Search Icon

تخصيص 2.7 مليار دولار لـ«إعادة الهيكلة»: الحكومة تدير ظهرها لـ«إعادة الإعمار»

منذ 11 ساعة

من الصحف

تخصيص 2.7 مليار دولار لـ«إعادة الهيكلة»: الحكومة تدير ظهرها لـ«إعادة الإعمار»

الاحداث-  كتب محمد وهبة في صحيفة الأخبار : عندما نوقش وزيرُ المال ياسين جابر في مسألة إقرار ضريبة المحروقات بذريعة تسديد المنح المالية للعسكريين في الخدمة والمتقاعدين، تبيّن أنّ الخزينة تملك في حسابها لدى مصرف لبنان مبلغ 2.7 مليار دولار (علماً أنّ المبلغ الظاهر في حسابات مصرف لبنان يشير إلى 7 مليارات دولار لكن طريقة حساب هذا المبلغ بين دولار وليرات ودولارات فريش يفضي إلى حصيلة 2.7 مليار دولار فريش).

يرفض جابر استعمال أي قرش من هذا المبلغ لأنه يخصّصه لـ«إعادة الهيكلة»، ويمتنع عن تسديد أي جزء منه من أجل أي إنفاق إضافي، سواء إنفاق اجتماعي لزيادة الأجور في القطاع العام أو في سبيل إعادة الإعمار.

وسبق أن قال جابر لـ«الأخبار» إنه يعمل وفق السقوف التي حدّدها صندوق النقد الدولي أن يكون العجز المالي صفراً وألّا تتجاوز نفقات الخزينة الإيرادات المحصّلة.

وسبقه حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري حين كرّس قاعدة مفادها أنّ ضخّ النقد في التداول يجب أن يكون محكوماً باستقرار سعر الصرف، أي أنه لا يمكن ضخّ الليرات في السوق إلا بحدود الحفاظ على استقرار سعر الصرف، ما أعطى الحكومة ذريعة التوقف عن الإنفاق ومراكمة الأموال في حساب الخزينة.

إذاً، لن تنفق الحكومة أي قرش اجتماعي، لا لإعادة الإعمار، ولا لزيادة الأجور، ولا لتقديم التغطية الصحية الشاملة، ولا للنقل العام… لكنها ستنفق الأموال على «إعادة الهيكلة»، أي على مصرف لبنان والمصارف.

الآن، يمثّل الإعمار أولوية اجتماعية لا تراعيها الحكومة ولا بأي خطوة تقوم بها بحجّة أن ليس لديها الأموال. لم تقم بالحدّ الأدنى من الخطوات. لم تدعُ إلى اجتماع تخطيطي لهذه العملية التي تشمل عدداً كبيراً من بلدات الجنوب المدمّرة بشكل كامل أو شبه كامل أو حتى جزئي، كما أنّ أحياء بكاملها في الضاحية الجنوبية لبيروت رفعت فيها الأنقاض في مرحلة أولى ولا أحد لديه أي فكرة عن باقي المراحل.

حتى القانون الذي أقرّته حكومة نجيب ميقاتي من أجل تمكين إعادة الإعمار، تأخّر مجلس النواب في إقراره من دون أي سبب واضح لشهور، ثم قرّرت حكومة نواف سلام أن تسحبه لإضافة فقرات عليه كان يمكن إرسالها على شكل ملحق وفي النهاية لم يقرّ بعد في مجلس النواب رغم مضي أكثر من ستة أشهر على نهاية العدوان الإسرائيلي على لبنان.

لم تكلّف الحكومة نفسها دعوة التنظيم المدني إلى وضع مخطّطات لإعادة الإعمار، ولم تؤسّس شركة أو صندوق… الخطوة اليتيمة الوحيدة حتى الآن، هي ما قامت به عبر البنك الدولي واقترضت 250 مليون دولار من أجل إعمار البنية التحتية مقيّدة بثلاثة مؤشرات بنتيجتها سيتمّ إلغاء إعادة إعمار بلدات الحافة الأمامية في الجنوب وحصر الإعمار في مناطق الثقل السكاني والمناطق الاقتصادية والأقل تدميراً.

يمكن قول الكثير عمّا لم تقم به هذه السلطة في لبنان، لكن أحدث صيحات الإهمال المتعمّد هي ما تقوم به عبر حصّتها في مصرف لبنان الذي تملكه الحكومة مناصفة مع جمعية المصارف. فقد تفتّقت عبقريّة رئيس مجلس إدارة المصرف أنطوان حبيب في فرض شرطاً لم يكن موجوداً في السابق لمنع أي مشاركة من هذا المصرف الذي تملك نصفه الدولة في الإعمار والترميم، ثم بدأ يتفاخر في مجالسه وعشواته بأنه قام بذلك إرضاء للأميركيين.

فقد تبيّن أنّ مصرف الإسكان اشترط أن يستصدر طالب القرض بوليصة تأمين تتضمّن «مخاطر الحروب»، وهي بوليصة مكلفة جداً إذا وافقت أي شركة تأمين على إصدارها.

وكلفتها قد تفوق كلفة القرض بسقفه الأعلى المعدّل أخيراً في مجلس الوزراء إلى 100 ألف دولار. وهذا الشرط هو حديث الولادة، إذ إنه من الشروط السابقة أن يستصدر طالب القرض (في العادة كان المصرف يصدر له بوليصة التأمين) بوليصتَي تأمين؛ إحداهما تأمين على الحياة، والثانية تأمين على الحريق والزلازل وغيرها من المخاطر الطبيعية.

لكن أنطوان حبيب ابتدع فكرة تأمين على مخاطر الحروب، وهو قال أمام سياسيين ومديرين عامّين وغيرهم، بأنه روّج هذه الفكرة عند المموّل، أي لدى الصندوق العربي للإنماء، ولدى مسؤولي السفارة الأميركية في بيروت ليمنع منح أي أسرة جنوبية أو من سكان الضاحية الجنوبية من الحصول على قرض شراء منزل أو ترميم منزل.

وزارة الاتصالات أوقفت ترميم الشبكة في الجنوب والبقاع ومصرف الإسكان يتفاخر بمنع القروض عن النازحين

طبعاً لا يمكن لوم ممثّلَي الدولة في مجلس إدارة مصرف لبنان كارين طعمة المسمّاة من وزيرة الشؤون الاجتماعية، وتوفيق خالد ناجي المسمّى من وزير المال، لأنهما عُيّنا في 16 و19 حزيران الماضي، لكنهما مسؤولان عن تصحيح هذه الخطيئة، مثل مسؤولية نواف سلام وسائر الوزراء بلا استثناء. فالدولة، بوصفها مالكة لنصف مصرف الإسكان، يمكنها أن تفرض تخصيص قسم من القروض لأعمال الترميم لمن لا يريد أن ينتظر المساعدات أو إنفاق الدولة، ويمكنها أن تقدّم الكفالات في سبيل منح هذه القروض.

وفي السياق نفسه، قرّر وزير الاتصالات شارل الحاج، أن يوقف كل المناقصات التي كانت «أوجيرو» تطلقها لتوسيع شبكة الاتصالات عبر خطوط الفايبر أوبتيك، ومن ضمنها الشبكات التي تحتاج إلى إعادة إعمار في الجنوب، بحجّة أنه يعدّ خطّة للقطاع. أمّا الخطّة التي كانت تنفّذ، فهي كانت تتضمّن إعمار شبكة الاتصالات في الجنوب بقيمة 1.5 مليون دولار وفي البقاع بقيمة 1 مليون دولار.

أليس منطقياً أن يرفع الوزير موضوعاً كهذا إلى مجلس الوزراء لاتّخاذ القرار ضمن خطّته لتوسيع الشبكة على كل الأراضي اللبنانية؟

في القمّة العربية الأخيرة، كان العراق البلد الوحيد الذي أعلن صراحة أنه سيخصّص 25 مليون دولار لصندوق إعادة الإعمار في لبنان، وفي النقاشات الجدّية يقول العراق إنه سيخصّص أكثر من ذلك بكثير لكنه لا يعلم كيف يقوم بذلك في ظل غياب الآلية الرسمية التي تتيح له تنفيذ وعوده.

لكنّ السؤال المثير الذي يفتحه هذا النقاش: هل تريد السلطة البدء بإعادة الإعمار، أم أنها تنتظر «تصريحاً» من الخارج للقيام بذلك؟ لا بدّ من التذكير أنّ حزب الله دفع نحو مليار دولار لغاية الآن على أعمال الترميم والإيواء، لكنّ السلطة ممثّلة بهذه الحكومة لم تسأل عن وضع أي أسرة نازحة أو مهجّرة. لا بدّ من التذكير أيضاً أنّ أطناناً من المساعدات مدفونة تحت ما كان اسمه «محطة شارل حلو للسفر والنقل البري».

للتذكير، من المفيد الإعادة، تملك الخزينة في حسابها لدى مصرف لبنان مبلغ 2.7 مليار دولار يقول وزير المال إنه يخصّصه من أجل «إعادة الهيكلة»، ولم يتحرّك أحد في اتجاه إعادة الإعمار، علماً أنّ كلفة إعمار البنية التحتية التي تدمّرت بفعل العدوان مقدّرة بما لا يزيد عن 300 مليون دولار، وأنّ كلفة الترميم الإنشائي لأكثر من 200 مبنى متضرّر لا تزيد عن 25 مليون دولار.

فلتخبرنا هذه السلطة بكافة ممثّليها في مجلس الوزراء ومجلس النواب: لماذا ترفض التحرّك نحو إعادة الإعمار؟ ولأي أسباب؟ الإجابات الخارجة من أبواق السلطة أنها أدارت ظهرها لإعادة الإعمار التي لم تعد تمثّل أي أولوية بالنسبة إليها.

مسؤول نقدي دولي: لا شروط سياسية

في وقت يردّد المسؤولون في الحكومة ومصرف لبنان، أن صندوق النقد الدولي، وكذلك البنك الدولي، يضغطان على لبنان لمنع مراكمة أي عجز في الموازنة العامة، فإن هؤلاء يتجاهلون طبيعة التحديات الماثلة أمامهم.

فتوصية هذه المؤسسات الدولية، تستهدف منع الحكومة من مواصلة سياسة الإنفاق غير المجدي في بعض الأحيان، علماً أن المنظمات الدولية لا تحب القطاع العام عموماً.

وقد سألت «الأخبار» مسؤولاً بارزاً في مؤسسة مالية دولية حول حقيقة الشروط، فأوضح أن الملاحظات التي يعرضها مندوبو المؤسسات الدولية في مناقشاتهم مع الحكومة، تنحصر عملياً في مراجعة السياسات المتّبعة. ولكنها لا تقف عند ملف مثل ملف إعمار ما هدّمته الحرب.

 

ويقول المسؤول: «ليس في العالم كله، من مؤسسة دولية، تجرؤ على وضع شروط أمام معالجة الآثار الناجمة عن حروب أو كوارث طبيعية، وإن هذا الأمر لا يرد أصلاً في أي نوع من المناقشات، كما أن الحكومات في غالبية دول العالم لا تقبل أصلاً أحداً أن يناقشها في مسألة تخص مساعدة شعبها».

وينفي المسؤول أن يكون ورد إلى مسامع أيّ من مسؤولي المنظمات المالية الدولية، أو حتى وزارات المالية في دول تناقش أوضاع لبنان، أي كلام عن وضع شروط على عملية إعادة إعمار ما هدّمته الحرب الإسرائيلية على لبنان.

ويوضح: «إن لبنان يملك موازنة عامة، ولديه احتياطي خاص، كما يعرف الجميع أن لديه في حساب الخزينة مبالغ مالية كبيرة، وهو يقدر على استخدام ما يحتاج من هذه المصادر لتمويل عملية الإعمار، وعدم رهن هذه الخطوة لا بمساعدات من الخارج ولا بشروط أخرى».

يضيف المسؤول نفسه: «الجميع يعرف أن هناك ضغوطاً سياسية على لبنان بشأن دفعه إلى خيارات سياسية معيّنة، وقد تلجأ حكومات كبيرة في العالم إلى عدم تسهيل حصول لبنان على مساعدات مالية لهذه الورشة، كما يمكن لممثّلي هذه الدول أن يعطوا إشارات من نوع أن لا تزيدوا من العجز بسبب إنفاق على إعادة الإعمار، وقد يقول أحدهم للمسؤولين اللبنانيين: «احفظوا ما لديكم في خزائنكم، وانتظروا المساعدات الخارجية.

وحتى لو حصل ذلك، فإن على الحكومة اللبنانية تجاهل هذه الأمور، ويمكن لها أن تبادر إلى علاجات، قد لا تغطي كامل كلفة إعادة الإعمار، لكن يمكن لها المباشرة في مساعدة الناس على إعادة بناء مساكنهم، سواء من خلال برنامج دعم مجّاني، أو من خلال برنامج قروض من دون فوائد». ودعا المسؤول نفسه اللبنانيين إلى عدم تصديق ما يقوله أي مسؤول حول موانع لقيام الحكومة بدورها على هذا الصعيد.