Search Icon

رحل بسام براك… فغاب صوتٌ عربيّ صافٍ باكراً

منذ ساعتين

متفرقات

رحل بسام براك… فغاب صوتٌ عربيّ صافٍ  باكراً

الاحداث - كتبت لور سليمان

رحل الإعلامي والأستاذ الجامعي والصديق بسام براك، وخسر لبنان وجهاً من وجوهه المضيئة في ميادين الإعلام والثقافة واللغة، ورمزاً من رموز الكلمة الموزونة واللفظ الأصيل، بعد معاناة طويلة مع المرض، خاضها بصمت المؤمنين ونبل الكبار.

رحل بسام عن عمر ناهز الثالثة والخمسين، تاركاً خلفه إرثاً من الصوت والمعنى، ومن الحضور الهادئ الذي جمع بين الإتقان والإنسانية.

ولد الراحل ليكون حارساً للفصحى وناشراً لجمالياتها في زمن ازدحمت فيه الأصوات وتراجعت فيه المعايير. بدأ مسيرته المهنية عام 1991 من خلال شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال وإذاعة صوت لبنان، فكان صوته بين الأصوات الأكثر تميّزاً، وإلقاؤه بين الأكثر صفاءً وأناقة. قدّم نشرات الأخبار، وأطلّ على الجمهور ببرنامجه الشهير «خبرة عمر»، ليؤكد أن الكلمة يمكن أن تكون خبزاً للروح لا خبراً عابراً.

عام 2010، انضمّ إلى قسم الأخبار في تلفزيون المستقبل، حيث جمع بين الخبرة والرسالة، ثم تفرّغ للتدريب والتعليم، مؤمناً بأن الجيل الجديد من الإعلاميين لا يمكن أن ينهض من دون لغة متينة وأداء مهني رفيع. فكان أستاذاً ومدرباً وصوتاً منضبطاً في خدمة اللغة العربية وكرامة الكلمة.

في الجامعات، وخصوصاً في الجامعة الأنطونية، كان براك مرجعاً في الأداء اللغوي والإلقاء الإخباري. من خلال برنامجه السنوي «إملاؤنا لغتنا»، رفع راية اللغة العربية عالياً، محوّلاً الإملاء من تمرين مدرسي إلى احتفال بالهوية والانتماء. كما مثّل لبنان في مؤتمرات عربية ودولية، وشارك في مؤتمرات الإعلام في دبي والمجلس الدولي للغة العربية، وعرض أحد أبحاثه الأكاديمية في نادي جامعة هارفرد في بوسطن، فكان سفيراً صادقاً للغة الضاد في محافل الفكر والإعلام.

لم يكتفِ بالتدريس، بل درّب أجيالاً من المذيعين والمذيعات في لبنان والعالم العربي، من تلفزيون لبنان وتيلي لوميار وصوت لبنان، إلى السومرية العراقية وتلفزيون المملكة في السعودية، إضافة إلى معهد مي شدياق للإعلام ومؤسسة بالعربية للّغة والتحديث، حيث ترك أثراً لا يُمحى في الأداء والخطاب الإعلامي.

بسام براك لم يكن مجرد مذيع أو مدرب، بل كان صوتاً ثقافياً وإنسانياً بامتياز. أحبّ اللغة كأنها وطنه الثاني، وصانها كما يُصان التراث. جمع بين الوقار والبساطة، بين الدقة الأكاديمية ودفء الروح. لم يرفع صوته يوماً إلا دفاعاً عن جمال الكلمة وصدق الخبر.

غاب بسام، لكن أثره باقٍ في كل  من عاشره كزميل وصديق ومن تتلمذ على يديه، وفي كل نشرة تُلقى بفصاحة، وفي كل حوارٍ يُدار بالعربية الصحيحة. هو من أولئك الذين لا يموتون حين يغيبون، لأن صوتهم يظلّ يتردّد في أروقة المهنة وذاكرة الوطن.

سلامٌ لروحه النبيلة، ولسيرته التي تليق بالكبار.
تُقام الصلاة لراحة نفسه الثلاثاء 28 تشرين الأول 2025، عند الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر في كنيسة سيّدة الخلاص الرعائية – عين الريحانة، وتُقبل التعازي قبل الدفن وبعده، ويوم الأربعاء في صالون الكنيسة من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر حتى السادسة مساءً.

رحل بسام براك، وبقي صوته دليلاً على أن اللغة الجميلة لا تموت، وأن الإعلام رسالة لا مهنة، وأن لبنان، مهما اشتدت عتمته، لا يخلو من نجومٍ يضيئون الكلمة والضمير.