الاحداث- كتبت صحيفة الاخبار تقول:"يوماً بعد آخر، يتصاعد منسوب القلق في لبنان من أخطار محتملة من الجانب الشرقي من الحدود.
هناك، أولاً، استخدام إسرائيل للأراضي السورية التي باتت تسيطر عليها منذ سقوط السلطة المركزية في دمشق بيد المجموعات المسلحة.
إذ بات العدو ينتشر على طول الحدود اللبنانية – السورية من الجهة الغربية لجنوبي سوريا، بما في ذلك الجزء اللبناني من جبل الشيخ. وهذا الانتشار يشعر به سكان القرى اللبنانية الحدودية، من العرقوب في أقصى الجنوب، مروراً بالمناطق الواقعة شمال راشيا، وصولاً إلى تخوم الريف الجنوبي – الغربي لدمشق.
ولا تقتصر التحرّكات الإسرائيلية على الجانب العسكري، بل تترافق مع نشاط استخباري وأمني متصاعد في مجمل هذه المناطق.
وهناك، ثانياً وما لا يقلّ خطورة، تزايد الهواجس في لبنان نتيجة التوتّر المستمر في العلاقة مع السلطة السورية الجديدة. إذ لم تفلح الاجتماعات الأمنيّة والعسكرية المتكرّرة بين الطرفين في طمأنة الجانب اللبناني، لا سيّما الرسمي منه، بسبب الغموض الذي يحيط بالموقف السوري، وكثرة التبديلات في هوية الجهات المكلّفة بالتنسيق، فضلاً عن تبريرات متكرّرة تطلقها السلطات السورية الجديدة بشأن حوادث إطلاق النار والاشتباكات على الحدود الشرقية، وتعزوها إلى «عدم السيطرة الكاملة» على الأرض، وحاجتها إلى مزيد من الوقت لضبط الأوضاع.
ومع استمرار عمليات التهريب عبر الحدود الشرقية والشمالية، لم يعد الأمر مقتصراً على تهريب السلاح أو السلع والمواد الغذائية، بل يشمل تدفّقاً متواصلاً للاجئين السوريين أيضاً عبر معابر غير شرعية. وقد شهدت الأسابيع الأولى بعد انهيار النظام السابق في دمشق موجات نزوح كثيفة، بدأت أساساً من قرى ريف حمص الغربي ومنطقة القصير، ثم تزايدت مع الوقت، خصوصاً بعد تعرّض قرى الساحل السوري لعمليات تنكيل ومجازر.
فيما كانت الاتصالات تُكثَّف لتأمين عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، انطلاقاً من انتفاء الأسباب الأمنيّة للنزوح، كانت المواقف الرسمية لحكومة أحمد الشرع تؤكّد أنّ عودة جميع النازحين غير ممكنة قبل حدوث تحولات جوهرية في الوضع الاقتصادي داخل سوريا. وأظهرت السلطات الجديدة في دمشق اهتماماً أكبر بملفات ذات أولوية غربية، وعلى رأسها إقفال المعابر غير الشرعية التي يُشتبه في استخدامها لنقل أسلحة أو أموال إلى حزب الله عبر الأراضي السورية.
ومع تطور العلاقة السياسية لحكومة الشرع مع الدول الغربية وبعض الدول العربية، ولا سيّما السعودية، ازدادت المخاوف من احتمال تورّط هذه السلطة في مخطّطات تهدف إلى الضغط على حزب الله، انطلاقاً من المناطق الحدودية اللبنانية - السورية. وبلغت هذه المخاوف ذروتها بعد الاجتماع الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالشرع في الرياض، وأعقبه تسريب معلومات تتعلّق بالمقاتلين الأجانب في سوريا.
ففي حين كانت واشنطن والدول الأوروبية تطالب الشرع بإبعاد هؤلاء المقاتلين ومنع تولّيهم مناصب في السلطة الجديدة، كشفت التسريبات أنّ الشرع كان يُعِدّ لتسوية تُفضي إلى منحهم الجنسية السورية، تحت عنوان أنهم «ضحّوا وجاهدوا من أجل الثورة السورية ضد النظام السابق».
وبحسب دبلوماسيين على تواصل مع السعودية، فقد كرّر ترامب أمام الشرع مطالبَه باتخاذ إجراءات حازمة لمكافحة القوى الإرهابية، فردّ الأخير بأنّ ملف المقاتلين الأجانب يتطلّب مقاربة مختلفة، موضحاً أنّ هؤلاء ينتمون إلى دول ترفض إعادتهم، ولا يرغبون هم بالعودة إليها. وأكّد أنّ تركهم من دون هوية أو مرجعية داخل سوريا سيكون بمثابة دعوة مفتوحة لهم للالتحاق بتنظيم «داعش» الذي يسعى لاستقطابهم مجدّداً. واعتبر أنّ هذا السيناريو يُهدّد الأمن في سوريا والغرب على حدّ سواء.
غير أنّ أكثر ما أثار القلق اللبناني، إشارة الشرع إلى إمكانية استفادة سوريا، بالتعاون مع شركائها الإقليميين والدوليين، من المقاتلين الأجانب لمواجهة «الأعداء المشتركين». ورغم محاولة بعض الأطراف حصر هذه «العداوة» بالجماعات الإسلامية المتطرّفة، إلا أنّ مصادر مطّلعة على الاتصالات أكّدت أنّ لائحة «الأعداء المشتركين» تشمل حزب الله في لبنان أيضاً، وقوات الحشد الشعبي في العراق.
استناداً إلى هذه المعطيات، فُتح الملف من زاوية سياسية في لبنان، حيث اطّلع رئيس الجمهورية جوزيف عون على تقارير زوّدته بها الأجهزة الأمنيّة وقيادة الجيش، حول الإجراءات المفترض اتّخاذها لمنع أي محاولة لفتح جبهة في لبنان، مع مخاوف من لجوء هذه المجموعات إلى تنفيذ عمليات إرهابية، استناداً إلى معطيات جاءت بغالبيتها من الجانبين السوري والتركي.
توقيفات في بيروت الكبرى لعناصر إرهابية وخشية من تفجيرات في بيروت بعد دمشق
وتكشف المعلومات أنّ السلطات الجديدة في دمشق أوقفت، قبل نحو شهرين، مجموعة يُعتقد بانتمائها إلى تنظيم «داعش»، كانت تخطّط لشنّ هجوم واسع على فندق «غولدن - المزة»، حيث كان يقيم عدد كبير من الأجانب، بينهم إعلاميون وموظفون في منظمات دولية، إلى جانب رجال استخبارات يعملون تحت غطاء دبلوماسي. كما وردت تقارير عن تفكيك خليّة أخرى كانت تُعِدّ لتنفيذ تفجير في مقام السيدة زينب جنوب العاصمة السورية.
لكنّ التصعيد بلغ ذروته مع الهجوم الإرهابي الذي استهدف كنيسة مار الياس في وسط دمشق، حيث أقدمَ انتحاري على إطلاق النار على المصلين قبل أن يفجّر نفسه، ما أسفر عن مقتل وجرح العشرات.
ورغم إعلان سلطات دمشق أنّ منفّذ الهجوم ينتمي إلى «داعش»، إلا أنّ أجهزة أمنيّة إقليمية، إضافة إلى مصادر أمنيّة لبنانية، دعت إلى التحقّق من هذه الرواية، مشيرة إلى أنّ بعض المجموعات التي رافقت فِرق حكومة الشرع إلى دمشق بدأت تتحرّك ميدانياً خارج إطار مؤسسات الدولة.
وذهب بعض المراقبين إلى حدّ اتهام السلطة الجديدة في سوريا باستخدام هذه العناصر لترويع خصومها في الداخل والخارج.
وفي لبنان، يتصاعد القلق على خلفية إمكانية قيام عناصر تابعة لهذه المجموعات بتنفيذ عمليات إرهابية. وعلمت «الأخبار» أنّ عدّة جهات أمنيّة رسمية لبنانية تلقّت خلال اليومين الماضيَين معلومات استخبارية تفيد بدخول مجموعات من المقاتلين الأجانب إلى لبنان.
وتشير هذه المعلومات إلى أنّ نحو 150 عنصراً من المقاتلين الأجانب دخلوا إلى الأراضي اللبنانية يومي 27 و28 حزيران الماضي، عبر معبر «النعرة» الذي أنشأه جهاز الأمن العام السوري مؤخّراً، ويربط منطقة تلكلخ السورية بمنطقة وادي خالد في عكار. ويُستخدم هذا المعبر غالباً لتهريب الأفراد سيراً على الأقدام من سوريا.
وبحسب المعطيات، فإنّ هؤلاء دخلوا إلى لبنان مستخدمين هويات سورية مزوّرة يُرجَّح أنهم حصلوا عليها بالتعاون مع جهات داخل السلطة السورية. وهم عبروا على دفعتين، وقاموا بترتيب أوضاعهم الشخصية فور وصولهم، إذ حلقوا لحاهم، وغيّروا مظهرهم الخارجي، وبدّلوا ملابسهم، وانقسموا إلى مجموعات صغيرة، توزّعت على مدينة طرابلس ومحيطها، فيما توجّه آخرون إلى العاصمة بيروت، واختارت مجموعة ثالثة التموضع في منطقة برج حمود.
وأمام تداول هذه المعلومات على نطاق واسع بين أكثر من مرجعية أمنيّة وسياسية في لبنان، طُرحت أسئلة ملحّة تتعلّق بأداء الأجهزة الأمنيّة الرسمية، وعلى رأسها: كيف سُمح لهؤلاء بالدخول إلى لبنان من دون اعتراض أو توقيف فوري؟
وما هي المبرّرات التي تقف وراء قدومهم إلى البلاد؟ وهل تمّ تحديد أماكن إقامتهم بدقة؟ وهل باشرت الأجهزة المختصّة التحقيق معهم أو على الأقل التدقيق في أسباب دخولهم وظروف تنقّلهم، وما إذا كان هؤلاء قدموا لتنفيذ عمليات إرهابية ضد مواقع دينية مسيحية، أو مجالس عاشورائية؟
الموساد يجنّد سوريين في لبنان باسم «داعش»
لا تتوقّف الأنباء اليومية عن توقيف أعداد من السوريين في مناطق لبنانية مختلفة، بتهم متعدّدة، تتراوح بين الدخول غير الشرعي إلى لبنان والانتماء إلى تنظيمات إرهابية.
وفي هذا الصدد، أكّد مصدر أمني لـ«الأخبار»، أنّ الخليّة التي أوقفتها الأجهزة الأمنيّة في محلّة برج البراجنة الإثنين الماضي، والمؤلّفة من سبعة سوريين، اتّضح أنّ متزعّمها يشتبه في تعامله مع الموساد الإسرائيلي بشكل مباشر، فيما بقية أعضاء الخليّة يعملون معه على أنه قيادي في «داعش».
ولفتت المصادر إلى وجود جوّ عام في البلاد حذر حيال قيام مجموعات إرهابية بأعمال أمنيّة متنقّلة، لكن حتى الساعة، وبحسب اعترافات خليّة برج البراجنة، وغيرها من الموقوفين بشكل منفرد، تبيّن أنّ المهام الموكلة إليهم لم تتخطَّ مرحلة التصوير وجمع المعلومات.
وأشارت المصادر إلى وجود عدد من العناصر السوريين الذين يعتقدون أنهم يعملون لدى «أمير داعشي»، فيما هم في الحقيقة يعملون تحت إمرة عميل للموساد من دون علمهم، ما يعني انتقال الموساد في عمله من مستوى تجنيد القادة والزعماء، إلى تجنيد العناصر على الأرض.
وفي الإطار، أوقف الجيش اللبناني أمس عشرات السوريين لدخولهم خلسة إلى الأراضي اللبنانية.
وقال الجيش في بيان، إنه «ضمن إطار التدابير الأمنيّة التي تنفذّها المؤسسة العسكرية في منطقة البقاع عند الحدود اللبنانية السورية، أوقفت وحدات من الجيش على مدى الأسبوع الماضي 67 سورياً لدخولهم إلى الأراضي اللبنانية خلسة».
وأكّدت قيادة الجيش أنها على تَواصل دائم مع السلطات السورية وتتّخذ التدابير الأمنيّة اللازمة لضبط الحدود والحفاظ على الاستقرار، بما في ذلك تسيير دوريات وتركيز نقاط مراقبة.
ودعا بيان قيادة الجيش وسائل الإعلام إلى «توخّي الدقة في نقل الأخبار المتعلّقة بالوضع عند الحدود وعدم نشر الأخبار التي قد تؤدّي إلى خلق توتّر داخلي، والعودة إلى بيانات الجيش الرسمية للحصول على المعلومات الدقيقة»، وأتى ذلك فيما انتشرت معلومات عن تحشّدات عسكرية تنفذّها الفصائل المسلحة التابعة لوزارة الدفاع السورية عند الحدود مع لبنان.