الاحداث- كتبت صحيفة "الجمهورية": المشهد كما يلي؛ مسار الحلّ السياسي مقفل، ومسار التصعيد مفتوح. وكلّ الأنظار مشدودة لمرحلة ما بعد إحباط إسرائيل للمحاولة الأميركية، للدفع بالمسار السياسي نحو بلورة حلول وتفاهمات توقف العدوان الإسرائيلي وتُثبِّت الأمن والاستقرار في المنطقة الحدودية ومنها إلى سائر المناطق اللبنانية. وفي الأجواء سؤال كبير: ماذا تُحضّر إسرائيل، وأيّ واقع تُمهّد لفرضه على لبنان؟
الطرح الأميركي، وكما هو واضح، سُحِب من التداول حالياً أو ربّما عُلِّق حتى إشعار آخر في انتظار ظروف أكثر ملاءمة لطرحه. والسائد على المستوى الرسمي، حذر بالغ من انسداد الأفق السياسي، ورصد قلق للأجواء الحربية التي تُشيعها إسرائيل، بتصعيد الاعتداءات والغارات الجوية والاغتيالات جنوباً (كما حصل بالأمس في عين قانا قضاء صور، باستهداف مسيّرة إسرائيلية لدراجة نارية، ما أدّى إلى سقوط شهيد)، واستباحة الأجواء اللبنانية بالطيران التجسّسي، وتكثيف تحليقه في أجواء بيروت والضاحية الجنوبية، وتركيزه بصورة مُريبة فوق المقرّات الرسمية.
حذر واتصالات
ممّا لا شكّ فيه، أنّ هذه التطوّرات التي تعكس اندفاعة إسرائيل نحو قرع طبول الحرب، وتّرت اللبنانيِّين، وعمَّمت حالاً من الخَوف على مساحة البلد، وخصوصاً مع دعوة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أيال زامير، خلال إشرافه أمس على المناورات الواسعة التي يُجريها جيشه بالقرب من الحدود مع لبنان، إلى «رفع الجاهزية والاستعداد للحرب في جميع القطاعات»، وفي ظل السيناريوهات التي تُروّج عبر بعض القنوات ومنصات التواصل الاجتماعي، وتقارب ما تقوم به إسرائيل في الأيام الأخيرة، كمقدّمة تمهيدية لمفاجآت أمنية في لبنان. وهو الأمر الذي يُقلق كل المستويات الرسمية، إذ تحدّثت معلومات مَوثوقة لـ«الجمهورية» عن حركة اتصالات مكثّفة، في اتجاهات خارجية متعدّدة، ولاسيما مع الأميركيِّين وكذلك مع لجنة «الميكانيزم»، لردع إسرائيل ومنع إنزلاق الأمور إلى تصعيد.
وبحسب المعلومات، فإنّ الموقف اللبناني الذي جرى التأكيد عليه في هذه الاتصالات، ولاسيما لجهة الإلتزام باتفاق وقف الأعمال العدوانية، لم يُقابَل بإجابات تُبدِّد المخاوف، والصورة غير مطمئنة وفق ما يرسمها مصدر معني مباشرة بحركة الاتصالات بقوله لـ«الجمهورية»: «تراخي لجنة «الميكانيزم» التي يرأسها الأميركيّون، أمام إسرائيل، منذ الإعلان عن اتفاق وقف الأعمال الحربية في تشرين الثاني من العام الماضي، أطلق يَد إسرائيل، وجعل عدوانيّتها لا تقف عند حدود، وتبعاً لذلك، حتى الآن لا نستطيع الحديث عن أيّ ضمانة من أيّ طرف لوضع حدّ لعدوانية إسرائيل وإلزامها بوقف العدوان والتقيّد باتفاق إطلاق النار».
إرتياب رسمي
يُستنتَج من هذه الصورة غير المطمئنة، أنّ الوضع مفتوح على احتمالات مجهولة، ويؤكّد ذلك ما سُرِّب من أجواء مستويات رفيعة «من ارتياب كبير من رفع وتيرة التصعيد، وتساؤلات قلقة حول مرامي هذا التصعيد، ليس من الجانب الإسرائيلي فحسب، بل من انتقال توم برّاك صاحب طرح إعادة إطلاق مسار الحل السياسي، إلى وضع لبنان أمام خريطة مواجهة جديدة، رسمها في تغريدته المسهبة على حسابه على منصة «إكس»، وأطلق فيها ما بدا أنّه تهديد مباشر مفاده «الآن هو وقت العمل في لبنان، وإذا فشلت بيروت في التحرّك (لنزع سلاح «حزب الله»)، فإنّ الحزب سيواجه حتماً مواجهة كبرى مع إسرائيل». واللافت في هذا السياق تعقيب «حزب الله» على هذا التهديد، معلناً على لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم بأنّ «التهديدات لا تُخيفنا».
أزمة مستعصية ومفتوحة
وإذا كان ثمة مَن قرأ في كلام برّاك بأنّه يمنح الدولة اللبنانية فترة سماح غير طويلة لسحب سلاح «حزب الله»، فإنّ مسؤولاً رفيعاً يذهب أبعد من ذلك، ليؤكّد رداً على سؤال لـ«الجمهورية»، أنّه «بمعزل عمّا إذا كان الحديث عن فترة سماح جدّياً أو غير ذلك، إلّا أنّها، أيّ فترة السماح، لا تتلاءم مع أزمة مستعصية ليست بالسهولة التي يفترضها البعض، وليس في استطاعة أيّ كان تقدير احتمالاتها ومخاطرها».
وعن تقييمه لطرح برّاك إعادة تحريك مسار الحل السياسي، ومن ثم انتقاله، بعد الإعلان عن فشل هذا الطرح إلى التهديد، أوضح المسؤول عَينه: «أولاً، هل هناك جدّية حقيقية في بلوغ حل سياسي؟ وصحيح أنّنا سمعنا منطقَين مختلفَين، منطق تبريد ومنطق تصعيد من مصدر واحد، لكن هذا الأمر ليس بجديد، فقد سبق وتكرّر ذلك أكثر من مرّة خلال المراحل التي مرّت فيها مهمّة برّاك منذ تكليفه بإدارة الملف مع لبنان».
وأضاف: «ثانياً، وهنا الأساس، فكل ما بدر عن برّاك في الأيام الأخيرة، لم يأتِ من فراغ، بل من صلب إرادة واضحة لتنفيذ قرار أميركي-إسرائيلي بنزع سلاح «حزب الله»، والطرفان يُريدان تنفيذه بأي طريقة ومهما كانت نتائجه».
ورأى أنّه في الماضي كان برّاك يقول إنّ الولايات المتحدة لن تُنزِل الـ«مارينز» للقيام بسحب السلاح، فهذا أمر يعني اللبنانيِّين وحدهم، وأمّا الجديد-القديم حول هذا الموضوع، فهو تلويحه بأنّ هذا الأمر قد يوكَل إلى إسرائيل لضرب الحزب ونزع سلاحه. قد يُقال إنّ إسرائيل قادرة على ذلك بما تملك من قوّة وقدرات، ولستُ أُخرج من حسباني أي احتمال، لكن أمامنا تجربة حركة «حماس»، فهل تمكّنت إسرائيل بعد سنتَين من الحرب التدميرية على قطاع غزة، من أن تنهي «حماس» وتنزع سلاحها؟ في الخلاصة، هناك محاولة واضحة قادها برّاك بالتزامن مع كثافة الاستباحة الإسرائيلية للأجواء اللبنانية، لوضع الدولة اللبنانية أمام ضغط كبير، ولستُ أستبعد أن يستتبع ذلك بمحاولة إشعال فتيل التوتير السياسي في الداخل على سلاح «حزب الله»، ولاسيما في هذه المرحلة التي تُعتبَر مرحلة التحضير للإنتخابات النيابية، التي تعمّد برّاك التطرّق إليها، ليس من باب الحَثّ على إجرائها في موعدها، بل من زاوية تحميل «حزب الله» مسبقاً مسؤولية تعطيلها وتأجيلها».
تغريدة جديدة
وكانت لافتة بالأمس تغريدة جديدة لبرّاك، على منصة «إكس»، استذكر فيها تفجير مقرّ مشاة البحرية الأميركية في 23 تشرين الأول 1983 الذي أدّى إلى مقتل 241 من مشاة الـ«مارينز»، مشيراً إلى: «نُخلّد ذكراهم بتذكّر الدرس: على لبنان أن يحلّ انقساماته ويستعيد سيادته. ولا تستطيع أميركا - ولا ينبغي لها - أن تُكرِّر أخطاء ذلك الماضي».
دخول أوروبي
في السياق عينه، أكّدت مصادر مَوثوقة لـ«الجمهورية»، أنّ جهات ديبلوماسية أوروبية دخلت في الساعات الأخيرة على خط الاتصالات غير المعلنة، إذ تواصلت مع مسؤولين كبار، واستمزجت الرأي في احتمالات الحلّ السياسي على جبهة لبنان. وأشارت إلى أنّ الجواب الذي تلقته تمحوَر حول ما يلي: الوقف الفوري للإعتداءات الإسرائيلية، الانسحاب من الأراضي اللبنانية، الإفراج عن الأسرى اللبنانيِّين، ما يعني الامتثال الكامل لاتفاق وقف الأعمال الحربية المعلن في تشرين الثاني 2024، ولبنان على التزامه الكلي قولاً وفعلاً بهذا الاتفاق، وقيام لجنة «الميكانيزم» بمهمّتها في الإشراف على حُسن تنفيذ هذا الاتفاق، وكذلك البَتّ النهائي للنقاط الخلافية على الخط الأزرق، والاستعداد لترسيم الحدود البرية وفق الآلية التي اتُبعت في ترسيم الحدود البحرية».
لا حرب
ونُقِل عن ديبلوماسي غربي قوله «إنّ الحل السياسي انطلاقاً من جنوب لبنان حاجة لكل أطراف الصراع، وطالما لا ضوابط جدّية للتوتر القائم حتى الآن، فسيستمر الوضع في حالة من التصعيد المتقطع لفترة غير محدودة، لكن لكل الأمور نهاياتها، ونأمل أن تكون هذه النهاية قريبة بحل سياسي يُرسّخ الأمن والاستقرار على جانبَي الحدود».
ورداً على سؤال، استبعد الديبلوماسي انزلاق الأمور على جبهة لبنان، مضيفاً: «لا نرى في الأفق نذر حرب واسعة، وأعتقد أنّ ما يردعها هو شعور الأطراف بأنّ نتائجها لن تكون في مصلحة أي طرف، ونحن نتواصل دائماً مع مختلف الأطراف للتأكيد على ضبط النفس والتحذير من تصعيد المواجهات، وتجنّب ما قد ينتج منها من عواقب ونتائج مدمّرة».
عون: الجميع خسروا
سياسياً، أكّد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أمام وفد منظمات شبابية، أنّ «أمامنا اليوم فرصاً حقيقية لإعادة النهوض بلبنان، ولا نريد إضاعتها والاكتفاء بالبكاء على الأطلال. علينا أن نخرج من الخلافات التي أوصلت لبنان إلى ما وصل إليه، وأن نأخذ العِبر من الماضي لنؤسّس للحاضر والمستقبل على قاعدة ثقافة المواطنة والحفاظ على الوطن. جميع اللبنانيِّين خسروا، وليس فريقاً واحداً، فالاختلاف في وجهات النظر والمواقف حقٌّ مشروع، أمّا الخلاف فهو مدمّر».
وخلال استقباله وفداً من النواب الموقّعين على اقتراح تصويت المغتربين، أكّد الرئيس عون «إنّنا مع حق المنتشرين اللبنانيِّين بأن يكون لهم الدور التشاركي مع اللبنانيِّين المقيمين في القرار السياسي اللبناني، مذكّراً بكلمته أمام أعضاء الجالية اللبنانية في نيويورك بأنّ لأبناء الانتشار اللبناني دوراً كشركاء في القرار السياسي في لبنان من خلال صندوق الإقتراع».
وشدّد عون على مسلمّتَين أساسيّتَين وهما: «إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وعدم تأجيلها تحت أي ذريعة، ووجوب مشاركة المنتشرين في الانتخابات. وعلى النواب الحاليِّين في المجلس النيابي لعب دورهم في تأكيد هاتَين المسلّمتَين وتثبيتهما».
وإذ أشار إلى المعوّقات والصعوبات في تحقيق الإقتراع لممثلين عن القارات الـ6، من الناحيتَين التقنية والتنفيذية التي تحول دون تمكن وزارة الداخلية من تحقيق هذا النوع من الإقتراع، ذكَّر بكلام وزير الداخلية في هذا الإطار، الذي سبق له واستعرض هذه المعوّقات شارحاً إياها أمام النواب.
سلام: أنا قلق
من جهته، أكّد رئيس الحكومة نواف سلام في حديث مع مجلة «باري ماتش» الفرنسية، أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرى الحرب كما يرى ركوب الدراجة: «إن توقّف سيسقط. ولهذا أنا قلِق من الوضع؛ فعلى الحدود مع لبنان نواجه حرب استنزاف، ليست حرباً شاملة، لكنّها حرب تُنهك الجميع».
وعن إمكانية حصول سلام قريب بين لبنان وإسرائيل، أكّد: «فلنكن واقعيِّين. سبق أن أجرينا مفاوضات مع إسرائيل، وخصوصاً بشأن ترسيم الحدود البحرية قبل عامَين. لذا، فالأمر ليس جديداً. ما نُطالب به اليوم هو التطبيق الكامل لوقف إطلاق النار الذي أُعلن في تشرين الثاني الماضي، ولم يُحترم بعد. الإسرائيليّون لم ينسحبوا بالكامل، فما زالوا يحتلّون عدداً من النقاط في الجنوب ويحتجزون أسرى لبنانيِّين. وليكون وقف إطلاق النار فعلياً، يجب تنفيذه لا الاكتفاء بإعلانه».
وعن الجدول الزمني لخطة الجيش، أوضح أنّه «على الأقل هذا هو هدفنا في المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، على أن يُنفّذ المسار على مراحل. في الأشهر الثلاثة الأولى، سيُركَّز على ضبط السلاح: أي منع نقل أو استخدام الأسلحة جنوب الليطاني. ثم تبدأ المرحلة الثانية، وتشمل المنطقة الممتدة بين الليطاني وصيدا». ولفت إلى أنّ «الهدف النهائي واضح: استعادة الدولة احتكارها للقوّة المسلحة، كما نصّ اتفاق الطائف عام 1989، وهذا يعني أنّه في نهاية المطاف، يجب على «حزب الله» - شأنه شأن أي جهة أخرى - أن يعود حزباً سياسياً عادياً بلا جناح عسكري».
وكان سلام قد التقى أمس، قائد القوّة الدولية العاملة في جنوب لبنان الجنرال ديوداتو أبانيارا، وجرى البحث في الأوضاع في الجنوب والتنسيق الذي تقوم به قوات «اليونيفيل» مع الجيش اللبناني والتقدّم الحاصل في تطبيق القرار 1701، كذلك ناقشا التحضيرات لمرحلة ما بعد انتهاء مهمّة «اليونيفيل».