من الصحف

قطبة مخفية في الصندوق السيادي؟

الاحداث- كتبت إيفا ابي حيدر في صحيفة الجمهورية تقول:"تصرّ المصارف على انّ الصندوق السيادي هو أحد الحلول الذي يمكن من خلاله إعادة الودائع إلى أصحابها، في حين تجنّبت الدولة الأخذ بهذا الاقتراح رغم تعديلها لخطة التعافي. فهل يمكن فعلاً ان يكون الصندوق السيادي حلاً؟ وهل من محاذير؟

يشكّل السير بالصندوق السيادي الوارد ضمن خطة المصارف للتعافي موضع تجاذب بين رافض ومؤيّد له. فالمصارف دعت في خطتها المقترحة إلى إنشاء صندوق يستثمر، ولا يتملّك، بعض موجودات الدولة وحقوقها، ليعيد الى المودعين حقوقهم، وإن على المدى المتوسط والبعيد، انطلاقاً من ضرورة ان تساهم الدولة بالخسائر إلى جانب مصرف لبنان، وليس فقط تحميلها إلى المصارف والمودعين، وفق ما يظهر جلياً في خطة التعافي الاقتصادي التي اعدّتها الحكومة، والتي تقترح فيها حلّ البنوك غير القابلة للاستمرار، وحماية صغار المودعين الى أقصى حدّ ممكن، في المقابل إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف، ولاحقاً إعادة رسملتها جزئياً بسندات سيادية على أن تُلغى الخسائر السلبية في رأس المال تدريجياً على مدى 5 سنوات.

وفي غياب أي توزيع عادل للخسائر وتغييب أي شرح واضح للمودعين عن أي خطة مستقبلية تنوي الدولة السير بها لإنقاذ البلاد من الأزمة المالية التي تعاني منها وما هو أفضل الممكن، هل يمكن للصندوق السيادي الذي تقترح إنشاءه المصارف، ان يكون أحد الحلول الناجعة للأزمة المالية؟ وهل من مخاطر للسير به؟

تعدّدت وجهات النظر في هذا الموضوع بين مؤيّد لإنشاء الصندوق ورافض لأي خطة تساهم في تعويم المصارف. وفي السياق، ترى مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ «الصندوق السيادي من شأنه ان يحمّل الدولة جزءاً من الخسائر، الأمر الذي يغيب عن خطتها للتعافي. وانشاؤه يساهم في استرجاع الثقة وفي تحسين سمعة لبنان في الخارج، لأنّه يعطي انطباعاً ايجابياً عن جدّية مساعي النهوض والإصلاح، وبإمكانية ان يزدهر الاقتصاد مجدداً ويطمئن بأنّ أملاك الدولة لن تضيع. أما عن قول البعض بأنّ هذا الصندوق الذي ستوضع فيه أصول الدولة سيرهن مصير الجيل المقبل، نسأل، ماذا عن مصير الآباء وجنى عمرهم قبل الأبناء، مع العلم انّ الآباء عملوا كل هذه السنوات من اجل تقديم جيل افضل للأبناء؟ تابعت المصادر: اذا اديرت اصول هذا الصندوق مثل الاتصالات والمرفأ والكهرباء والمطار والكازينو من قبل شركات اجنبية مع مراقبة دولية ستتحسن ايراداته لتصبح رابحة وعندها ستتمكن المصارف من تسديد جزء من اموال المودعين وفي الوقت عينه تحسين وضمان بناء مستقبل افضل للاجيال القادمة».

محاذير من الصندوق السيادي

من جهته، يشرح المستشار المالي والاقتصادي د. غسان شماس لـ»لجمهورية»، انّ إنشاء الصندوق السيادي هو إحدى الافكار المطروحة من قِبل جمعية المصارف من أجل استرداد الاموال التي دينتها للدولة والبالغة بحدود 80 مليار دولار. وبما أن ليس للدولة مداخيل، بحثت المصارف في الموارد التي يمكن ان تؤمّن لها إيرادات، فارتأت وضع اصول الدولة في الصندوق السيادي. وشبّه شماس الصندوق السيادي حالياً بالكيس الفارغ والذي يصبح له قيمة متى وضعت الأصول بداخله.

من الناحية المبدئية الاقتصادية، المطلوب من الدولة ان تضع اصولها في هذا الصندوق وتديره من دون تدخّل المصارف التي ستستفيد فقط من مداخيل او ارباح هذا الصندوق خلال فترة 10 الى 15 عاماً. لكن من يضمن الا يتعرض الصندوق السيادي خلال هذه الفترة للنهب كما يحصل في بعض مرافق الدولة؟ ولاحظ ان هناك قطبة مخفية في موضوع الصندوق تتمثل بفرض المصارف ضمانة على حقها وارباحها منه، حتى في حال لم يتمكن الصندوق لسبب من الاسباب ان يفي بالتزاماته تجاه المصارف يمكنها وضع اليد على اصوله وهذا ما نخشاه ولا نقبله لاسباب عدة منها:

- ليس من العدل ان يقوم المصرف الذي فرّط بأموال المودعين من خلال سوء ادارته ومخاطرته وبتركيز ودائعه لدى المصرف المركزي والدولة، ان يقول اليوم عفا الله عمّا مضى، وأن يتطلع الى الاستيلاء على ما تبقّى للدولة من ممتلكات.

- تحويل الودائع الكبيرة الى أسهم في المصارف، وهو ما يعني إعطاء أسهم في شركة مفلسة، وكأنّ المغزى من ذلك عدم تحميل المصارف أي مسؤولية عمّا آلت اليه اموال المودعين، ورمي المسؤولية على الدولة».

وشرح شماس، انّ «مجموع رأسمال كل المصارف يبلغ 22 مليار دولار، فيما يبلغ حجم الودائع 103 مليار دولار، ما يعني انّ لدى هذه المصارف ودائع 5 مرات أكثر من رأسمالها، ما يعني انّ كل المصارف مكسورة. وبعملية حسابية بسيطة يتبين انّ المصارف قادرة ان تردّ من كل دولار 20 سنتاً فقط، وفعلياً هذا هو قيمة الشيك المصرفي اليوم في السوق».

الحلول المطروحة

وعن الحلول المطروحة يقترح شماس ان تنقسم الودائع الى 3 اقسام:

- الثلث الاول يشمل الودائع التي ما دون الـ100 الف دولار، تُدفع كاملة على ان يكون جزء صغير منها وفق سعر صيرفة. كذلك نحن نعلم انّ ثلث الاموال الموجودة في المصارف أتت نتيجة تراكم فوائد وصلت الى 12 و 14%، على هذه الاموال، يجب خصم الفوائد والاعتراف انّ اعطاءها اتى نتيجة الهندسات المالية الخاطئة، وبالتالي إخضاع الفوائد الى «هيركات».

- تأمين الثلث الثاني من خلال الفرض على المصارف التي استفادت لسنوات من الدولة، ان تضع مبلغاً سنوياً بقيمة 100 مليون دولار (يمكن تأمين 6 مليار دولار سنوياً، على اعتبار انّ عدد المصارف العاملة في لبنان 60)، وحتى يمكن خفض هذا الرقم الى 3 او 4 مليار دولار، تكون المصارف ملزمة بتأمينها سنوياً من استثماراتها وأصولها في الخارج، وذلك بهدف اعادة رسملة المصارف ورفعها من 20 مليار دولار حالياً الى نحو 60 مليار دولار خلال 10 سنوات، ما من شأنه ان يصبّ لصالح المودع.

- الثلث الاخير، على الدولة ان تؤمّنه، وذلك من خلال إعطاء المودع ثلث امواله بسند خزينة بفائدة 1%، يتميز بأنّ لا تاريخ استحقاق عليه، وبكونه أداة مالية يمكن بيعها وشراءها في السوق، وسعرها قابل للارتفاع بمقدار ما تحسّن الدولة من ايراداتها.

وعمّا يمّيز هذه السندات عن الصندوق السيادي يشرح شماس، انّ «السندات هي كناية عن مدخول الدولة من الضرائب والإيرادات وبفائدة منخفضة، ويمكن بيعه للدولة ساعة يشاء مالكه. بينما في الصندوق السيادي يمكن للمصارف ان تستفيد من الكفالة لتتملّك جزءاً من الصندوق، وهذا ما نخشاه لأنّه اشبه بالمراباة».

وختم: «على المودع ان يعلم انّه لا يجب ان يكون مدعواً الى وليمة توزيع الخسارات، لأنّه غير معني بها. مع العلم انّه سبق ودفع حصته من الهيركات مع حبة مسك».