الاحداث- كتب عبد الوهاب بدرخان في صحيفة النهار يقول:"لماذا تبدو الدولة اللبنانية وحدها في مأزق، كما لو أنها هي التي قرّرت الذهاب إلى "حرب إسناد غزّة" وهُزمت فيها ويتحتّم عليها الآن أن ترضخ لشروط قاسية من أجل استعادة أرضٍ فقدتها رغماً عنها، واستعادة "استقرار" لم يكن يشبه الاستقرار، لكنها أرادت البناء عليه وتطويره لا خسارته؟ اعتقدت الدولة اللبنانية، مطلع هذه السنة، ومع رئاستين جديدتين واعدتين، أنها جاهزة للتغيير والإصلاح واسترجاع علاقات عربية ودولية كانت عميقة وودّية، لكنها اصطدمت بجدار سميك صنعه انكشاف الدولة نفسها، بعدما أعارت السيادة إلى "حزب إيران/ حزب الله" وسلاحه غير الشرعي، وبعدما اعتمدت على هذا "الحزب" لحماية منظومتَي الحكم والفساد... فكانت الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي لم تشهد بعد بداية فعلية لمعالجتها بسبب تنافس المستفيدين منها على حماية غنائمهم. ثم كانت حربٌ أحدثت ولا تزال دماراً اجتماعياً وعمرانياً يضاعف الأزمة.
في المقابل، تبدو الأطراف الإقليمية الأخرى جميعاً قادرة على إدارة مآزقها، مع أن لديها أوضاعاً صعبة أو مضطربة، داخلياً وخارجياً. فقد تموضعت إسرائيل حيال لبنان بما يتيح لها مواصلة احتلالها لأرضه وتوتير يومياته باعتداءات تستهدف "الحزب" وكوادره وعناصره وكل ما تعتبره "بنى تحتية إرهابية" وتتذرّع بأنه يعيد بناء قوّته، حتى إنها لا تكترث للاقتراحات الأميركية بالتفاوض، ربما لأن كل ملفات التفاوض لها حلول ولكن بعد "نزع سلاح الحزب"، أو لأنها تريد التفاوض مع دولة تسيطر على أراضيها وعلى كل سلاح ضمن حدودها، لا مع دولة ترى إسرائيل والولايات المتحدة وحشد من دول أخرى أنها متردّدة وعاجزة.
كلّ هذه الدول تعرف لبنان وتعقيدات تركيبته الطائفية وربما تتفهمها، إلا أنها لا تتفهّم أن تكون هناك دولةٌ وجيشٌ يتصرّفان بعقلانية إلى جانب ميليشيا طائفية تشكّل جيشاً موازياً وتجهر بتبعيته لإيران.
قد تكون ثرثرة توم برّاك عن "لبنان دولة فاشلة" صادمة، لكن التوصيف ليس خاطئاً ولا مفاجئاً (اسألوا اللبنانيين من مختلف الانتماءات). الصادم والواقعي في آن واحد أنه لم يعد يميّز بين الدولة و"الحزب"، كما يعطي أكثر الإشارات وضوحاً إلى أن واشنطن "لن تنخرط أكثر في وضع تتحكم فيه منظمة إرهابية أجنبية ودولة فاشلة تملي الإيقاع وتطلب المزيد من الموارد والمال والمساعدة". ثم أضاف أن أميركا "ستدعم إسرائيل إذا صعّدت عملياتها ضد لبنان".
من الواضح أن الدولة اللبنانية خسرت الكثير من رصيدها في واشنطن، فيما تمكّن النظام السوري الجديد من تطوير العلاقة معها، علماً أنها لم تساعده في ترويض العبث الإسرائيلي في سوريا، أمنياً وسياسياً. لكن دمشق حدّدت أهدافها وأدركت أن الخيارات المتاحة لتحقيقها تمرّ بالضرورة عبر واشنطن، وبدفع من السعودية ودول الخليج. أما لبنان فيتصرّف كأن لديه خيارات أخرى.
عدا إسرائيل وسوريا، تتصرّف إيران أيضاً كأنها تحقق بدورها بعض الأهداف على رغم خسائرها الإستراتيجية، إذ اعتُبرت كعنصر يمكن أن يساعد في ترتيب وضع "حماس" بعد الحرب، ويكفيها موقّتاً أن سلاح "حزبها" عصا تعطّل عجلة الدولة اللبنانية واستراتيجيتها. أكثر من ذلك، عندما طلب الرئيس جوزف عون أن يتصدّى الجيش لأي توغّلٍ أو اعتداء إسرائيلي فإنه اتخذ قراره وفقاً لمنطق الدولة، لكن إيران و"حزبها" تعزّز لديهما الاعتقاد بأن الدولة اللبنانية باقية في "محور الممانعة".