متفرقات

جدعون من تونس: عام 2025 هو عام الجامعة الذكية

الاحداث - عقدت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) بالشراكة مع معهد الدراسات العليا التجارية بقرطاج المنتدى الأول للألكسو للفكر التربوي تحت عنوان: "مستقبل التربية العربية: الجامعة الذكيّة" تحت رعاية المدير العام للألكسو الأستاذ الدكتور محمد ولد أعمر،. وقد عرض الخبير اللبناني الأوروبي، ورئيس جمعيّة "تحديث وتطوير التعليم" الدكتور بيار جدعون ورقة عمل حول "البعد الاجتماعي: تأثير التجربة التحويليّة على تطوير الجامعة الذكيّة"، ممثلا الجامعة الأميركية للتكنولوجيا – AUT في المنتدى.
انطلق جدعون من سرعة تطوّر التكنولوجيا بالنسبة لتطوّر المناهج التربوية، وركّز على أهمية تحويل التحديات إلى فرص بوضع خطط تنمويّة لمواكبة الدول العربيّة للانتقال في شكل مرن إلى التربية والتعلّم التحويلي. وتابع مذكرا بعالم الاجتماع جاك ميزيرو (Sociologist Jack Mezirow) صاحب نظريّة التعلّم التحويلي، والذي بدأ بتطويرها في نهاية سبعينيات القرن الماضي (1978) أثناء دراسته للنساء البالغات اللاتي اخترن الدراسة، من جديد، وبعد انقطاع.
تجربة التعليم التحويلي
وأضاف جدعون إن نظرية التعلّم التحويلي تهتم بالفرد الذي يسأل نفسه عن مواقفه ومعتقداته وافتراضاته ومنظوره حول هدفه ... من أجل إعادة برمجتها. ومن خلال أبحاثه والدراسات الإضافية توصل ميزيرو الى استنتاج أنه من الممكن أن يكون الشخص لديه تجربة تحويليّة في الطريقة التي ينظر بها الى الحياة بسبب تجربة صادمة.
وعلّق جدعون قائلا لم يتعلّم الكثير من المعلمين والقياديين التربويين من تجربة جائحة فيروس كورونا المتجدّد التي صدمت الجميع عالميا في آذار/مارس 2020 وأجبرت الجميع على التعليم والعمل في شكل متباعد جسديا ... فمع انتهاء الجائحة عادوا إلى ممارسة الطرائق التربوية التقليديّة (76% من المؤسسات التربويّة) عوضا عن أن يبدأوا بالتحضير للصدمة التالية ويحصنوا جاهزيتهم الرقميّة وجاهزيتهم التربوية. وهذا ما تثبته دراستنا بعد الجائحة.
نحو الجامعة الذكيّة
وشرح جدعون نتائج دراسته قائلا: تتطوّر مؤسسات التعليم (ما قبل الجامعي، المهني والتقني، وحتى مؤسسات التعليم العالي) في شكل مختلف وبسرعة مختلفة عن بعضها البعض في استخدامها للتكنولوجيا. فنحو 19% من مؤسسات التعليم العالي في لبنان، لا تزال تنقل الصف الحضوري في شكل متزامن من بعد، ولا تستخدم أنظمة لإدارة التعلّم. ونحو 68% يستخدمون أنظمة إدارة تعلّم حرّة ومفتوحة المصدر. وهذا ما يشير بوضوح إلى طريق التحوّل نحو الجامعة الذكيّة بمكوناتها كافة وأولويّة تدريب الهيئات القياديّة والأكاديميّة والإدارية والفنيّة في المؤسسات التربوية والتعليمية لمواكبة الطالبات والطلاب في تطوّر كفاياتهم وتكيّفهم مع المتطلبات الحديثة لسوق العمل.
وأضاف إن اعتماد الجامعات الذكيّة على التكنولوجيا لإنشاء بيئات تعليميّة، يتأثر ليس فقط باستخدام أنظمة إدارة التعلّم، إنما أيضا بتقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي، وتقنية البلوك تشاين، وغيرها من التجارب المعلوماتية الحديثة، من أجل تحسين نتائج الطلاب، وتعزيز التعاون في ما بينهم، ومع أساتذتهم، وصولا إلى دعم التعلم الفردي وتعلّم الجميع مدى الحياة.
ثم عرض جدعون أمثلة عن الجامعات الذكيّة مشيرا إلى سنغافورة التي تسير نحو هدفها لكي تصبح "أمة ذكية" باستخدام تقنيات أكثر ذكاء ووسائل مستدامة لتحسين نوعية حياة سكانها. ويُنظر فيها إلى الجامعات في شكل متزايد على أنها أماكن لابتكار التقنيات الذكية والمستدامة الجديدة. وذكر مثالا عن الحرم الجامعي الذكي في جامعة NTU في سنغافورة.
ثم أعطى مثالا آخر عن جامعة هارفرد الأميركية التي تعتز بالتكنولوجيا الرقميّة والابتكارات التي غيّرت الطريقة التي تصمم بها المباني، وتبنيها، وتستخدمها. والتي تدعو من خلال موقعها لاكتشاف كيفية بناء مبنى ذكي متصل بالشبكة وكيفية الاستفادة من التحليلات المتقدمة لزيادة أدائه. وجامعة كاليفورنيا التي غالبًا ما يُنظر اليها كــــ "جامعة ذكية" نظرًا إلى تكامل التكنولوجيا والالتزام بتعزيز التجربة التعليمية. فهي تستخدم تحليلات البيانات لتتبع أداء الطلاب، مما يتيح تجارب التعلم الشخصية والتدخلات في الوقت المناسب.
من الذكاء الاصطناعي إلى الذكاء الجماعي
وثمّن جدعون أهميّة الذكاء الجماعي الريادي، التشاركي، والصديق للبيئة، وقدرة تأقلم مؤسسات التربية والتعليم مع متطلبات سوق العمل لمواجهة مفاجأات المستقبل. وما الحرب الأخيرة في لبنان، إلا صدمة تالية لما عاشه اللبنانيون في الصدمة الأولى في خلال جائحة كورونا، مع ما حملته معها من دخول لبنان عصر التعليم الهجين والذي تطلّب أحيانا وجود المعلم أو المعلّمة من بعد وإدارة الصف من بعد لمجموعتين معا: مجموعة موجودة حضوريا في صف المدرسة، ومجموعة أخرى ملزمة بالمتابعة من بعد في الوقت عينه. وهذا ما أدّى الى استخدام الأدوات والتكنولوجيا لتحديث وتطوير معارفهم ومهاراتهم قدر المستطاع.
وفي نهاية مداخلته ركّز جدعون على العمل على الصعيد العربي لإنشاء رؤية موحّدة تنقل الفكر العربي من الانفتاح على التكنولوجيا إلى الانفتاح الاجتماعي المبني على المؤسسة التربوية الشاملة، الدامجة، والتي تهتم بتعليم الجميع مدى الحياة، والتي تتأقلم مع متغيرات ومتطلبات سوق العمل. وأكّد أن الأبحاث تشير إلى أن البعد الاجتماعي يلعب دورا كبيرا في تجارب التعلّم التحويليّة. كما ويعزّز الذكاء الاصطناعي تجربة التعلم التحويلي، وبالأخص التكيّف مع أنماط التعلّم الفرديّة. وهذا ما يسهم في فتح التعليم للجميع ومدى الحياة من أجل جودتها.