الاحداث -كتب جورج شاهين في صحيفة الجمهورية يقول:"بالتزامن مع نشر صورة اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية احمد الشرع ومعهما ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان شخصياً، والكشف عن مشاركة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بالوسائط الإلكترونية، انطلقت موجة من التسريبات التي دفعت بمخيلة البعض إلى القول إنّ المملكة ستكلّف الشرع إدارة ملف لبنان إحياءً لنظرية سابقة اختُصرت بـ "السين – سين". وهو ما أثار استغراباً واسعاً في الأوساط الديبلوماسية والسياسية التي تمّ التعبير عنها بأكثر من طريقة.. وهذه بعض النماذج.
على خلفية النزاع الطبيعي المعترف به في علوم النفس والاجتماع، الذي ينتاب البعض ممن يعيشون نزاعاً بين الرغبات والأمنيات مع ما يرافقها أحياناً من شعور بالدونية وبالغضب والحسد والفشل في مجمل الوقائع والحقائق التي لا يمكن أن تخضع لأي نقاش، انطلقت موجة من التحليلات والسيناريوهات المجهولة المصدر، للحديث عن حصيلة لقاء الدقائق الثلاثين التي جمعت كلاً من ترامب والشرع وبن سلمان، فيما حضر اردوغان عبر تطبيق "زوم" بطريقة تسابقت فيها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي إلى بث مجموعة من الروايات التي تتحدث عن مستقبل التطورات في المنطقة والعالم، وعن العلاقات بين الرجال الاربعة وما يمكن ان تشهده دولهم من مستجدات طغت عليها توقعات المنجمين والمتخصصين في قراءة الحركات والوجوه، إلى ما هنالك من مواصفات تقارب نوعاً من الخيال الذي يقود إلى الجدل العقيم.
وقبل التدقيق في مثل هذه المعطيات المحيطة باللقاء وما يمكن أن يليه من تطورات، لا يمكن لأي مرجع سياسياً كان أو ديبلوماسياً، أن يتجاهل ما طرحته زيارة ترامب لدول الخليج العربي، بعدما قدّمت أولى الصور الاستباقية لشكل الشرق الأوسط الجديد الذي تحدثت عنه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس أيام الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن قبل أقل من عقدين من الزمن، ولكنه لم يتحقق قبل مسلسل الحروب الأخيرة التي انطلقت من عمليتي "طوفان الأقصى" و"حرب الإلهاء والإسناد" اللتين قادتا المنطقة إلى تفاهم 27 تشرين الثاني وما استجرّه من انهيار لمحور الممانعة بعد سقوط نظام الأسد في سوريا وبدء البحث في السلاح غير الشرعي في العراق، قبل أن يُعلن عن تفاهمات لم تكن تخطر على بال أحد، ومنها ما تمّ التوصل إليه بين واشنطن والحوثيين لوقف استهداف البوارج والبواخر الأميركية في البحر الأحمر ومع حركة "حماس" التي أدّت إلى الإفراج عن إسرائيلي من حاملي الجنسية الأميركية من دون بقية الأسرى، على وقع اتفاق وقف النار المستعجل الذي رتّبه ترامب بين الهند وباكستان ولم تحم المدافع بعد، ولم تنطلق كل الطائرات والصواريخ على جانبي الحدود بين البلدين.
اما اليوم، وقد كشفت زيارة ترامب لدول الخليج الثلاث بكل ما رافقها من مفاجآت عن وجهتها المالية ببلايين الدولارات ترجمةً لما أعدّ من اتفاقيات كرّست نوعاً من التعاون غير المسبوق بين واشنطن والرياض والدوحة وأبو ظبي، بقي البحث قائماً عن الثمار السياسية للزيارة، وعمّا إذا كانت ستوفّر لدول الخليج العربي بعضاً من مطالبها السياسية، ولا سيما منها ما يتعلق بمشروع الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، كما بالنسبة الى استكمال التفاهمات الخاصة بغزة ولبنان بعد فك العقوبات عن سوريا. وإن كان ما بات واضحاً انّ تحركات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد نجحت في فرملة بعض الخطوات التي كان ترامب يرغب بها، فإنّها لم تلغ ما في رأس الرجل من سيناريوهات تحاكي عملية السلام الدولية الشاملة التي يرغب بها على وجه الأرض وحيثما لبلاده اسطول أو قاعدة بحرية وربما بعثة ديبلوماسية فقط، أياً كانت تكلفتها طالما انّه بدأ يجني في الاقتصاد والمال والاستثمار ما لم يحلم به إنسان على وجه الأرض، كما قال أمس في آخر تصريحاته في الإمارات العربية المتحدة.
وفي انتظار السيناريوهات السياسية والديبلوماسية الخاصة بأزمات المنطقة الممتدة من الخليج العربي إلى حوض وشرق المتوسط التي وحّدتها واشنطن بمجسمٍ واحدٍ وضع على المكتب البيضاوي، بقيت المواقف الثابتة والمعلنة عن اللقاء الرباعي محصورة بما تبادله من عبارات قصيرة عن الشرع ومواصفاته التي تتناقض والشروط الأميركية التي وضعت قبل سنوات للقبض عليه، وما يمكن أن يقوم به خلال "الفرصة الممنوحة له لتحقيق إنجاز تاريخي في سوريا. وقيل إنّ ترامب لم يستشر إسرائيل في خطوته هذه. وكشف البيت الابيض أنّ الشرع اقرّ بـ "أهمية الفرصة المهمّة التي أتاحها انسحاب إيران من سوريا". واكّد "التزامه باتفاقية فك الارتباط مع إسرائيل الموقّعة، وبالمصلحة الأميركية- السورية بمكافحة الإرهاب والقضاء على الأسلحة الكيماوية"، منتهياً إلى "دعوة الشركات الأميركية للاستثمار في النفط والغاز سوريا".
وفي الوقت الذي نُقل أيضاً عن ترامب قوله في توصيفه الشرع بـ "أنّه قائد حقيقي وشاب جذاب ومقاتل له ماضٍ قوي جداً وهو مذهل وسوريا ستنضمّ الى اتفاقية ابراهام"، لم يتجاهل الرجل الملفين اللبناني والفلسطيني، عندما أفرز لكل منهما موقفاً في كل إطلالة في خلال استقباله في الرياض كما في مؤتمر الاستثمار الأميركي - السعودي وفي قطر وأبو ظبي، لفت إلى أنّ هناك "فرصة جديدة للبنان مع الرئيس ورئيس الوزراء الجديدين، وهي تأتي مرّة في العمر ليكون مزدهراً وفي سلام مع جيرانه". وقال أيضاً انّه "سيعمل ما في وسعه لوضع حدّ للحرب في غزة وتأمين الرهائن الأميركيين"، محمّلاً مسؤولية ما حصل إلى"إدارة سلفه بايدن التي خلقت الفوضى في المنطقة عند سماحها بالعدوان الذي مارسته أذرع إيران في المنطقة".
وإلى هذه المواقف الثابتة، تبّرعت جهات سياسية وعربية أمس وأول امس بتسريب سيناريوهات مشبوهة رفضتها معظم المراجع المعنية في لبنان وعواصم المنطقة، خلال اتصالات عاجلة ردّت عليها مرجعيات رسمية أميركية وسعودية بنفي مطلق. ومنها ذلك السيناريو الذي قال إنّ ولي العهد السعودي يستعد لتسليم الملف اللبناني للرئيس السوري، في محاولة لإحياء ما عُرف سابقاً بتفاهم الـ"سين ـ السين" لإدارة الوضع في لبنان، والتي لا يمكن استنساخها في أي ظرف من الظروف. فكل المؤشرات تنفي الحاجة اليها لا بل قد تعكسها في بعض المحطات، عندما سعى اللبنانيون عبر القنوات الاردنية والمصرية والأميركية لرفع العقوبات عن سوريا بموجب "قانون قيصر" للإفراج عن مشروع الربط الكهربائي الخماسي الذي كان سيوفر الغاز المصري والكهرباء الأردنية للبلدين، ولم يفلح أي منهم على رغم من الجهود الشخصية التي بذلها الرئيس المصري والعاهل الاردني، فبقيت مجرد وهم مؤجّل لم تفكّه أي وساطة إلى أن اعطى ترامب اول أمس الإشارة برفع العقوبات على سوريا في انتظار أن يقول الكونغرس كلمته في قسم منها، لأنّها صادرة عنه، بعد استسهال تجميد تلك المفروضة بقرارات تنفيذية للرئيس.
وعليه، انتهت المراجع المعنية على أعلى المستويات، إلى نفي اي سيناريو يتحدث عن إمكان إحياء تجارب سابقة، واعتبارها زعماً لا يستأهل التوقف عنده. فلا لبنان عاد إلى تلك الحقبة وقد تغيّرت سوريا كثيراً وهي في حاجة إلى عقود من الزمن لبناء دولتها وجيشها واستعادة وحدتها وعافيتها، قبل أن توكل اليها أي مهمّة خارج حدودها. وما الجهود الدولية التي تترجمها فرنسا ومعها الضغوط الأميركية لتثبيت الحدود اللبنانية ـ السورية ومع فلسطين المحتلة، تعطي الانطباع بالفصل بين أزماتها مع الحرص على احترام خصوصياتها.
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&