الوضعية النفسية لأرباب الأسر اللبنانيين هشة.. الانتحار هو الحل
الاحداث- كتبت صحيفة العرب اللندنية تقول: يعيش لبنان حاليا أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، أدت إلى انهيار مالي غير مسبوق وتراجع حاد في احتياطي العملات بالمصرف المركزي، وارتفاع جنوني في أسعار السلع الغذائية والمحروقات.
ووفق مراقبين تعد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السيئة في لبنان الدافع الرئيسي إلى الانتحار خاصة بين فئة الشباب.
وأظهرت دراسة لبنانية أعدها فريق من الأطباء النفسيين أن شخصا واحدا ينهي حياته كل يومين ونصف اليوم، في ظل أوضاع سياسية واقتصادية ومالية غير مستقرّة تعيشها البلاد منذ سنوات.
واستندت الدراسة، التي أعدها 7 أطباء نفسيين في لبنان ونشرت مؤخرا في “المجلة الآسيوية للطب النفسي”، إلى بيانات قوى الأمن الداخلي حول حالات الانتحار خلال الفترة الممتدة من يناير 2008 إلى ديسمبر 2018.
وذكرت الدراسة أنه على مدى 11 عاما (حتى 2018) تم إبلاغ قوى الأمن عن 1366 حالة انتحار، بمعدل 2.4 حالة لكل 100 ألف نسمة في البلاد.
وأشارت إلى أن عدد السكان في لبنان ارتفع من حوالي 4.8 مليون شخص عام 2008 إلى 6.9 مليون في 2018، بسبب وصول مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى أراضي البلاد.
وحسب الدراسة فإن نسبة الرجال من الأشخاص الذين يقدمون على الانتحار بلغت 66 في المئة، فيما نسبة النساء 34 في المئة.
الأزمة المعيشيّة وتدهور الأوضاع الماليّة، بالتزامن مع غياب الحلول، وراء اكتئاب هؤلاء الأشخاص وميلهم إلى الانتحار
وأفادت بأن 41.4 في المئة من ضحايا الانتحار في لبنان أنهوا حياتهم بسلاح ناري، و26.5 في المئة عبر الشنق، و13.6 في المئة من خلال القفز من علو، و13.5 في المئة عبر تسميم أنفسهم.
وذكرت الدراسة أن جنسيات المنتحرين في لبنان خلال فترة الدراسة كانت 70.4 في المئة من اللبنانيين، و13.2 في المئة من الإثيوبيين، و10.9 في المئة من السوريين، و2 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين.
وبحسب المفوضية العليا الأممية لشؤون اللاجئين بلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان 997 ألفا حتى نهاية نوفمبر 2017، إضافة إلى لاجئين سوريين غير مسجلين لدى المفوضية، فيما يوجد قرابة 400 ألف لاجئ فلسطيني في 12 مخيما وتجمعات سكنية أخرى ضمن المناطق اللبنانية.
وفي الآونة الأخيرة استفاق اللبنانيّون على حادثتي انتحار لمواطنين اثنين، احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وهما علي محمد الهق وسامر مصطفى حبلي.
وأطلق علي محمد الهق (من مواليد 1959) النار على نفسه قرب أحد المقاهي المشهورة غرب بيروت، وسط حالة من الذهول انتابت جميع من كانوا في الشارع.
ودوّن الهق عبارة “أنا مش كافر، بس الجوع كافر” على ورقة مع سجّله العدلي الذي يُبيّن أنّ “لا حكم عليه” وُجدا إلى جانب جثّته.
وأظهرت التحقيقات الأوليّة أنّ الرجل أقدم على الانتحار بسبب الوضع المعيشي الصعب الذي يُخيّم على البلاد.
وبعد فترة قصيرة من حادثة الانتحار الأولى التي هزّت البلاد عُثِر على جثة المواطن سامر مصطفى حبلي (من مواليد 1983) داخل شقته في بلدة جدرا جنوب بيروت.
وبعد حضور القوى الأمنية إلى المكان وفتح تحقيق في الحادث تبيّن أن المتوفى كان يعاني من ضائقة مالية في الآونة الأخيرة.
وقالت المعالجة النفسيّة لانا قصقص إنّ “الأزمة المعيشيّة وتدهور الأوضاع الماليّة، بالتزامن مع غياب الحلول، وراء اكتئاب هؤلاء الأشخاص وميلهم إلى الانتحار”.
Thumbnail
وربطت قصقص بين العوامل النفسيّة والظروف المعيشيّة، موضحة أن الأزمات التي تخيّم على البلاد تخلق نوعًا من عدم الاستقرار النفسي والمعنوي ممّا يؤدّي إلى سيطرة الاكتئاب على نفسيّة الشخص، وقد تتحوّل هذه الحالة إلى درجة الاضطراب وبعدها إلى سلوك انتحاري.
وأكّدت المعالجة النفسيّة أنّ لدى الهق والحلبي ميلا إلى الاضطراب النفسي الذي يتعزّز في ظلّ الأوضاع القاسية المسيطرة على البلاد.
وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بوسم #أنا_مش_كافر ضمن الوسوم الأكثر تداولا، حيث عبّر الناشطون عن استيائهم من تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
وكتبت الناشطة اللبنانية ليلى صعب “صار الانتحار أفضل من الجوع والذل، كفى متاجرة بالوطن #أنا_مش_كافر”.
أمّا سامر عبّاس فغرّد قائلًا “الجوع أصبح الحاكم الفعلي في لبنان، وشبح الموت أصبح سيد الموقف #أنا_مش_كافر”.
ويحذر مراقبون من تضاعف أعداد المنتحرين في لبنان مؤخرا، على وقع أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، خلفت احتجاجات شعبية غير مسبوقة.
لانا قصقص: الأزمات التي تخيّم على البلاد تخلق نوعًا من عدم الاستقرار النفسي
وإثر تنامي ظاهرة الانتحار، لاسيما بين الشباب، أشارت أصابع الاتهام إلى الإخفاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها البلد العربي المأزوم.
ووفق أحدث إحصاء رسمي لقوى الأمن الداخلي سُجّلت في لبنان العام الماضي 171 حالة انتحار لأشخاص تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما، فيما تشير إحصاءات غير رسمية إلى تضاعف هذه الأعداد خلال العام الجاري بسبب عدة عوامل أبرزها الأوضاع الاقتصادية الخانقة وتداعيات تفشي فايروس كورونا على سوق العمل في البلاد.
وقال أيمن رحمة، مسؤول التواصل بجمعيّة إمبرايس (غير حكومية)، للأناضول إن “عدد بلاغات الانتحار تضاعف هذا العام، إذ تراوحت بين 400 و500 شهريا، بعد أن كانت حوالي 200 شهريا عام 2019”.
وتابع “بين أغسطس وديسمبر الماضيين تلقينا نحو 788 اتصالا بشأن حالات انتحار”، فيما “تلقينا 1768 اتصالا خلال الفترة الممتدة بين يناير وأبريل الماضيين”.
وعزا أسباب تنامي الظاهرة إلى تداعيات جائحة كورونا والحجر المنزلي والعنف الأسري، إضافة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية في لبنان.
وأوضح أن نحو 90 في المئة من الأشخاص الذين يفكرون في الانتحار يعانون أمراضا نفسيّة، وبالتالي فإن الوقاية بالتوعية والتشجيع ضرورية لتفادي تنامي هذه الظاهرة.
وقالت قصقص “إنّ الدعم النفسي لمن يعانون أفكارا سوداوية أمر مهم”.
وتابعت “يمرّ لبنان بأوضاع سياسية واقتصادية ومالية غير مستقرّة دفعت المواطنين، وخاصة الشباب، إلى القلق والاكتئاب والإرهاق النفسي”.
ومن الناحية الشرعية قال الشيخ علي الغزاوي، مدير مؤسّسات أزهر البقاع التابع لدار الفتوى اللبنانية، “كلّ الشرائع السماويّة أتت من أجل حفظ الدين والنسب وحفظ العقل والنفس”.
وأوضح الغزاوي أن قتل النفس مُحرّم، ومن قتل نفسا فكأنّه قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنّه أحيا الناس جميعًا.
وتابع “الأصل أن نحافظ على نفوسنا وأرواحنا، ولا يجوز لأي إنسان أن يستعجل في إخراج روحه أو أن يستعجل في إنهاء حياته في الدنيا”.
وأضاف أن “الحياة شكر وصبر، وفي الضراء والقلّة يُختبر الإنسان بصبره”.
وحول ضرورة محاسبة المسؤولين عن تنامي هذه الظاهرة في لبنان قال الغزاوي “المنتحر بسبب ضيق الرزق أو حتى ضعف ديني المسؤول عنه هو المجتمع الذي ينتمي إليه”.
================