من الصحف

دمْج النازحين في العمق المسيحي... مثلّث كفرحلدا - البساتين - بيت شلالا نموذجاً!

الاحداث- كتب ألان سركيس في صحيفة نداء الوطن يقول:"من يمرّ في منطقة كفرحلدا وبساتين العصي وسهل بيت شلالا يظنّ نفسه في عرسال أو وادي خالد أو أي منطقة حدودية إستقبلت العدد الأكبر من النازحين... وربما في مدينة سورية! لكن في الحقيقة هناك بلدات في عمق الشمال وجبل لبنان باتت أعداد النازحين فيها تتخطى بأضعاف مضاعفة عدد الأهالي حتى أصبحوا هم من يملكون القوة الإقتصادية والديموغرافية والوجود على الأرض، ويشعر الأهالي بأنهم غرباء في أرضهم.

إذا كانت عرسال تؤوي نحو 70 ألف نازح ويُقدّر عدد المواطنين فيها بنحو 40000 لبناني، فهناك منطقة في وسط البترون، يقطنها نحو 500 لبناني بشكل دائم بينما يتخطى عدد النازحين فيها الـ4000 نازح.

تقع المنطقة الجغرافية الممتدة من بساتين العصي وكفرحلدا إلى بيت شلالا في وسط البترون الأعلى، وتربط منطقة تنورين بالوسط والساحل البتروني وبقضاء الكورة، وتعتبر منطقة استراتيجية بكل المقاييس، وتضمّ سهل كفرحلدا وبيت شلالا.

أيام الحرب لم يستطع الجيش السوري إخضاع هذه المنطقة، وكانت ضمن المناطق الشرقية المحرّرة وفُصلت عن ساحل البترون والشمال، وبدأ الدخول السوري إليها بعد الحرب كعمّال زراعة وباطون. وقبل عام 2011 كان وجود اليد العاملة مضبوطاً، وكل من يملك قطعة أرض يكفل السوريين الذين يعملون في أرضه.

تغيّر الوضع بعد اندلاع الحرب السورية، يومها امتلأت الخيم في السهل بالنازحين، وبدأت مرحلة تأجير المنازل للسوريين، كما أنّ عدداً من أهالي المنطقة والبلدات المجاورة شيّد منازل من أجل تأجيرها، ولامس عدد النازحين الـ4000 نازح وفق تقديرات رسمية.

والغريب في الأمر أنّ النزوح إلى هذه المنطقة لم يقتصر على أهالي المناطق القريبة من الحدود، بل وصلها سوريون من حلب وإدلب، وهؤلاء لاقوا دعم المنظمات الدولية التي ساندتهم للبقاء.

تطوّر الأوضاع

من الناحية الأمنية، بقي الوضع مضبوطاً وتخلّلته إشكالات بين نازحي حمص وحلب، لكنها كانت تنتهي في ساعتها، وبعد مدّة صار السوري هو الأقوى في المنطقة، واستفاد من احتضان بعض اللبنانيين الجشعين له، ودعم المنظمات الدولية التي تخرق السيادة اللبنانية وتغاضي البلديات وتواطؤ بعضها.

وتطوّر الوضع بسرعة، وانفجر منذ عام تقريباً، فقد أقدم السوريون على تمزيق الخيم البلاستيكية في السهل بعد قرار أصحاب الأرض تخفيض حصة العاملين من الجنسية السورية من 25 في المئة إلى 20، واستمرّ الأمر بعدما تغاضت بلدية كفرحلدا والدولة عن امتلاك السوريين شاحنات لنقل الخضار إلى الأسواق بعدما كانت هذه المهنة محصورة باللبنانيين. أما الأخطر من هذا كلّه فهو لجوء السوريين إلى «ضمان» الأرض واستقدام عمّال وطرد اللبناني بطريقة غير مباشرة منها، وكل ذلك يحصل وسط تغاضي بلدية كفرحلدا وتواطؤ بعض ملّاك الأراضي الجشعين وغياب أجهزة الدولة عن هذا التطوّر الخطر، فبات السوري هو الآمر الناهي في السهل.

ويحصل كل ذلك، وسط خوف كبير من أي عمل أمني، فالسوري الذي يسكن المنازل والسهل يعرف تفاصيل وتضاريس المنطقة أكثر من اللبناني، وما يثير الاستغراب هو دفع السوري مبالغ خيالية لقاء استحواذه على الأرض، ما يجعله المتحكّم بالسهل.

السلطة المحلية

كل تلك التطوّرات، لم تُحرّك بلدية كفرحلدا، بل كانت تقف إلى جانب السوري ضدّ اللبناني. فعلى سبيل المثال، ممنوع على اللبناني رعي ماشيته في السهل، بينما كل شيء للسوري مباح، وعند مراجعة البلدية يكون الجواب أن السوري مستأجر، وبالتالي مالك، ويحق له تربية المواشي، ما يعني توطيناً مبطّناً، ويضاف إلى هذا الأمر ما حصل منذ نحو شهر في نطاق بساتين العصي التي يتبع قسم منها لسلطة بلدية كفرحلدا.

ووصلت الأمور إلى حدّ الانفجار، بعدما أقدمت بلدية كفرحلدا على فتح صالة كنيسة مار يوحنا المعمدان أمام إحدى الجمعيات، واستقبلت السوريين لتدريبهم ودعمهم للبقاء في السهل بحجة تدريب اللبنانيين والسوريين على الزراعة، لكن هذا الأمر استدعى ردّة فعل عنيفة. وبعد انفضاح الأمر، تبرّأت بلدية كفرحلدا من الأمر علماً أنّ شرطياً في البلدية هو من رافق مسؤولي الجمعية وفتح باب الصالة التي استضافت الاجتماع وأشرف عليه، بينما أشارت بلدية كفرحلدا في بيان إلى مسؤولية «مؤسّسة رنيه معوّض» عن الحدث.

بصرف النظر عن الجهة المسؤولة، يكشف هذا الأمر وجود خرق لقرار وزارة الداخلية الذي يمنع استقبال جمعيات دعم النازحين ودمجهم، فتعميم قائمقام البترون روجيه طوبيا الذي يحاول معالجة الأمور، واضح، لكن الأخطر من ذلك هو ما حصل لاحقاً. فبعد قرار وزارة الداخلية الواضح، حاولت جهات التسلّل تحت راية جمعيات معروفة مثل «مؤسسة رنيه معوض» و»كاريتاس»، ما يضع الكنيستين المارونية والأرثوذكسية والنائب ميشال معوض أمام مسؤولية تاريخية. فبعد التواصل مع معوّض أكّد أنه سيتحقّق ممّا حصل، أما راعي أبرشية البترون المطران منير خيرالله فهو مطالب بالتحرك سريعاً لإنقاذ البلدات التي تقع ضمن أبرشيته.