مجزرة ميس الجبل تفجّر تصعيداً واسعاً... باريس تتخوًف من عملية في لبنان بعد رفح
الاحداث- كتبت صحيفة النهار تقول:"اتخذت جولة التصعيد العنيفة في الجنوب وعبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية دلالات موغلة في الخطورة بعدما تعمدت إسرائيل ارتكاب مجزرة بشرية وتدميرية في بلدة ميس الجبل أدت الى سقوط أربعة شهداء مدنيين ودمار هائل الامر الذي فجر الوضع الميداني على نطاق واسع بعدما قام "حزب الله" برد صاروخي كثيف على عدد كبير من المواقع والمستوطنات الإسرائيلية . ولعل هذه الجولة من التصعيد زادت القلق من احتمالات توسع المواجهات جنوبا خصوصا ان التعمد الإسرائيلي ارتكاب مجزرة مدنية لا يبدو منفصلا عن تصعيد الكلام التهويلي والتهديدي الإسرائيلي أخيرا باجتياح للبنان كما ان التدهور الواسع في الجنوب امس تزامن مع تراجع بل وانهيار اخر موجات التفاؤل بالتوصل الى تسوية في غزة الامر الذي يزيد حتما تفاقم الوضع المتفجر جنوبا . واثارت هذه الموجة التصعيدية مزيدا من الشكوك حيال فرص اختراق أي من الجهود الديبلوماسية ولا سيما منها الفرنسية جدار التعقيدات التي تحول دون شق الورقة الفرنسية التي سلمت أخيرا الى لبنان وإسرائيل .
وكانت الطائرات الحربية اغارت على وسط بلدة ميس اثناء قيام عدد من اهالي البلدة بتفقد منازلهم ومحالهم التجارية والاضرار التي لحقت بها جراء الاعتــ.داءات المتواصلة على البلدة منذ 7 اشهر، واستهدفت الغارات حي الجعافرة قرب البركة في بلدة ميس الجبل، محدثة دمارا هائلا وموقعة أربعة شهداء من عائلة واحدة وعددا من الجرحى من المدنيين. وعملت فرق الاسعاف والانقاذ على اجلائهم الى مستشفيات المنطقة، فيما تواصل فرق الدفاع المدني اعمالها في البحث ورفع الانقاض بحثا عن احد المفقودين. والشهداء هم: الوالد فادي حنيكي ، إبنه محمد حنيكي، إبنه أحمد حنيكي ، زوجته مايا عمار .
وأفادت وسائل الاعلام الإسرائيلية عن استنفار كبير على الحدود الشمالية خشية من رد "حزب الله" وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي أنه بعد الغارة على ميس الجبل أُطلق وابل من الصواريخ على كريات شمونة، وتم رصد سقوط بعضها داخل المدينة، ما تسبب بانقطاع الكهرباء. ولاحقا، افادت القناة 12 الإسرائيلية عن إصابة شخص وتسجيل أضرار مادية إثر إطلاق نحو 20 صاروخاً من لبنان على كريات شمونة. ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن رئيس بلدية كريات شمونة ان القصف الذي استهدف البلدة تسبّب بأضرار كبيرة ودمّر منازل عدّة. فيما أعلن الجيش الإسرائيلي لاحقا بأنه تم إطلاق 65 صاروخًا من جنوب لبنان في الاستهداف الأخير على شمال إسرائيل.
واعلن "حزب الله " في بيان انه "رداً على الجريمة المروعة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في بلدة ميس الجبل وارتقاء شهداء وجرحى مدنيين، قصف مجاهدو المقاومة الإسلامية مستعمرة كريات شمونة بعشرات صواريخ الكاتيوشا والفلق". كما أعلن استهدافه بعد الظهر"التجهيزات التجسّسية في موقع راميا بالأسلحة المناسبة وأصابتها إصابة مباشرة". واستهدف ايضا "مرابض مدفعيّة العدو وانتشارًا لجنوده في الزاعورة بعشرات صواريخ الكاتيوشا ما أدى إلى إصابتها واندلاع النيران فيها". كما اعلن استهداف مبنى في مستوطنة أفيفيم ثم التجهيزات التجسسية في موقع المالكية وموقع السماقة ولاحقا مستوطنات كريوفال وكفرجلعادي ومرغليوت . وتواصل القصف الإسرائيلي على البلدات الجنوبية، وافيد عن غارات إسرائيلية استهدفت بلدات مركبا وكفركلا والعديسة .
الموقف من باريس
وسط هذه التطورات أفادت مراسلة "النهار" في باريس رنده تقي الدين ان باريس تبذل حاليا الجهود لتوجيه الرسائل للاسرائيليين وباتجاه "حماس" من اجل وقف اطلاق النار في غزة والافراج عن الرهائن. وترى المصادر الفرنسية الرفيعة انه رغم التطورات على الأرض هناك للمرة الأولى إمكان للتوصل الى هدنة ووقف اطلاق النار على غزة وانه ينبغي الاستفادة من هذه اللحظة . ولكن هذه المصادر كشفت ان كل ما وجهته باريس من رسائل للتهدئة ووقف اطلاق النارالى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته كان الجواب عليها ان إسرائيل ستهاجم رفح باي حال وان باريس قلقة من خطاب الجانب الاميركي الذي يشير الى تقليص خطورة المرحلة الثانية من الحرب والهجوم الإسرائيلي على رفح اذ اصبح الكلام الاميركي يشير الى هجوم مصغر على رفح علما ان استراتيجية الاميركيين مع الإسرائيليين هي كسب الوقت عبر القول للاسرائيليين نحن لا نرفض الهجوم على رفح لكن ينبغي مناقشة الظروف الإنسانية والمسؤولون الاميركيون مستمرون في القول للاسرائيليين انه لم تكتمل بعد الشروط للهجوم ولكن في النهاية هناك اتجاه لقبول ما يسمونه هجوما مصغرا على رفح . لكن باريس قالت بوضوح ان أي هجوم على رفح يعني كارثة إنسانية مع تمركز السكان الكثيف في رفح .
اما بالنسبة للجنوب اللبناني فترى المصادر ان فرنسا قدمت خطتها لعدم التصعيد للاسرائيليين واللبنانيين من منطلق انها ترى خطورة انتقال إسرائيل بعد الهجوم على رفح الى لبنان فالتحليل الفرنسي يعتقد انه سيصعب على الإسرائيليين فتح جبهة رفح ولبنان في الوقت نفسه لكن بناء على حسابات القوات العسكرية الإسرائيلية فترة الهجوم على رفح تكون حوالي الشهر او الشهرونصف الشهروبعد ذلك سيتحولون الى فتح جبهة لبنان . فباريس ترى انه اذا حصلت هدنة في غزة هناك فرصة للقيام بجهد دبلوماسي على مستوى الوضع مع لبنان ينبغي الاستفادة منها لكن اذا فشل التوصل الى هدنة في غزة هناك خطر ان تكون الخطة الإسرائيلية الاستمرار بالهجوم على لبنان لانهم يقولون ان لديهم ٩٠٠٠٠ نازح في شمال إسرائيل لا يمكنهم العودة الى بيوتهم بسبب تهديدات حزب الله لذا سيستمرون في حربهم على لبنان . اما حزب الله في رده على الفرنسيين فيقول انه مستمر في توحيد ساحة لبنان مع ساحة غزة . لكن رغم ذلك ترى باريس ان هناك إمكانية للعمل على نقاط في قرار مجلس الامن ١٧٠١ للتوصل الى اتفاق يتم قبوله من لبنان وإسرائيل لكن شرط الا تقوم إسرائيل بالهجوم على لبنان وباريس مدركة ان جزءا من الطاقم الحكومي في إسرائيل مصر على الهجوم على لبنان وما تسمعه فرنسا من بن غفير وسموريتش هو في اطار هذه النوايا أي الهروب الى الامام . اما التعديلات التي طلبها رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي على الورقة الفرنسية فتشير الى رغبة اللبنانيين بالاستمرار في العمل الدبلوماسي للتوصل الى اتفاق بوقف التصعيد وتجنيب لبنان الحرب .
وقالت المصادر ان باريس قلقة بالنسبة للبنان منذ البداية وترى ان المسوؤلين اللبنانيين ليسوا قلقين بما يكفي باستثناء وليد جنبلاط الرئيس السابق للحزب الاشتراكي اللبناني الذي استضافه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والذي وصف الوضع بالمقلق والسلبي في لبنان . تضيف المصادر ان هناك مزيدا من القلق اذ ان الوضع الداخلي في لبنان جامد وليس هناك وعي لدى بعض المسؤولين ان في مثل هذه الأوضاع ينبغي انتخاب رئيس وتشكيل حكومة . استبعدت المصادر ان يستقبل الرئيس الفرنسي مسؤولا لبنانيا آخر كما ان زيارة المبعوث الرئاسي جان ايف لودريان الى لبنان مؤجلة الى ان يحدث تطور على مستوى الرئاسي . تقول المصادر ان الرئيس الفرنسي رغب في استضافة وليد جنبلاط للاستماع عن الوضع في لبنان وان ماكرون مهتم جدا بالوضع في لبنان وعلى علم بتفاصيل عديدة عن أوضاع البلد وهو يفكر منذ فترة بكيفية حث اللبنانيين على تحمل مسؤوليتهم وانتخاب رئيس في ظل مخاطر المنطقة الكبرى . وقد اتفق الجانبان الفرنسي وجنبلاط على ضرورة الاهتمام السعودي الأساسي في مسألة حث الأطراف على التوصل للأنتخاب الرئاسي نظرا الى وزن واهمية السعودية في المنطقة وفي لبنان. وتناول جنبلاط مع الرئيس الفرنسي موضوع اللاجئين السوريين في لبنان وقال انه ينبغي ان يثار الموضوع بين الحكومة اللبنانية والنظام السوري لكن المصادر الفرنسية قالت للنهار ان الرئيس الفرنسي يعلم من أصدقائه العرب الذين طبعوا علاقاتهم مع النظام السوري ان النظام لم يلتزم بما وعده لكل من الأردن والسعودية بإيقاف تجارة الكابتاغون وان لا احد يصدقه .
الراعي وعودة
على الصعيد الداخلي برزت امس المواقف التي اطلقها كل من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ومتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة من التطورات الداخلية .
البطريرك الراعي دعا "إلى الإسراع في إنتخاب رئيس للجمهورية من أجل سلامة الجسم الوطني بعودة المؤسسات الدستورية إلى طبيعتها وصلاحياتها، وإخراج الدولة من حالة الفوضى والتعدّي على فصل السلطات". كما حض على "الإسراع في إيقاف الحرب على جنوب لبنان، ووضع حدّ لهدم المنازل، وتدمير المتاجر، وإحراق الأرض ومحاصيلها، وقتل المدنيين الأبرياء وتهجيرهم وإتلاف جنى عمرهم في ظرف إقتصادي سبق وأفقرهم". ودعا أيضا الى "توحيد الكلمة في قضية تأمين عودة النازحين واللاجئين السوريين إلى وطنهم وعدم الرضوخ للضغوط الأوروبية والدولية وأساليبها المغرية بهدف تجنّب عودتهم وإبقائهم في لبنان لأهداف سياسية ليست لصالحهم ولا لصالح لبنان. إن مصلحة هؤلاء المحافظة على وطنهم وتاريخهم وثقافتهم وحضارتهم وممتلكاتهم. فنقول لهم: المجتمع الأوروبي والدولي يستعملكم لأغراض سياسية ليست لخيركم. لا تستبدلوا وطنكم بمغريات بقائكم في لبنان. ولا تبادلوا الإستضافة اللبنانية بالإعتداء على اللبنانيين والقوانين".
اما المطران وفي عظته في مناسبة عيد الفصح فقال : "بلدنا بحاجةٍ إلى مسؤولين يعملون من أجله لا من أجل مصالحهم، وإلى نوّابٍ يقومون بواجباتهم بعيداً عن المصالح والغايات، وأولى هذه الواجبات الإجتماع خلال المهلة التي يحدّدها الدستور من أجل انتخاب رئيسٍ للجمهورية يقود البلد بأمانةٍ وحكمة. لقد مضى ما يقارب العامين على انتهاء هذه المدّة ولم ينجزوا واجبهم، وكأنّ البعض استساغ الفراغ واستغنى عن وجود الرئيس! نراهم يجتمعون عندما تدعوهم المصالح، وتتضافر جهودهم من أجل إتمام المقتضى. فإذا كان بإمكانهم الإجتماع فلم لا ينتخبون رئيساً؟ ولم لا يطبّقون الدستور المفروض أن يكون مرجعهم الوحيد؟ ولم لا يحترمون المواعيد الدستورية كلّها؟ ولم يتخطون المفاهيم الديموقراطية؟ ألسنا في نظامٍ ديمقراطيٍّ مبنيٍّ على مبدأ الفصل بين السلطات وتعاونها، وعلى صون استقلاليّة القضاء من أجل تحقيق العدالة، وعلى ضمان حريّات المواطنين وحقوقهم في تولي المراكز، والمشاركة في السلطة عبر انتخاباتٍ تجرى في مواعيدها؟ الديموقراطيّة لا تستقيم من دون احترام المهل الدستوريّة وتداول السلطة، ومن دون مراقبةٍ جدّيةٍ ومحاسبةٍ عادلة … بلدنا لن ينهض ما لم ينتظم عمل مؤسساته الدستوريّة ويؤمّن حسن أداء الموظفين فيها. لكنّنا نشهد عجز هذه المؤسسات بسبب عدم انتخاب رئيسٍ، ولا انتخاب لرئيسٍ بسبب الصراعات السياسية والمشاحنات والتعطيل وفرض بدعٍ لا ينصّ عليها الدستور. نظامنا الديموقراطيّ يتقهقر بسبب تداخل السلطات وتحكّم السياسة في القضاء، وتعطيل الدستور وإخضاعه للمصالح، وتعطيل انتخاب رئيسٍ وعرقلة تشكيل الحكومات، كما شهدنا في السنوات الأخيرة، بحجة الديموقراطيّة التوافقيّة التي هي نقيض الديموقراطيّة الحقيقيّة التي تقوم على أكثريةٍ برلمانيّةٍ تنبثق منها حكومةٌ تتولّى السلطة، ومعارضةٍ فاعلةٍ تمارس الرقابة الحقيقيّة المنزّهة عن كلّ مصلحة. هذا ما كان عليه لبنان في ماضيه".