أقلام كاريكاتورية

بلد "ابو رخّوصة"


الاحداث- كتبت  جوزفين حبشي
 
 قريت اليوم انو "سوق ابو رخوصة " راجع بكرا.... 
و"راجع راجع يتعمّر، راجع سوق ابو رخوصة، راجع يفشّلنا  خلقنا من دون ما ندفع هبّوصة".
ولكل اللي انصابوا بفقدان الذاكرة على كترة البسط بهالبلد، بحب ذكركن انو هيدا السوق انطلق قبل خمس سنين  بالوسط التجاري، وتحديدا بساحة رياض الصلح ، كردّ فعل احتجاجي استنكاري على تصريح رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس اللي اتحفنا  بابتداع لقب "أبو رخوصة" على أصحاب المؤسسات المتوسطة والزغيرة، ورفض "تشويه" الوسط التجاري المزيّن بالمحلات والشركات والمطاعم الفخمة والفاخرة.
اخّ منكن يا جماعة المجتمع المدني اخخخخّ، كل الحق عليكن. احتجيّتوا على نقولا شماس  اللي كان رافض"ترخيص" وسط البلد، فقمتوا صبتوا البلد كلو بالعين، وصار الشعب عن بكرة بيّو(ما حلوة نقول أبيه، لأنو عم نحكي بالعربي المشبرح) ارخص شي بهالبلد العظيم.
حاصلو، مش هون بيت القصيد اليوم، اللي بيهمني انا انو "سوق ابو رخوصة " راجع... ونحنا اللبنانيين ، كتييير بتعنيلنا كلمة راجع، وعنا تاريخ مشرّف مع الرجوع، ومع دولتنا الحليمة اللي على طول بترجع لعادتها القديمة، بدءاً 
بالرئيس عون" بيّ الكل"، اللي راح ورجع على قصر بعبدا، مرورا
بالرئيس الحريري "خيّ الكل"  اللي راح والهيئة راجع على السراي الحكومي، والرئيس برّي "الكل بالكل"، اللي فشر يروح اصلا، تا يرجع ، والكهربا اللي مضوّى راس الكل منها ، مقضيتها تروح وترجع، والزبالة اللي سامّة حياة الكل، واللي ما بتلحق ترجع ، لترجع لتروح، وانتهاءاً (وختامها مسك) بشعار "الاصلاح والتغيير" اللي كنا مفكرين انو راحت عليه، واكل العهد عليه وشرب،  وإذ به بيرجع للصهر وعمّو، بقوة الله ودعم العم سام .
ولِك حتى زكي ناصيف راح وبقيت غنّيتو " راجع راجع بتعمر راجع لبنان" اللي بيدبك عليها الكل، مع إنو الكل دابكها مع الكل.
واخيرا وليس آخراً، وهيدا الاهم، "سوق ابو رخوصة " راجع، ومعو رجعت ذكرياتي الحلوة معو.
يومها، يعني من خمس سنين، بيطنّ تلفوني فجأة. صاحبتي الغنية والرأسمالية اليمينية والامبريالية القذرة عبالها تنزل على سوق ابو رخوصة. انا صراحة انصدمت ، بس قلت يلا ليش لأ، مننزل.
حطيّت عليّي جينز مخزّق (تماشيا مع اجواء سوق ابو رخوصة، ومش مع اخر صيحات الموضة) وكرَجت صوب السانتر فيل، والتقيت انا وصاحبتي على باب جريدة النهار، وانبسطت فيها كتيييير  لانها لابسة جينز مخزّق، بس من عند ايشتي ، فهمتو كيف؟ طبعا صاحبتي اللي بتفهم بالاصول ، كانت كمان سافقة عوينات شمس D&G بيلوءوا قد ما رخاص، وحاملة عكتفها جزدان لانسال لا تسألوا عن سعرو، وبايدها قنينة ميّ ايفيان. المهم، شاركنا يومها بسوق ابو رخوصة، كبّينا قنينة الايفيان عالارض ( انو قنينة وحدة ما رح تقدّم وتأخر بمنسوب الزبالة، مشّولنا  ياها)، واكلنا ترمس وذرة واكيد كبّيناهم كمان بالارض. وفجأة، صاحبتي الكلاااس بتقرر  تشتري مشّاية باصبع.
-لمين؟سألتها، للسرلنكية؟
- Whaaaaat!!!! بعد ناقص ، انا في عندي فيليبينية يا dear" (ديروا بالكن، هيدي صاحبتي الغنية والرأسمالية اليمينية والامبريالية القذرة  ما غيرا).
حاصلو، برمنا وتسوّقنا و قدام كاميرات ال TV كل وحدة منا فقعت خطاب مؤثر ببكي:" الdown town لنا نحن الشعب المسكين والجيبة الطفرانة واللي لاحق زعيمو عالعمياني"،  "الdown town لنا نحن الشعب الزبالة والnawar اللي مناكل ومنكب عالارض ووسخنا ولوّثنا اجمل بلد بالعالم لانو راسنا ما بيفرز الا على العنصرية والتطرف والحقد وكب المسؤولية على غيرنا".
وبعد كل هالمهجود الرخيص اللي مارسناه بسوق ابو رخوصة، انا صراحة جعت. وبما انو انا كمان من الشعب الفقير ، وما كان معي طبعا بعد نص الشهر القدرة اتفكوَن (اتفكوَن=غنّج حالي) وآكل بمطعم من مطاعم الرأسماليين القذرين اللي بيسلخوا الشعب المسكين سلخ خصوصا بالوسط التجاري لبيروت، قررت اكل ساندويش عالبسيط. صاحبتي رفضت تاكل بسوق ابو رخوصة: " نياااااااء". وبما انو صاحبتي مش حاملة كاش يومها (يومها ما كانوا المصارف سرقونا بعد) وبسوق ابو رخوصة لا وجود للدفع بالكرديت كارد، طبعا اضطريت حضرة جنابي اعزمها . وفجأة بتذكر انو بالسانتر فيل في مطاعم وكيوسكات ياما انقذوني انا الشعب المسكين وقت الطفر. تذكرت السابوي بشارع المصارف ومطعم ميشو شو بساحة النجمة والرودستر ببناية النهار الخ الخ الخ. تذكرتن وشكرت ربّي وركضت صوبن انا وصاحبتي الكلاس والسنوب. وقبل ما نوصل بيطن تلفوني: Zara ومانغو واوكسيجين وH&M اللي كانوا يومها بعد ما سكّروا عنا متل اليوم ، عاملين 70٪ باسواق بيروت. انا الشعب المسكين المهووس بالصولد بجن من الفرح وبترجّى صاحبتي تأجّل جوعا شوي لأنو في شي أبدا وأهمّ هلأ. صاحبتي بتفنجر عيونا من تحت الD&G ، وبتقلي باحتقار:" بعد ناقص، انا noway اشتري شي بالsale ، اصلا ما بيبقى بالسايل الا ... الزبالة".
... سوق ابو رخوصة رجع، الزبالة بكل معانيها ما راحت لترجع، بعدا موجودة . الزبالة عم بتبيع وتشتري فينا ، وعملت علينا big sale و liquidation ابتداء من 4 آب . الزبالة قاعدة على قلبنا، متربّعة على كرسي صدرنا ونَفَسنا ، والكارثة انها مفكرة الكرسي اغلى شي بهالحياة، وكرمالها "رخّصت" كل شي حلو بهالبلد.
سوق ابو رخوصة رجع، ما عاد محصور بوسط البلد، اتمدد متل السرطان بالبلد كلو. ايمتى بدنا نهدّ السوق على راس كل التجّار المسترخصين فينا نعيش بكرامة؟ 
على مهلنا، واللي عند اهلو عمهلو ، وبالنهاية كلنا نهايتنا وحدة: " إن لله وإن اليه "راجعون".

========