Search Icon

بطرس حرب : حذار تفويت الفرصة مجدّداً

منذ 3 ساعات

من الصحف

بطرس حرب : حذار تفويت الفرصة مجدّداً

الاحداث- كتب النائب والوزير السابق بطرس حرب في صحيفة النهار يقول:"ممّا لا جدل حوله أنّ اللبنانييّن عجزوا عن بناء الدولة السيّدة الحرّة المستقلّة، بسبب خلافاتهم حول مفهوم السيادة والاستقلال والدولة، وحول دور لبنان في محيطه، وعلاقاته مع دول العالم العربي والإقليم، وخروج بعضهم عن مبدأ الولاء الكامل لوطنهم،  فضلاً عن صراعاتهم حول السلطة وكيفيّة حكم دولتهم وطغيان مصالحهم الفئويّة والحزبيّة والعائليّة والمذهبيّة والشخصيّة على المصلحة الوطنيّة، ما جعل لبنان أرضاً خصبة للصراعات الدوليّة والإقليميّة، وعرّضه لحروب وأزمات خطيرة كلّفته الكثير من النكبات والمآسي، التي لا يتّسع المقال لذكرها.
بنتيجة الأزمات الكبرى التي هدّدت المصالح الدوليّة، تدخّل المجتمع الدولي وبعض أشقاء لبنان أكثر من مرّة لمساعدته على الخروج من مآزقه، إلاّ أنّ كلّ المحاولات باءت بالفشل، بسبب انقسام اللبنانييّن حول الحلول المقترحة، ورغبتهم في تحسين مواقعهم في السلطة، ما سمح لغير اللبنانييّن باستغلال هذا الواقع لتعزيز نفوذهم السياسي في المنطقة، وعرّض لبنان للاحتلال الإسرائيلي أكثر من مرّة والهيمنة الفلسطينيّة والسوريّة والإيرانيّة في مراحل أخرى، ما أوصلنا إلى الحال التي نتخبّط فيها الآن.
واليوم، بعد التطورات الدراماتيكيّة التي حصلت، وبعد ثبوت عدم صحة المقولة التي بشّر بها "حزب الله" لتبرير وجوده المسلّح خارج الدولة، والتي تبنّاها ميشال عون قبل وبعد وصوله إلى رئاسة الجمهوريّة من "أنّ الجيش اللبناني، (الذي كان قائده)، عاجز عن الدفاع عن لبنان، وأنّ وجود سلاح حزب الله حاجة لتحرير الأرض المحتلّة وحماية لبنان من أيّ عدوان حتى حلّ القضيّة الفلسطينيّة برمّتها"، وبعد ضرب البنية العسكريّة لـ"حزب الله" وكادراته القياديّة، وتدمير كامل الجنوب، وتهجير مئات آلاف اللبنانييّن، وقتل الكثير من مقاتلي الحزب ومن الأطفال والشيوخ والمواطنين العزّل، وبعد قبول "حزب الله" بتسوية دوليّة لوقف استمرار الاعتداءات الإسرائيليّة الوحشية، تقضي بتطبيق القرار 1701 وسائر القرارات الدوليّة المتعلّقة بلبنان، والتي تنصّ صراحة على حلّ ميليشيا "حزب الله" العسكريّة وتسليم سلاحه للسلطة الشرعيّة، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانيّة، التي يُفترض أن تبسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانيّة...
بعد كلّ ذلك، نواجه اليوم أزمة لا تقلّ خطورتها عن استمرار الحرب، مرتبطة بتنفيذ قرار الدولة الشرعيّة بتسلّم سلاح الحزب وحلّ المنظّمة العسكريّة التابعة له، وبموقف الحزب الرافض لهذا القرار، وتهديده بعظائم الأمور إذا قرّرت الدولة السير به، متذرِّعاً بأنّ تسليم سلاحه للسلطة الشرعيّة خدمة لإسرائيل وأنّ هذا القرار مخالف لوثيقة الوفاق الوطني التي أُقرّت في الطائف، ما أعاد لبنان إلى عين العاصفة، وأسقط الفرصة التاريخيّة التي تتوفّر للبنان.
ففي الوقت الذي سئم فيه اللبنانيّون من الحروب العبثيّة التي حوّلت لبنان إلى ساحة للصراعات الإقليميّة وكبدّتهم أفدح الخسائر المعنويّة والماديّة، نتساءل عن الأسباب الحقيقيّة التي تدفع "حزب الله" إلى تمسّكه بسلاحه غير الشرعي، ورفضه انتهاز الفرصة لإعادة بناء دولة سيّدة، وتحرير ما احتلّه العدو الإسرائيلي من أراضٍ، ووقف الانتهاكات اليوميّة التي يقوم بها لاغتيال عناصره وتدمير مخازنه، بعدما ثبت أنّ هذا السلاح لم يحمِ لبنان، بل على العكس من ذلك شكّل مبرّراً لشنّ إسرائيل أبشع وأقذر حرب ضدّ لبنان واللبنانييّن.
ونتساءل حول مصلحة الحزب في مواجهة دولته وسلطته الشرعيّة، ودفع البلاد إلى حرب أهليّة، والاصطدام بالجيش اللبناني، مع المخاطر الكبيرة التي ستترتّب عليها على وحدة لبنان والعيش المشترك.
أمّا بالنسبة إلى زعم "حزب الله" أنّ قرار حلّ ميليشياه وتسليم سلاحه للدولة مخالف لوثيقة الوفاق الوطني، فأودّ أن أؤكّد، كمشارك في مناقشة الوثيقة وصياغتها، أنّ هذا الزعم غير صحيح إطلاقاً، لأنّه لم يرد في الوثيقة كلمة واحدة عن  المقاومة وسلاحها، بل على العكس من ذلك، أكّدت في البند ثانياً، تحت عنوان "بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانيّة"، حلّ جميع المليشيات اللبنانيّة وغير اللبنانيّة وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانيّة"... ولم تستثنِ أيّ تنظيم مسلّح من تسليم سلاحه للدولة.
أكثر من ذلك، نصّت الوثيقة في البند ثانياً، تحت عنوان تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي على أنّ "استعادة الدولة (اللبنانيّة) لسلطتها حتى الحدود الدوليّة مع إسرائيل تتطلّب: 
"ب- التمسك باتفاقيّة الهدنة المتوقّعة في 23 آذار 1949.
"ج- اتخاذ كافة الإجراءات لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سلطة الدولة على جميع أراضيها، ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانيّة المعترف بها دولياً، والعمل على تدعيم وجود قوّات الطوارئ الدوليّة... لتأمين الانسحاب الإسرائيلي ولإتاحة الفرصة لعودة الأمن والاستقرار إلى منطقة الحدود"، ما يؤكّد الاتفاق على  وجوب "التزام الطرفين (اللبناني والإسرائيلي) بعدم اللجوء إلى القوّة العسكريّة، وعلى عدم تنفيذ أيّة أعمال عدائيّة"... 
لقد أوكلت وثيقة الوفاق الوطني إلى الدولة اللبنانيّة الشرعيّة،  دون غيرها، اتخاذ كافة الإجراءات لتحرير الجنوب، وأعادت تأكيد تمسّك لبنان باتفاق الهدنة مع إسرائيل، رغم الاعتداءات الإسرائيليّة المتكرّرة على لبنان، كما رفض أكثريّة النوّاب الساحقة في الطائف حتى مناقشة المذكرة التي تقدّم بها بعض النوّاب، حلفاء سوريا في المؤتمر، تحت تسمية "الجبهة الوطنية"، والتي ورد في البند الثامن منها ما حرفيّته: "دعم المقاومة الوطنية كأسلوب رئيسي لتحرير الأرض من العدو الصهيوني"... 
أمّا بالنسبة إلى الذرائع الأخرى التي تُطرح حول الخوف من التكفيريين، الذين يمارسون الإرهاب بحق الشيعة والدروز والمسيحييّن في سوريا، فليست إلا حجّة واهية، باعتبار أنّ القوى الشرعيّة اللبنانيّة، من جيش وقوى أمنيّة، هي المسؤولة عن حماية كلّ اللبنانييّن، وهي قادرة على صدّ أي محاولة للتدخّل في لبنان، وأنّ الشعب اللبناني بكامله يقف وراءها لمؤازرتها عند تعرّض لبنان لأيّ عمل إرهابي.
بقي أن نُخرج موضوع تسليم سلاح الحزب من جوّ المزايدات والتحدّيات بعد أن صدر قرار الدولة بوجوب تسليمه، وإخراجه من النقاش، والانصراف إلى معالجة الأمر بروح استيعابيّة تزيل المخاوف وتطمئن أصحابها إلى أنّ الدولة هي المسؤولة عن حماية كلّ اللبنانييّن، وخاصة "حزب الله" وقياداته، بعد تسليمه السلاح، والكفّ عن لغة التشنّج وإبدال كلمة "نزع سلاح" حزب الله  المستفزّة بكلمة "تسليم" السلاح طوعاً.
للبنانييّن فرصة تاريخيّة ثمينة لا يجوز تفويتها بسبب خلافاتنا وصراعاتنا، وهي فرصة لن تتكرّر، وإن لم نحسن توظيفها لمصلحة لبنان، نكن قد أسهمنا في إجهاض أيّ أمل بدولة قانون موحّدة تجمع اللبنانييّن وتحول دون توجّه البعض للمطالبة باعتماد صيغ الفيديراليّة والتقسيم، لرفضهم الخضوع لسلاح فريق من اللبنانييّن وإرادة من يملكونه في تدمير ما بقي من لبنان. فحذارِ تفويت هذه الفرصة.