Search Icon

ضمانات أميركية بـ "سمنة" واخرى بـ "زيت"!

منذ 5 ساعات

من الصحف

ضمانات أميركية بـ سمنة واخرى بـ زيت!

الاحداث- كتب  جورج شاهين في صحيفة الجمهورية يقول:"ما انتهت إليه الحملات الديبلوماسية التي خاضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ دخوله البيت الابيض، سعياً لنيل جائزة نوبل للسلام أو لأي هدف آخر، قاد إلى قراءة أوحت بفوارق كبيرة في طريقة التعاطي مع الأزمات الدولية. وإنّ انحصر البحث بحروب المنطقة، فقد برزت مؤشرات تتحدث عن "ضمانات بسمنة وأخرى بزيت"، عبّرت عنها التفاهمات في شأن أوكرانيا ولبنان، عن تلك الخاصة بقطاع غزة. وهذه بعض الدلائل.
عندما تباهى ترامب بجهوده لوقف مجموعة من الحروب العالمية، كان يسعى صراحة وبكل جرأة لنيل "جائزة نوبل للسلام"، متكئاً على ما لديه من قدرات استثنائية، وما له من "مونة" عالمية تتخطّى حدود بعض الدول والشخصيات والأنظمة، قبل أن ترشحه تل أبيب وبعض الدول الأخرى لهذه الجائزة، بمعزل عن النتائج التي انتهت إليها اللجنة المكلّفة هذه المهّمة، إثر الاتفاق على خطته الخاصة بقطاع غزة.
وعلى هامش البحث في عدد من المعطيات المحيطة ببعض الأزمات، برزت مؤشرات عدة، صنّفت الضمانات الأميركية التي وزعها ترامب على أطراف النزاع، يميناً ويساراً، وخصوصاً عندما تمكّن من فرض حلول ومخارج لحروب لم تكن تخطر على بال أحد، عند البحث في العلاقات بين الدول، ودعاها إلى وقف العمليات العسكرية. وهي حالات تميّز بين أشكال هذه الحروب وأسبابها وسبل معالجتها. ومنها تلك التي سعى إلى وقفها، كما في اوكرانيا، وقبلها كتلك التي نشبت لأيام معدودة بين دولتين نوويتين كالهند وباكستان، ومن بعدها بين باكستان وأفغانستان، عدا عن تلك الجارية في أمكنة أخرى من العالم، وكذلك تلك التي تجنّب وقوعها بمعالجة أسباب الخلافات بين عواصمها وواشنطن، كما الحال مع بعض دول أميركا اللاتينية. وما بين الصين وتايوان، وما بين طهران وواشنطن، ولو في ظروف مختلفة في شكلها ومضمونها.
عند هذه العناوين الكبرى تتوسع مراجع ديبلوماسية معنية عند قراءتها لبعض المؤشرات. فتلتقي مع السياسية منها، عند تصنيفها للأزمات وانواع الضمانات التي قدّمها ترامب وفريق عمله، بطريقة لا يمكن بموجبها إجراء أي مقارنة بين التي قدّمها، للإقلاع بتفاهم غزة، وبين الضمانات التي أُعطيت في بقية الأزمات التي عالجها. والدلائل لا تُحصى ولا تُعدّ. ذلك أنّه وعند بروز أي عقدة في الأيام الأولى للتفاهم التي تلت زيارته للكنيست ومشاركته في توقيع التفاهم في شرم الشيخ، لم يترك وسيلة للإيحاء بأنّ ما تقرّر في غزة هو خريطة طريق مقدّسة لا يمكن التلاعب بها او تعديلها، بطريقة تجمّد فيها مسار الامور نحو الطريق الطويل لمعالجة الأزمة، من ضمن مهلة السنوات الخمس التي حدّدها كفترة انتقالية لإنهاء الوضع، ليس في غزة فحسب إنما في منطقة الشرق الأوسط.
وقبل الدخول في أي تفاصيل أخرى، فقد كان كافياً الإشارة إلى حركة الموفدين الأميركيين في اتجاه تل أبيب، بعد أحداث غزة التي تلت الانسحاب الإسرائيلي من أحيائها إلى ما وراء الخط الاصفر، ومقتل ضابط إسرائيلي وجندي آخر، فكان اول الزوار الموفد الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف يرافقه صهر الرئيس جاريد كوشنير، الذي عاد إلى مسرح المنطقة بعد طول غياب، قبل أن يلحق بهما نائب الرئيس جاي- دي فانس، عدا عمّا بذله قائد المنطقة الوسطى الأميركية الادميرال براد كوبر من جهود، وما أطلقه من تحذيرات لوقف العمليات العسكرية، بعدما طاولت الهجمات الإسرائيلية 104 أهداف في غارات غير مسبوقة وحصدت عشرات القتلى والجرحى. وقد أُرفقت هذه العمليات بقرار إلغاء جلسات المحاكمة التي كانت مقرّرة للتحقيق مع نتنياهو، وإقفال المعابر إلى القطاع ووقف إدخال المساعدات إلى المحاصرين فيه.
ولم تقف الأمور عند هذه الأحداث التي تدحرجت بسرعة قياسية، فتدخلت واشنطن بكل قواها ومراجعها من كل حدب وصوب في خلال ساعات قليلة قبل أن تتطور الأمور، ولم تسمح بأن يبقى الوضع على ما هو عليه، بما يهدّد بإمكانية تجدّد الحرب في اكثر من ساعات قليلة، قبل أن تضطر القيادة الإسرائيلية إلى التراجع عن خطواتها العسكرية واللوجستية، لتعيد الوضع إلى ما كان عليه واستكمال الإجراءات المقرّرة لإغاثة الفلسطينيين المدنيين، على وقع إدانة أميركية لعمليات التصفية الجسدية التي مارستها حركة "حماس" في حق معارضيها، ومّن اتهمتهم بالتعاون مع العدو طوال فترة الحرب .
وإذ توقف المراقبون أمام هذه الوقائع، برز ضعف الضمانات الأميركية التي رافقت التفاهمات الأخرى. فالاتفاقات التي نوى ترامب عقدها في شأن أوكرانيا انهارت، ولم يظهر أي أمل باحتمال التوصل إلى اي خطوة تقود إلى الإنفراج ولو بحدود. فوزّع ترامب الاتهامات على بوتين وزيلينسكي، وهدّد بفرض عقوبات على الهند وباكستان لوقف الحرب بينهما، وتفرّج على أحداث باكستان وأفغانستان، وترك أمر الوساطة بينهما للقيادة القطرية، وتناسى موفداه إلى لبنان من توم برّاك إلى مورغان اورتاغوس، والضمانات في شأن تفاهم 27 تشرين الثاني الماضي، ومجموعة المهل التي تحدث عنها التفاهم دون أي ضغوط لاحترامها. فسقطت تباعاً ومعها الخطوات التي كانت على اللائحة حتى اضمحلت نهائياً، وبات الأمر رهن البحث عن تفاهم جديد أو بقاء الوضع على ما هو من تداعيات خطيرة لا يمكن لملمتها أو لجمها في أي توقيت محتمل، على وقع التداعيات التي تركتها المواقف الأميركية والدولية، التي لم تعبّر عن اقتناع بأنّ ما قام به لبنان حتى اليوم كان كافياً لتنفيذ ما تعهّد به، لا على مستوى حصر السلاح غير الشرعي ولا على مستوى الإصلاحات المالية والإدارية المطلوبة.
وختاماً، لا بدّ من  ملاحظة منطقية تفسّر هذه القراءة والمعطيات المتناقضة، لتشير إلى حجم ما هو منتظر من أحداث غير متوقعة في لبنان، إن بقي النقاش يدور حول جنس الملائكة، وتجاهل المعنيون القرارات الأخيرة ما هو مطلوب من لبنان، والخطوات التي تقرّر القيام بها بتوافق لم يتوفر حتى اليوم.