الاحداث - ترأّس راعي أبرشية البترون المارونية، المطران منير خيرالله، قداس ذكرى تطويب القديسة رفقا وعيد الاستقلال في دير مار يوسف – جربتا، بمشاركة عدد من كهنة الأبرشية: بطرس فرح، بيار صعب، أنطوان مارون، شربل فغالي، ومرشد الدير الأب ميشال ليان، وحضور حاشد من الأخويات والمؤمنين.
وبعد تلاوة الإنجيل المقدس، ألقى المطران خيرالله عظة بعنوان:
«توبوا، وأثمروا ثمرًا يدلّ على توبتكم» (لوقا 3/8)، استعاد فيها المسيرة الروحية والوطنية التي تجمع سنويًا المؤمنين منذ العام 1985 في جربتا، جامعًا بين ذكراهما: عيد القداسة وعيد الاستقلال.
وقال: “في 22 تشرين الثاني 1985، تداعينا للمرة الأولى، بعد خمسة أيام على إعلان الراهبة رفقا طوباوية ولمناسبة عيد الاستقلال، مع الأخويات والكهنة وأبناء وبنات الأبرشية، إلى مسيرة صلاة وتوبة إلى دير مار يوسف جربتا. وجئنا اليوم، بعد أربعين سنة، وتثبيتًا لهذا التقليد المقدس، نحتفل معًا بعيدين: عيد القداسة وعيد الاستقلال. وبين الاثنين قرابة روحية ووطنية، إذ هما ثمرة تضحيات شعب وكنيسة وأفراد، اقتضيا مسيرة طويلة من الجهود اليومية والمستمرة كي نحصل على نعمة القداسة وفرح الاستقلال”.
وأضاف: “نحتفل أولاً بعيد القداسة في هذا الدير المبارك الذي شيّدته القديسة رفقا مع أخواتها الراهبات سنة 1897 في وادي جربتا ليكون محجًّا للصلاة والإشعاع الروحي. وقررت أن تمشي مسيرة القداسة على خطى أبينا القديس مارون في الروحانية النسكية التي تقوم على العيش في القرب من الله على قمم الجبال، كما فعل قبلها القديس شربل، أو في قعر الوديان كما فعل مئات النساك في وادي قنوبين، في الصلاة والتأمل بكلمة الله والتقشف والتجرد والعمل في الأرض. وطلبت أن تشارك يسوع في حمل الصليب؛ فقبلت منه الآلام لتكرّس ذاتها في سبيل التكفير عن خطاياها وخطايا كثيرة كانت تُرتكب في عصرها، بخاصة بين 1840 و1860 حين كان الموارنة والمسيحيون يُذبحون في زمن العثمانيين. فصارت القديسة رفقا شفيعة الألم والمتألمين ورسولة الرجاء لكنيستها وشعبها”.
وتابع: “أما العيد الثاني، عيد الاستقلال، استقلال لبنان الوطن والدولة، فهو أيضًا، كما مسيرة القداسة، احتاج إلى جهود وتضحيات كبيرة من شعبنا قدمها على مرّ التاريخ، وبخاصة منذ بروز ملامح الكيان اللبناني مع الأمير فخر الدين في القرن السادس عشر، وحتى إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920 بجهود البطريرك إلياس الحويك، الذي أرادها كبيرةً لا في جغرافيتها وأرضها فحسب، بل في دعوتها ورسالتها. أراد لبنان وطنًا رسالة ودولةً مدنية يعيش فيها اللبنانيون – مسيحيون ومسلمون ودروز ويهود – في الحرية والكرامة واحترام التعددية؛ دولةً تعطي الأولوية للانتماء الوطني والمساواة في المواطنة وتحترم تعددية الانتماءات الدينية والطائفية والحزبية والثقافية والحضارية. ومن 1920 إلى إعلان استقلال لبنان سنة 1943 مع البطريرك أنطوان عريضة ورئيس الجمهورية بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح”.
وأضاف: “ولكن سرعان ما اهتزّ هذا الاستقلال، بخاصة مع فتنة 1958 ومع اندلاع الحرب، بل الحروب، سنة 1975، ثم مع تراكم الصراعات والأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية. وها نحن اليوم نحتفل بالذكرى الثانية والثمانين على نيل الاستقلال، وبالذكرى الخمسين على بدء الحرب وانهيار الدولة”.
وتابع: “ويحق لنا أن نتساءل: هل كنّا فعلاً جديرين بنيل هذا الاستقلال؟ هل بنيناه على أسس تؤمّن له الثبات والديمومة؟ أم هل سعينا إلى الاحتفاظ بالاستقلال الذي دفع آباؤنا وأجدادنا الأثمان الغالية لنيله وجعلوا من لبنان وطنًا رسالة في الحرية والديمقراطية والعيش معًا في احترام تعددياتهم، كما اعترف لنا بذلك معظم رؤساء العالم والباباوات، وآخرهم البابا القديس يوحنا بولس الثاني والبابا بندكتوس السادس عشر والبابا فرنسيس؟”.
وأضاف: “وفيما نختتم السنة اليوبيلية للرجاء، وننتظر بفرح ورجاء زيارة قداسة البابا لاوون الرابع عشر الذي يأتي على خطى أسلافه ليثبّتنا في إيماننا ورجائنا ورسالتنا المميزة، نرى أننا بحاجة ماسّة إلى أشخاص، لا سيما رجال دولة مسؤولين وسياسيين ومدنيين عاملين في الحقل العام، يقبلون التضحية بمصالحهم الخاصة والعمل معًا في سبيل بناء استقلال جديد في دولة القانون التي يتساوى فيها المواطنون في حقوقهم وواجباتهم”.
وأوضح: “وسيذكّرنا البابا لاوون الرابع عشر بما طلبه منا البابا القديس يوحنا بولس الثاني في إعلانه عن سينودس الأساقفة الخاص بلبنان، أي بتغيير الذهنيات والتوبة وتنقية الذاكرة، وبما قاله لنا البابا فرنسيس في إعلانه عن سينودس الأساقفة الخاص بالسينودالية، أي بالسير معًا في الإصغاء والحوار والتمييز؛ وكل ذلك بهدف الوصول إلى مصالحة وطنية وبناء سلام عادل وشامل ودائم”.
وختم: “وهذا يقتضي منا جميعًا، مسؤولين ومواطنين، أن نعمل معًا:
1. على تقبّل الآخر المختلف واحترامه، لا على رفضه وإنكار حقّه؛
2. على إقامة الحوار المنفتح والصريح في الحقيقة والمحبة، لا على إجراء التفاهمات الخبيثة تحت الطاولة؛
3. على المغفرة والمصالحة، لا على التحريض على الكراهية والحقد والانتقام”.
وأضاف: “أيها الرب إلهنا، أبانا الرحيم، نبتهل إليك متضرعين أن تمنحنا، بنعمة ابنك يسوع المسيح ومحبة روحك القدوس، وبشفاعة العذراء مريم والقديسة رفقا، نعمة التواضع لنتوب ونهتدي إليك وإلى بعضنا البعض، ونعمة الجرأة على طلب الصفح ومنح المغفرة؛ فنسير معًا نحو مصالحة شاملة وسلام دائم في طريق القداسة ومسيرة الوطن المستقلّ. آمين”.
وكانت مسيرة صلاة انطلقت عند السادسة صباحًا من رعية مار اسطفان – البترون برئاسة الخوري بيار صعب باتجاه دير مار يوسف – جربتا، في تقليد سنوي متواصل منذ أربعين سنة في ذكرى الاستقلال.