الاحداث- كتب شارل جبور في صحيفة نداء الوطن يقول:"المقاربة اللبنانية التقليدية، الرسمية وغير الرسمية، ترفض فكرة السلام المنفرد مع إسرائيل، وتعتبر أن المصلحة اللبنانية تكمن في الوصول إلى السلام بعد معالجة المسألة الفلسطينية، وذلك في إطار موقف عربي موحّد يستند إلى مقرّرات مبادرة السلام العربية في قمّة بيروت عام 2002 تحت عنوان "حل الدولتين".
لكن، في موازاة هذا الموقف، تتصاعد وجهة نظر لبنانية رافضة لربط المسار اللبناني تجاه إسرائيل بالمسارات العربية أو المبادرة العربية للسلام، وتستند هذه المقاربة إلى جملة اعتبارات، أبرزها:
أوّلًا، أن عددًا من الدول العربية، أبرم اتفاقات تطبيع مع إسرائيل في السنوات الأخيرة، أي بمعزل عن مبادرة قمّة بيروت 2002.
ثانيًا، أن التواصل بين الدولة السورية والدولة الإسرائيلية قائم على قدم وساق، واللقاءات بين الطرفين تُعقد على أعلى المستويات.
ثالثًا، أن لبنان دفع الثمن الأغلى، بعد الشعب الفلسطيني، في الصراع مع إسرائيل على مدى ستة عقود، وكان متروكًا لقدره ومصيره، ومن حقّه بالتالي أن يفصل مساره بعد معاناته الطويلة على هذا المستوى.
رابعًا، أن إقرار مبدأ السلام يُسقط تلقائيًّا الكلام عمّا يسمّى المقاومة وما شابه، خصوصًا أن لبنان، كان قد أبرم اتفاقية هدنة مع إسرائيل عام 1949 حيّدته عن الصراع وأبقته خارج حرب 1967، ومنحه احترام تلك الاتفاقية فترة من الهدوء والتهدئة والاستقرار غير مسبوقة في تاريخه منذ الاستقلال عام 1943.
في المقابل، ثمّة وجهة نظر أخرى تقول إن الخطأ لا يعالج بخطأ من طبيعة أخرى، بمعنى أن المقاربات القصووية غير محبّذة. فإذا كان من الخطيئة تحويل لبنان إلى منصة إقليمية لاستهداف إسرائيل على حساب سيادته وشعبه واستقراره وازدهاره، فمن الخطأ أيضًا الذهاب إلى سلام منفرد من دون غطاء عربي، وتحديدًا سعودي، وفي ظلّ وجود اللاجئين الفلسطينيين على أرضه، وبيئة لبنانية رافضة للتطبيع، لما قد يسبّبه ذلك من انقسام وشرخ جديدين، فيما الحلول الوسطية أحيانًا تبقى مثالية، وهي العودة إلى اتفاقية الهدنة.
وهنا يبرز سؤالان أساسيّان: لماذا تسعى إسرائيل إلى السلام؟ وما مصلحة لبنان منه؟
الهدف الأوّل لتل أبيب من السلام مع دولة مثل لبنان، يكمن في إخراجها من دائرة الصراع، وضمان أمن حدودها الشمالية، أي أن أولويتها أمنية بالدرجة الأولى، وقد انتزعتها بالقوة. أما لبنان، فالصراع فُرض عليه أساسًا خلافًا لإرادته ورغبته في الحفاظ على اتفاقية الهدنة، ولم تكن المواجهة أصلًا بين دولتين، بل بدأت مع المنظمات الفلسطينية، واستكملت مع "محور الممانعة" بشقيه السوري الأسدي والإيراني الخامنئي، فيما كانت الدولة اللبنانية طوال هذه الفترة مشلولة ومصادرة وملحقة.
وإذا كان الهدف الإسرائيلي سابقًا من السلام هو تفكيك الجبهة العربية وتحييد ما أمكن من الدول ضمانًا لأمنها، فقد تحقّق ذلك إلى حدّ كبير مع "حرب الطوفان"، التي نجحت فيها إسرائيل في إبعاد الخطر عنها وإزالته بالقوّة من داخل كيانها وعلى حدودها مع لبنان وسوريا، وبالتالي لم يعد السلام مطلبًا أساسيًّا لديها، وجلّ ما تريده حاليًّا إنهاء الحالة العسكرية الإيرانية في لبنان التي تهدِّد استقرارها. وإذا عجزت الدولة اللبنانية عن تطبيق دستورها بفرض سيطرتها على كلّ الأراضي اللبنانية، فإن إسرائيل ستُبقي سيطرتها العسكرية والأمنية في لبنان حفاظًا على أمنها.
أمّا مصلحة لبنان، فتتمثّل أولًا في العودة إلى اتفاقية الهدنة، والخروج من صراع فرض عليه، واستخدمت أرضه فيه خلافًا لإرادته. فلبنان لا يسعى إلى إزالة إسرائيل من الوجود، ولا إلى الحرب معها، ولا حتى إلى سلام قد يرتدّ سلبًا على استقراره. وبالتالي، فإن المعادلة المثلى اليوم بين بيروت وتل أبيب هي الأمن لا السلام، بانتظار حلّ شامل، مدخله قيام دولة فلسطينية. لكن، وقبل ذلك، تبقى مصلحة إسرائيل في ضمان أمن حدودها مع لبنان، فيما مصلحة لبنان في أن تستعيد الدولة قرار الحرب والسلم، وتمنع بالقوة أي طرف من استخدام أراضيها لمشاريعه الإقليمية، لأن سقوط الدولة بدأ من هذا الباب تحديدًا.