يومان حاسمان على خط التأليف... سلام يطمئن ولبنان تحت المجهر الدولي
الأحداث- كتبت صحيفة "الأنباء" الالكترونية: إنطلق قطار بناء الدولة وإكتمل نصاب رؤساء المؤسسات الدستورية، في مشهد إنتظره اللبنانيون طويلاً. اجتماع ثلاثي بروتوكولي في القصر الجمهوري بين رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف تشكيل الحكومة القاضي نواف سلام، كرّس عودة إنتظام عمل المؤسسات بسلطتيها التشريعية والتنفيذية. إلى ذلك، العين شاخصة اليوم إلى المجلس النيابي وإلى حكومة العهد الأولى، بحيث ستبدأ أولى خطوات مسار التأليف، إذ سيجري الرئيس المكلّف الاستشارات النيابية غير الملزمة.
في الظهور الأول أمام الرأي العام اللبناني بعد تسميته لتولي رئاسة الحكومة، لاقى سلام في بيان قبول التكليف العماد عون في خطاب القسم، بعناوينه الإستراتيجية والرئيسية لإنقاذ البلاد والإصلاح وإعادة الإعمار. كما حاول تبديد أي هواجس بـ"الإقصاء" غمزت بها أطراف سياسية وطالبت "بالميثاقية"، إنطلاقاً من أن لا شرعية لأي صيغة تناقض العيش المشترك، كما ورد على لسان رئيس كتلة الوفاق للمقاومة النائب محمد رعد بعد الإستشارات الملزمة.
وعليه، في رسالة شبه مباشرة إلى حزب الله، الذي كان متشدداً وأعرب على لسان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد عن الأسف ممن "يريد أن يخدش إطلالة العهد التوافقية"، شدد سلام على أنه "ليس من أهل الإقصاء بل من أهل الوحدة، ولست من أهل الاستبعاد بل من اهل التفاهم والشراكة الوطنية. ويداي الاثنتان ممدودتان إلى الجميع للإنطلاق سوياً في مهمة الإنقاذ والإصلاح وإعادة الإعمار".
"الثنائي" والإستشارات!
أجواء منقبضة سادت الأوساط في أعقاب موقف حزب الله من قصر بعبدا والتلويح بمسألة الميثاقية للحكومة أو تسمية رئيس الحكومة، ليطرح علامات إستفهام لموقفه من المشاركة في النيابية غير الملزمة التي يجريها الرئيس المكلف اليوم. الساعات القليلة فاصلة لا سيما أن موقف "الثنائي" ليس واضحاً حتى الساعة وسط تضارب في المعلومات، إذ تحدثت أوساط مطلعة أن الثنائي لن يشارك في الإستشارات، علماً أن مصادر مواكبة رأت أن "الأجواء تتجه في إطار أن رئيس الجمهورية سيسير بموضوع التأليف، كما حددت جلسات للاستشارات النيابية، علماً أن الأمور ستتضح اليوم وليست مقفلة ورهن عملية التأليف والأيام القادمة، ولكن سيكون التركيز كيف سيتعامل الرئيس المكلّف معها.. هل بالإستيعاب؟ وبالتالي يجنّب البلاد أزمة ميثاقية دستورية"، وتشير المصادر الى أن الفرصة أمامه موجودة.
موقف اللقاء الديمقراطي
من جهتها، ستشارك كتلة اللقاء الديمقراطي في الإستشارات النيابية، ولفت مصدر لـ"الأنباء" الالكترونية الى أن الكتلة ستجتمع وستعلن عن موقفها ورأيها بشكل الحكومة والمشاركة.
ومن جانب آخر، اللقاء الديمقراطي الذي سبق أن سمّى سلام لرئاسة الحكومة منذ عامين وأكثر، وجدد تسميته للموقع الرئاسي الثالث الآن، ينطلق أولاً من القناعة بأن سلام رجل المرحلة بما تحتاجه من حضور وثقة، ناهيك عن أن البلاد أمام منعطف تاريخي، إذ يجب تدارك والتقاط اللحظة السياسية لمستقبل لبنان في ظل الظروف الإقليمية والدولية.
وأعرب عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبدالله من جهته عن ثقته في أن الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام مع الرئيس نبيه بري يستطيعون أن يجدوا المخرج المطلوب لتكون هناك حكومة فاعلة يشارك فيها الجميع في ظل العناوين الكبرى التي وضعها خطاب القسم"، لافتاً إلى أنّ "أحداً لا يستطيع تهميش أي مكوّن لبناني".
الطائف... الركن الإصلاحي الأساس
سلسلة من الوعود والتوجهات والالتزامات تضمنها بيان التكليف لسلام، إذ شدد على أن "إعادة الإعمار ليس مجرد وعد بل إلتزام"، معتبراً ان ذلك "يتطلب العمل الجاد على التنفيذ الكامل للقرار 1701 وكل بنود إتفاق وقف إطلاق النار، وفرض الانسحاب الكامل للعدو. فلا أمن ولا إستقرار لبلادنا دون ذلك".
ولفت إلى أن "هذا يقتضي العمل أيضا على بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها بواسطة قواها الذاتية، كما جاء حرفياً ونصّ عليه إتفاق الطائف". وكشف أن الحكومة التي سيعمل على تشكيلها ستعمل على وضع برنامج متكامل لبناء إقتصاد حديث ومنتج"، رابطاً ذلك بـ"قيام دولة قادرة وعادلة".
وفي سياق متصل، أشار سلام إلى "ان الأساس في الاصلاحات السياسية هو العمل على تنفيذ أحكام الطائف التي لم تنفذ بعد، وعلى تصحيح ما نُفذ منه خلافاً لنصه أو روحه وسدّ ثغراته. وهذا لا يتحقق من دون العمل على تطبيق اللامركزية الإدارية الموسّعة، ومن دون سلطة قضائية مستقلة ومؤسسات امنية فاعلة". وأكد العمل لإنصاف ضحايا إنفجار مرفأ بيروت وتحقيق العدالة لهم ولذويهم.
وتماهياً مع كلام سلام، شدد الرئيس عون على أنه اذا انكسر مكوّن ينكسر لبنان بأسره ولا يجب وضع عراقيل أمام تشكيل الحكومة.
هذا ويرى مراقبون أن الطائف الذي ورد في خطابَي عون وسلام، هو الأساس لكل ما هو مرتبط بأي عمل إصلاحي في البلاد، أكان إدراياً أو سياسياً، وكذلك إلى حد بعيد تطبيق القرار 1701 بمندرجاته، لا سيما أن التحدي الأبرز أمام الحكومة المزمع تشكيلها يكمن في تطبيق هذا القرار الذي إلتزم به لبنان، كما العمل على تمكين الجيش من حيث العتاد والعتيد بدعم الدول الصديقة والمانحة لتعزيز إنتشاره في الجنوب.
تحديات أمام الحكومة
ومن ناحية أخرى، وإلى الجانب الشقين السياسي والأمني وإعادة الإعمار، يشير مصدر مواكب لـ"الأنباء" الالكترونية إلى أن على كاهل الحكومة المرتقبة مهمات جمّة تحديداً التعيينات والتشكيلات وأبرزها تعيين قائد للجيش اللبناني وحاكم لمصرف لبنان والشغور في مواقع الفئة الأولى في عدد من الإدارات العامة ومؤسسات الدولة والتشكيلات القضائية والدبلوماسية.. هذا بالإضافة إلى الانتخابات البلدية والنيابية والتزامات لبنان أمام المؤسسات الدولية المالية والنقدية بإجراء الإصلاحات اللازمة.
من هنا، يؤكد المصدر أن مشروع الحكومة وهويتها عنصران هامان للعامين المقبلين، وأيضاً محتوى البيان الوزاري، لما في ذلك من إرساء قواعد ثابتة للنهوض بلبنان إلى الأمام، على المديين المتوسط والبعيد، بما يتقاطع مع المساعي الدولية لمساعدة لبنان في إعادة الإعمار ومواجهة تداعيات الأزمات المتراكمة.
ماكرون في لبنان
وفي خطوة لافتة، وبعد المساعي المباشرة في اللجنة الخماسية وعبر الموفد الرئاسي الخاص جان إيف لودريان، سيزور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان يوم الجمعة، بحسب ما أعلنت الرئاسة الفرنسية. وتأتي الزيارة الرسمية الفرنسية بعد أكثر من أسبوع على انتخاب العماد عون رئيساً وعلى مسافة أيام قليلة من تسمية سلام لرئاسة الحكومة، والمباشرة الفورية في تشكيل الحكومة. وأشارت الرئاسة الفرنسية في بيان الى أن ماكرون يريد التأكيد من خلال الزيارة التزام فرنسا الثابت بدعم لبنان وسيادته ووحدة أراضيه.
كما أكد الإليزيه في بيان أن هذه الزيارة ستكون "فرصة للعمل على التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار، ولتأكيد التزام فرنسا بهذا المعنى داخل اليونيفيل وكذلك في إطار آلية التحقق". كذلك اشار البيان إلى أن هذه الزيارة ستركز أيضا على التحديات التي يواجهها لبنان لتعزيز قواته المسلحة وقوات الأمن الداخلي، لصالح سيادته أيضا. كما تتعلق بالجهود الإنسانية وجهود إعادة الإعمار اللازمة لإنعاش البلاد.
وبالتوازي، أملت وزارة الخارجية الفرنسية عبر منصة "اكس"، تأليف حكومة قوية قادرة على توحيد لبنان في أوجه تنوّعه كافّة في أسرع وقت من أجل إجراء الإصلاحات الضرورية لإنعاش لبنان، وبغية إتاحة عودة الازدهار للبنانيين وإرساء الأمن وحفظ السيادة في لبنان في جميع أرجاء أراضيه"، مشيرة الى دعم فرنسا الكامل لسلام في أدائه مهامه، في سبيل منفعة جميع اللبنانيين.
وعليه، لا شك أن اليوم وغداً يومان حاسمان لناحية تشكيل الحكومة، ومستقبل لبنان بالتأكيد.. لبنان بمؤسساته تحت مجهر المجتمع الدولي والعربي، حيث الجميع يترقب ورشة استكمال المشهد المؤسساتي وبدء التحضير الفعلي إلى الخطوات التنفيذية. لبنان أمام فرصة حقيقية للإنتقال إلى ضفة دولة المؤسسات والإصلاح البنيوي لا التجميلي، حيث تسود سلطة الدولة على إمتداد التراب اللبناني ومواجهة العدو بقوة الشرعية والقرارات الدولية الملزمة.