Search Icon

مطار القليعات يُحرّك الحديث عن المناطق الصناعية... الباكورة في طرابلس وتحضير لنماذج في صور

منذ ساعتين

من الصحف

مطار القليعات يُحرّك الحديث عن المناطق الصناعية... الباكورة في طرابلس وتحضير لنماذج في صور

الاحداث- كتبت سلوى بعلبكي في صحيفة النهار تقول:"

ليس خافياً أنّ مناطق التجارة الحرة في العالمين العربي والغربي تعمل على تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر فيها، وتساعد في توسيع قاعدة الاقتصاد وتوفير فرص جدية للنمو والأعمال وفتح الآفاق أمام الكوادر الشابة للعمل والابتكار، والمشاركة في البناء الاقتصادي والاجتماعي الوطني.

ولعل المنطقة الحرة في جبل علي في دبي أبرز مثال في هذا السياق، إذ شكلت حلقة أساسية في سلسلة التجارة الدولية، وربطت آلاف الشركات من عشرات الدول، بأكبر الموانئ الجوية والبحرية حول العالم، وأتاحت للمستثمرين في حرمها خفض التكاليف التشغيلية، وتحقيق معدلات نمو مرتفعة.

الإشارة إلى جبل علي تأتي في سياق سعي لبنان إلى طرح مشروع إنشاء مناطق اقتصادية حرة لمواكبة التحولات الاقتصادية والسياسية التي طرأت في لبنان والمنطقة.

 

ووفقا لوزير الاقتصاد والتجارة الدكتور عامر البساط، فقد ساهمت المناطق الحرة في دبي، مثل جبل علي، في استقطاب أكثر من 7500 شركة، وتوليد نحو 23% من الناتج المحلي للإمارة"، وهذا لم يكن ليتحقق لو لم تقدّم حكومة دبي حوافز مغرية مثل الإعفاءات الضريبية والتسهيلات الجمركية وتبسيط الأنظمة والقوانين والمعاملات الإدارية.

 

فهل يمكن من يطرح إنشاء المناطق الاقتصادية في لبنان، أن يضمن الحدود الدنيا من مستلزمات نجاح هذه المشاريع؟ وهل لدى لبنان بعد الانهيار النقدي والمصرفي وتعذر علاج عضال الكهرباء، وتزايد ترهل البنى التحتية، قدرة على جذب استثمارات أجنبية جديدة؟

 

ليس المطلوب إنشاء "جبال علي" على الأراضي اللبنانية كافة، بل ثلاثة أو أربعة نماذج على الأكثر، بدءا من طرابلس وعكار، بعد إعادة تشغيل مطار القليعات، وصولا إلى البقاع والجنوب، واقتناص الفرصة الإقليمية الواعدة بالإعمار والنمو.

 

توزُّع مشاريع بناء مناطق اقتصادية مناطقيا، في ما لو أبصرت النور، سيخفف العبء الديموغرافي عن المدن الكبرى، وخصوصا بيروت ومحيطها في جبل لبنان، وسيقلل من تمركز الأعمال فيها، ويعيد توزيع فرص العمل والدخل الجديد نحو الأقضية والمناطق البعيدة.

 

لماذ الآن؟

الواقع أن الحديث عن إنشاء مطار القليعات هو الذي حرك تطبيق قانون المناطق الاقتصادية الحرة، وخصوصا في مدينة طرابلس الأقرب إلى المطار، فيما العمل جارٍ على إصدار المراسيم التطبيقية التي ستسمح ببدء تنفيذ المشروع فعليا. 

 

والتركيز على مدينة طرابلس اليوم، يأتي انطلاقا من موقعها الجغرافي الإستراتيجي واحتضانها مرافق حيوية كـ"معرض رشيد كرامي الدولي"، وغرفة التجارة، وقد تم بالفعل تعيين مجلس إدارة للمنطقة الاقتصادية الحرة في طرابلس، في انتظار إقراره رسميا في مجلس الوزراء.

 

وتشير التوجهات المطروحة إلى أهمية تخصيص كل منطقة اقتصادية في لبنان بقطاع معين. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تخصص منطقة في البقاع للصناعات الغذائية، مع دعوة المستثمرين المحليين الروّاد في المجال إلى إنشاء مصانع وفق نظام  "Private Labeling"، وتشغيل الأيدي العاملة اللبنانية، وتحفيز حركة الإنتاج والتصدير.

 

ويتوقع أن تؤدي هذه الخطوات إلى تحفيز الاقتصاد المحلي، وخفض كلفة الإنتاج، وزيادة القدرة التصديرية للبنان، خصوصا إذا ما تم ربطها بإعادة إعمار سوريا لاحقا، وهو ما يفتح الباب أمام دور محوري للبنان في الخدمات والدعم اللوجيستي والتجاري في المنطقة.

 

ووفق البساط فإن "المناطق الاقتصادية الحرة هي مساحات جغرافية محددة داخل الدولة، تُمنح فيها الشركات حوافز استثنائية، كإعفاءات ضريبية، وتسهيلات جمركية، وبنى تحتية متطورة، وأنظمة إدارية مبسطة بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحفيز الصادرات".

 

حاليا، لا مناطق اقتصادية حرة أخرى قائمة فعليا في لبنان، إلا أن المعلومات تؤكد أن ثمة مشروع قانون قيد الدرس لإنشاء منطقة جديدة في مدينة صور. ومع ذلك، يجمع المعنيون على ضرورة إنجاح نموذج طرابلس أولا قبل التوسع إلى مناطق أخرى، واعتماد "النموذج الأولي" نقطة انطلاق لتعميم التجربة، ضمن استراتيجية وطنية تهدف إلى إعادة بناء الاقتصاد اللبناني على أسس إنتاجية حديثة وفعالة.

 

يمتلك لبنان ميزة الموقع، ولا يزال قادرا على جذب الاستثمارات الأجنبية رغم الأزمة. ومن المزايا التي تؤهله لنجاح المناطق الاقتصادية فيه، بحسب البساط، أنه "على بعد ساعات طيران من أوروبا والخليج، وميناء بيروت كان في 2019 من بين أكبر 10 موانئ في المتوسط من حيث حركة الحاويات (قبل الانفجار)، وثمة مناطق حرة مرتبطة بمرفأ محدث قد تجعل لبنان منصة عبور تجارية". 

 

وفيما يعتمد لبنان على استيراد يفوق التصدير بخمسة أضعاف، فإن تركيز المناطق الحرة على صناعات دوائية وغذائية أو تكنولوجية، قد يضاعف الصادرات إلى 6 أو 7 مليارات دولار سنوياً خلال عقد، إضافة إلى توفير فرص عمل. ووفق البساط "لدينا أكثر من 300 ألف شاب لبناني عاطل عن العمل. وإذا استطاعت المناطق الحرة استقطاب صناعات كثيفة، فيمكن توفير ما بين 50 إلى 70 ألف وظيفة جديدة خلال سنوات قليلة".  

 

صحيح أن لبنان يشتهر بكفاياته البشرية، لكن هجرة الأدمغة استنزفت موارده، وتاليا فإن "وجود شركات عالمية داخل المناطق الحرة يمكن أن يفتح فرص تدريب ونقل خبرات، كما حصل في الأردن حيث ساهمت منطقة العقبة في تطوير مهارات آلاف المهندسين والفنيين. ويشير البساط إلى أن "تحسين البنية التحتية في كل مشروع منطقة حرة سيستدعي استثمارا في الكهرباء والطرق والاتصالات، بما ينعكس إيجابا على المجتمعات المحيطة".