود التفويض من حيث الصلاحيات التي تتمتّع بها القوات الدولية، من قبيل حرية التحرك والتفتيش والدخول إلى الأملاك الخاصة، وعدم الحاجة إلى التنسيق مع الجيش اللبناني أو السلطات اللبنانية»، إذ في عام 2022 تمّ تمرير تعديل في تفويض «اليونيفل» ينص على تمتّع القوات الدولية بحرية التحرك من دون الحاجة إلى إذن مسبق أو تنسيق أو مرافقة من الجيش اللبناني أو غيره، غير أنه في العام التالي سجّل لبنان موقفاً اعتراضياً، وشدّد على الحاجة إلى التنسيق مع الحكومة اللبنانية، وأُدخل هذا التعديل على النصّ.
وحينها جرى التفاهم مع قيادة «اليونيفل» والأطراف الدولية، وخاصة الفرنسيين، على ضرورة التنسيق الكامل. وقال الفرنسيون إن هذه التعديلات شكلية، وإن القوات الدولية لن تتحرك من دون تنسيق.
ولكن، في ضوء النتائج التي أفرزتها الحرب الإسرائيلية على لبنان واتفاق وقف إطلاق النار الذي أعاد الاعتبار بقوة إلى القرار الدولي 1701 والقوات الدولية، بدأت «اليونيفل» منذ اليوم الأول لانتهاء الحرب بتوسيع مهامها وتكثيفها بالتنسيق مع لجنة المراقبة والجيش اللبناني. وتذرّعت قيادتها بأنها تعمل وفقاً لنصّ التفويض الذي تمّ التجديد لها على أساسه، وأنها تنسّق مع الحكومة اللبنانية بشكل تلقائي عبر لجنة المراقبة والجيش، وعبر أصل وجود «اليونيفل» في لبنان ومهامها التي وافقت عليها الحكومة اللبنانية، في حين لا ينصّ التفويض على ضرورة التنسيق المسبق أو مرافقة الجيش اللبناني للقوات الدولية في كل مرة، ولذلك تبرّر قيادة «اليونيفل» بأنها بتحركاتها لا تتجاوز صلاحياتها.
ويسود الاعتقاد الآن أن «الأميركيين والإسرائيليين يريدون التشدّد في البنود وتوسيع المهام وضمان حرية عمل كاملة لليونيفل وتنسيقاً أكبر مع لجنة المراقبة، وأن ما يجري حالياً هو مناورات تفاوضية»، بينما يجري في بيروت التحضير لرسالة رسمية تبعث بها الحكومة اللبنانية إلى الأمين العام للأمم المتحدة يطلب فيها لبنان التجديد لليونيفل، وتحمل تعهّدات بضمان منحها الظروف المناسبة لأداء مهامها وفق القرار الدولي، وشجب أي اعتداء عليها أو تعطيل لحركتها.
ومن المتوقّع أن تتضمّن الرسالة كلاماً منمّقاً عن حاجة لبنان إلى الرعاية الدولية الدائمة واستعراض لفضائل وجود اليونيفل على لبنان والجنوبيين. وكذلك التذكير بالاعتداءات التي طاولت اليونيفل من قبل جيش العدو الإسرائيلي، وهو الذي يعرقل مهامها ويمنع انتشار الجيش اللبناني ويخرق اتفاق وقف إطلاق النار ويحتلّ أراضيَ لبنانية.
وأكّدت المصادر أن «الرؤساء الثلاثة يبدون حرصاً كبيراً على ضرورة التجديد للقوات الدولية، ولكن يتباينون في استعداد كل منهم لقبول صيغة تجديد متشدّدة أكثر»، أما حزب الله فيعتقد بأن هناك «ضرورة» لبقاء «اليونيفل»، لكنه لا يشجّع على القبول بأي تفويض جديد أكثر تشدّداً أو يعطيها صلاحيات أوسع، وهو غير متمسّك بها رغمَ استعداده للتعاون مع الرؤساء في هذا الإطار.