Search Icon

لماذا التحريض ضدّ السعودية؟

منذ 3 ساعات

من الصحف

لماذا التحريض ضدّ السعودية؟

الاحداث- كتب شارل جبور في صحيفة نداء الوطن يقول:"

يشنّ "حزب الله" حملة تحريض ضدّ المملكة العربية السعودية، وليست هذه المرة الأولى طبعًا، إذ سبقتها حملات من النوع نفسه في مراحل مختلفة. والسبب دائمًا تمسُّك المملكة بسيادة لبنان واستقلاله، وحرصها على دستوره واستقراره، ورفضها التدخُّل في شؤونه الداخلية.

ويعتبر "الحزب" أن وقوف دولة خارجية إلى جانب لبنان الدولة يمكن أن يهدِّد سيطرته وسيطرة مرجعيته الإيرانية على البلد، فيشنّ حملاته التحريضية في محاولة لقطع الطريق على الدعم السعودي للدولة اللبنانية كي تبسط سلطتها بقواها الذاتية، وإبقاء لبنان تحت السيطرة الإيرانية.

والسؤال المحوري الذي يختصر هذه الإشكالية، هو: ماذا تريد إيران من لبنان؟ وماذا تريد السعودية من لبنان؟

ما تريده إيران يكمن في إبقاء لبنان ساحة من ساحاتها ضمن إطار مشروعها التوسعي والتخريبي في المنطقة. فبأي قانون دولي مثلًا تسمح دولة لنفسها بدعم ميليشيا على أرض أخرى تمويلًا وتسليحًا وتدريبًا، بما يمنع قيام دولة فعلية، ويُبقي قرار بيروت في طهران، كما يُبقي البلد غارقًا في مستنقع الفوضى والحروب والموت وعدم الاستقرار؟

كان يفترض أن يشق "اتفاق الطائف" طريقه إلى التنفيذ بعد انتهاء الحرب اللبنانية في العام 1990، ولكن تقاسم النفوذ بين نظام الأسد وإيران الخامنئي علّق هذا التنفيذ، وجعل لبنان ملحقًا بالمشروع الممانع في المنطقة، وحوّله إلى ساحة حروب مفتوحة على مدى 35 عامًا، وأعاده إلى العصر الحجري.

وكان يجب أن يسلِّم "حزب الله" سلاحه إلى الدولة اللبنانية في العام 1991 أسوة بسائر الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، ولكنه بحجة ما سمِّي "المقاومة" أبقى على سلاحه كمنصة متقدمة للنفوذ الإيراني، وفوّت على اللبنانيين أربع فرصة أساسية لعودة لبنان دولة طبيعية:

1) فرصة تنفيذ "اتفاق الطائف" في مطلع تسعينات القرن الماضي.

2) فرصة التخلي عن مشروعه المسلّح بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في العام 2000.

3) فرصة التخلي عن سلاحه بعد خروج جيش الأسد من لبنان في العام 2005

4) فرصة تطبيق القرار 1701 الذي يرتكز على "اتفاق الطائف"، ولو تمّ تطبيقه لما انزلق لبنان إلى حرب إسناد أدت إلى تدميره.

وقد أسقطت "حرب الإسناد" التي أعلنها "حزب الله" بعد يوم واحد على "طوفان الأقصى" ادعاءاته كلها بالقوة وتوازن الرعب وبأنه قادر فيما الجيش عاجز، وظهر بالملموس ما كان معروفًا: أن هذا السلاح أعجز من مواجهة إسرائيل، وأن وظيفته الأساسية منع قيام دولة فعلية في لبنان بهدف أن يبقى ساحة لإيران.

ولا شك أن إعلانه الحرب ساهم، خلافًا لإرادته، بتدمير قوته، واضطراره إلى توقيع صك استسلام في 27 تشرين الثاني الماضي منح إسرائيل الحقّ باستهدافه عسكريًّا وأمنيًّا، ووافق بموجبه على تفكيك بنيته العسكرية في لبنان كله. وجاء سقوط نظام الأسد ليقطع طريق إمداده من إيران، وأدى ضعفه العسكري إلى قيام سلطة جديدة في لبنان مصمِّمة على احتكار الدولة للسلاح تنفيذًا لاتفاق الطائف. وبالتالي أصبح للمرة الأولى مطوقًا جغرافيًّا ووطنيًّا وسلطويًّا وشعبيًّا وسياسيًّا، ولم يعد لديه أي حليف داخل الطوائف المسيحية والسنية والدرزية يدافع عن سلاحه.

وقد سمحت هذه التطورات للحكومة بأن تتخِّذ قرارها في الخامس من آب الماضي بنزع السلاح غير الشرعي في لبنان كله، ما يعني انطلاق قطار الدولة الذي كان توقّف قسرًا في العام 1991، ولم يعد بإمكان الفريق الممانع، المنقلب على "اتفاق الطائف"، إيقاف هذا القطار والانقلاب على الوضع الجديد بسبب تبدُّل المعطيات وموازين القوى بشكل جذري.

أما لجهة ماذا تريد السعودية من لبنان؟ فإنها تريد ما يريده الشعب اللبناني بأكثريته الساحقة لنفسه. فالمملكة كان دورها كبيرًا وأساسيًّا في إنهاء الحرب، وفي دعمه ماليًّا واقتصاديًّا، وفي الوقوف إلى جانب الدولة اللبنانية دائمًا. فهي لم تؤسِّس ميليشيا لها في لبنان، إنما وضعت دعمها كله في تصرُّف الدولة وخدمة للشعب اللبناني.

فالهدف السعودي الأوحد من لبنان يكمن في إعادته دولة طبيعية تُحكم من داخل مؤسساتها، ويعيش شعبها في أمن واستقرار وازدهار. وقد عملت المملكة على هذا الهدف منذ عقود. ولولا الرياض لما أعيد إنتاج السلطة في لبنان بانتخاب الرئيس جوزاف عون وتكليف الرئيس نواف سلام وتشكيل الحكومة. ولولا هذه السلطة الجديدة، التي تشكلت من برلمان منتخب وتمثيلي، لما أمكن وضع قطار الدولة على سكة تطبيق "اتفاق الطائف"، وإنهاء المأساة اللبنانية المتواصلة منذ 35 عامًا.

لا يمكن أن ينهض لبنان من دون أصدقائه في العالم الغربي والعربي، وفي طليعتهم المملكة العربية السعودية، خصوصًا أن أحد أبرز أسباب أزمته الرئيسية هو تدخُّل دولة إقليمية كبرى بحجم إيران في شؤونه الداخلية. وبالتالي فهو بأمس الحاجة إلى أصدقائه لدعم دولته ودستوره وميثاقه. فشكرًا للمملكة على دعمها الدائم للبنان.