أقلام حرة

واشنطن: تنصيبٌ مزنّرٌ بالعسكر

الاحداث- واشنطن - كتب رشيد قيامي 

صادمٌ مشهدُ العسكر المنتشر بشكل غير مسبوق في العاصمة الأميركيّة واشنطن، بهدف حماية حفل التنصيب الرئاسي في العشرين من الشهر الحالي. 

الآلاف من عناصر الحرس الوطني القادمين من ولايات عدّة ( يتوقّع أن يصل العدد إلى ٢٠ ألفاً ) والذين تعجّ بهم المباني والساحات والشوارع ،حوّلوا المدينة إلى ما يشبه قاعدة ًعسكريّةً محصّنةً عاصية على الإختراق. 

حواجز حديديّة وإسمنتيّة مدعّمة، عربات مصفّحة، سيّارات شرطة وإسعاف، دوريات أمنيّة على مدار الساعة، كلابٌ بوليسيّة، وتجهيزات لا تعدّ ولا تحصى ، تطوّق عاصمة القرار. 

 العناصر المدججون بالسلاح ومن خلال الصور التي عرضتها الوكالات، بدوا في دهشة واضحة وهم ينظرون إلى التماثيل واللوحات داخل أروقة مبنى الكونغرس العريق. هي لحظاتٌ تاريخيّة بالنسبة إليهم ، لم يتوقّعوا يوماً حدوثها بهذا الشكل. ولم يحلموا طبعاً بأنّهم سيفترشون الأرض داخل الأروقة وخارجها بهدف حماية الديمقراطيّة .

المشاهد المختلفة والموزّعة بين المباني والطرقات ، تجعلك تشعر وكأنّك في الساعات الأولى لانقلاب عسكري في البلاد، أطاح بكل رموزها الديمقراطيّة، وحوّلها إلى ديكتاتوريّة فتيّة. 

مشهدُ العسكر الصادم هذا، لم يكن ليحصل لولا حركة الشغب والغوغائيّة لإنصار الرئيس دونالد ترامب في السادس من هذا الشهر، واقتحامهم لقُدس أقداس الديمقراطيّة الأميركيّة. حركةٌ تكشّف بعدها ، وعقب الإعلان عن نتائج الإستقصاءات الأمنيّة، أنّها قاربت أن تتحوّل إلى انقلاب يستخدم السلاح بهدف القتل وقلب موازين معيّنة.

فالمعلومات التي كشف عنها مكتب التحقيقات الفيدرالي ( FBI ) تحدّثت عن مخططات مخيفة لأعمال شغب مسلّح كان سيشهدها ذلك الأربعاء الأسود. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحدّ، بل استتبع بدعوات لتظاهرات مشابهة في الولايات الخمسين خلال الأيام الثلاثة التي تسبق التنصيب. 

المشهد الإنقلابي الترامبي وسقوط عدد من القتلى والجرحى وحال الهلع والفوضى، يضاف إليها عدم إدانة الرئيس المنتهية ولايته وإستنكاره لما حصل، فجّر موجة غضب عارم في صفوف العدد الأكبر من أعضاء الكونغرس الأميركي بمجلسيه. 

موجة الغضب تلك، تُرجمت بالدعوة إلى إقالة ترامب ومحاسبته بشكل سريع، وذلك من خلال استخدام التعديل الخامس والعشرين من الدستور. 

أمرٌ لم يحصل بسبب معارضة نائب الرئيس مايك بنس لعزل ترامب. 

الدعوة إلى محاسبة ترامب إنتقلت فصولها إلى مجلس النوّاب مع التصديق ليل الأربعاء على مساءلة الرئيس ومحاسبته، لتتحوّل بعدها إلى مجلس الشيوخ لنيل التصديق عليها. مساءلة ٌ صعّدت من حدّة المواجهة بينه وبين خصومه الديمقراطيين، الذين انضمّ إليهم عشرة أعضاء جمهوريين ممتعضين في مجلس النوّاب، ليتحوّل ترامب إلى أوّل رئيس في التاريخ الأميركي يخضع مرّتين للمساءلة خلال ولايته.  

مرّت الديمقراطيّة الأميركيّة بامتحان صعب جدّاً، إجتازته بنجاح، وأظهر صلابتها وتجذّر قيمها، رغم ما شاب صورتها من تشويه لبعض الوقت. فيما يمرّ الحزب الجمهوري بمخاض عسير لن يكون من السهل أبداً إجتياز مراحله، بعد ما خلّفه دونالد ترامب من انشقاقات في صفوفه وضرب ٍ لمبادئه وقيمه.  أمّا الرئيس الخامس والأربعون للبلاد والذي أبى الإعتراف بالهزيمة وتقبّل الخسارة، فحوّل الأسبوعين الأخيرين من عهده إلى ما يشبه مسرحيّة هزليّة، يدخل معها التاريخ كمهرّج فاشل في دور ديكتاتور أرعن. 
========