الاحداث- كتبت ندى أيوب في صحيفة الاحبار تقول:"عند إعلان إفلاس شركة ما، يُكلّف فريق متخصص بمهمات التصفية، غالباً ما يكون برئاسة قاضٍ للإشراف على إدارة التفليسة. في لبنان لم يُعلن الإفلاس بشكلٍ رسمي، ولكن تجار الهيكل يجدون في الانهيار فرصةً للبيع والشراء بالبلد وقطاعاته وموارده بأبخس الأثمان. فكيف إذا كان في الحكم اليوم من هو جديد على امتلاك السلطة والقوة، ويتصرّف كجائعٍ انتظر وليمته طويلاً، وواتته الظروف السياسية لممارسة جميع الموبقات بشراهةٍ عالية. في ظل وصاية أميركية مباشرة، تتجه حكومة القاضي نواف سلام، المتعهّدة إدارة التفليسة، للرضوخ للضغوط الأميركية في ملف ترسيم الحدود البحرية مع قبرص، والانقلاب على توصيات لجنة شكّلتها الحكومة السابقة دعت إلى إعادة التفاوض مع الجزيرة المقسّمة، بعدما أدى اتفاق 2007 غير المبرم إلى خسارة لبنان آلاف الكيلومترات من مياهه الاقتصادية الخالصة، وهو ما يرى فيه المؤرّخ المتخصّص في مسائل الحدود الدكتور عصام خليفة «خيانة عظمى» و«بيع وشراء وتمرير صفقات على ظهر الشعب اللبناني». وفي ما يأتي نص الحوار مع خليفة
■ كيف تقيّم توجه اللجنة التي شُكلت أخيراً لترسيم الحدود البحرية مع قبرص إلى تبني اتفاق 2007؟
إذا ثُبّت هذا الاتفاق، ستكون الدولة قد ارتكبت فعل خيانة عظمى، ولا وصف لسلوكها سوى أنّه عمالة وبيع وشراء وتمرير صفقات على ظهر الشعب اللبناني بحرمانه من مئات مليارات الدولارات.
منذ مفاوضات الترسيم غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل قبل سنوات، رفضنا اتفاق 2007 من باب المصلحة الوطنية، وطالبنا بتعديل المرسوم 6433 (الذي يحدّد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان) مع كل من إسرائيل باعتماد الخط 29 بدلاً من 23 منعاً للتخلي عن جزء من مياهنا لصالح العدو، وكذلك مع قبرص لعدم خسارة منطقة واسعة من المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان.
وبعد حملة الضغط التي مارسناها في جمعية «حماية الحدود»، شكّل رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي في تشرين الثاني 2022، لجنة متخصصة خلُصت إلى أنّ اتفاق 2007 يخسر بموجبه لبنان مساحة شاسعة من مياهه الاقتصادية، وخرجت بتسع توصيات أهمها الطلب من الجيش اعتماد آلية ترسيم جديدة تأخذ في الحسبان خط الوسط مع ما يُسمّى بـ«الظروف الخاصة» و«التناسب في أطوال الشواطئ»، وإعداد مشروع مرسوم لتعديل المرسوم 6433 باعتماد الإحداثيات الجديدة، وإعداد اتفاق إطار مع قبرص لإدارة الحقوق المشتركة، وإعادة التفاوض على ضوء الإحداثيات الجديدة، وتسجيل هذه الإحداثيات لدى الأمم المتحدة.
■ هل تعتقد بوجوب انطلاق المفاوضات من تلك التوصيات؟
الصراع على لبنان قائم على الصراع على ثرواته، وكل الجهات تتفاوض علينا، حالنا حال سكان شرق المتوسط. لذلك أي توجّه يضمن عدم خسارة الموارد، في هذه الحالة توصيات لجنة 2022، هو الموقف الوطني الصحيح. وتجدر الإشارة إلى أنّ ميقاتي تقدّم عام 2023، بطلبٍ رسمي إلى قبرص لإعادة التفاوض استناداً إلى تقرير اللجنة.
■ اللجنة التقنية للترسيم التي شكّلتها الحكومة اللبنانية أخيراً برئاسة وزير الأشغال فايز رسامني، ضمّت خبراء من أنصار المضي في اتفاق 2007، واستبعدت آخرين من دعاة إعادة التفاوض واعتماد منهجيات أخرى في الترسيم تتيح للبنان استعادة مساحات شاسعة. هل تقرأ في هذه التشكيلة خلفيات ما؟
يبدو أن هناك جهات خارجية وداخلية لديها مصالح في قطاع البترول والغاز، تتدخل في الملف، وأن توصيات لجنة عام 2022 بعدم السير باتفاق 2007، لا يريدون الأخذ بها، بدليل تشكيلة اللجنة الحالية التي استبعدت شخصاً يُشهد له بالمصداقية هو (رئيس مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش) المقدّم البحري عفيف غيث.
ناقشت ملف الترسيم مع أحد أعضاء اللجنة الحالية (أتحفّظ عن ذكر اسمه)، وذكّرته بمواقفه السابقة يوم خاض معنا معركة رفض اتفاق 2007، وسألته ما الذي تغيّر؟
على القاضي سلام احترام آراء القضاة الدوليين الذين يؤكدون هضم
حقوق لبنان
وعندما أشرت في كلامي معه إلى موقف القاضي الألماني البروفيسور روديغر فولفورم (Rüdiger Wolfrum) الذي شارك أخيراً في ندوة حول الترسيم مع قبرص نظّمتها القوّات البحرية في الجيش اللبناني، وقال إن على لبنان ألّا يعتمد منهجية خط الوسط، بل تطبيق منهجية المراحل الثلاث، أجابني (هذا العضو): أين النصّ لنطرحه على الطاولة؟
استوقفني الجواب لأن النص يفترض أنه في متناول يده عبر الجيش. وللمعلومة، القاضي الألماني أبلغ المسؤولين المعنيين أنّه يضع نفسه في تصرّفهم من دون مقابل.
■ ما تعليقك على دراسة مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش التي أشارت إلى أن لبنان فقد بموجب اتفاق 2007 نحو 5,000 كلم2 من مياهه الاقتصادية؟
أحترم الجيش وعمله التخصصي، ولا أسمح لنفسي بانتقاده.
■ لوّح مدير المخابرات القبرصي تاسوس تزيونس بأنّه إذا رفض لبنان إقرار اتفاق 2007، فإن بلاده ستطالب بمساحات إضافية. كيف يمكن التعاطي مع هذا التهديد؟
قبرص التي ستستحوذ على آلاف الكيلومترات دون وجه حقّ، أستبعد أن تُهدد بـ60 كلم. قد يكون الأمر تهويلاً في إطار المناورات والضغط من قبل الفريق صاحب المصلحة بتثبيت اتفاق 2007.
■ هناك من يعبّر عن خشية من أن عدم توقيع الاتفاق بسرعة واللجوء إلى التحكيم سيؤخّران تلزيم لبنان للبلوكات البحرية لسنوات.
لجنة 2022 أوصت باللجوء إلى التحكيم الدولي في حال فشل المفاوضات، وفوز لبنان فيه أكيد، لذلك لا معنى للتهويل بمسألة تأخر تلزيم البلوكات، ولا سيّما أن لبنان لم يسارع لا في هذا الملف ولا في سواه سابقاً بهدف الاستفادة من موارده.
■ ماذا تقول لنواف سلام بصفته رئيس الحكومة المولج بها الموافقة على شكل الاتفاق؟
سلام قاضٍ ورئيس سابق لمحكمة دولية، وعليه احترام رأي زميله القاضي روديغر فولفورم، وهو من مؤسّسي المحكمة الدولية لقانون البحار، وترأّسها لفترة. سنطلب موعداً سريعاً من سلام، ونحمل إليه ملف الترسيم مع إسرائيل ومع قبرص.
■ كيف ستترجم جمعية «الدفاع عن حدود لبنان» اعتراضها على إدارة ملف الترسيم؟
استكمالاً منا لمواكبة الملف القبرصي، سننظّم تحركات شعبية وسنستخدم كل وسائل الاعتراض المكفولة دستورياً، وإذا اضطر الأمر، سنلجأ إلى وسائل أخرى لنحول دون مرور الصفقة وتحقّق الجريمة الجديدة بحق لبنان وشعبه. وأذكّر أننا بعد الترسيم مع إسرائيل، تقدّمنا بشكوى اعتراضاً عليه وطالبنا بمحاسبة المسؤولين، استلمَتها النيابة العامة التمييزية وجمّدتها، وفي الشكوى نفسها طعنّا باتفاق 2007.