الاحداث - كتب سمير سكاف*
لا أهمية لاسم رئيس الحكومة المقبل! فالمشكلة السياسية تصيب شخص رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون وليس حكوماته!
بين تصويت حجب الثقة المستمر لأي حكومة فرنسية مستقبلية من التجمع النيابي لأقصى اليمين بزعامة مارين لوبين الى إرادة عزل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من قبل حزب فرنسا الأبية، الى عدم وجود غالبية مطلقة لأي مجموعة، والى استحالة بلوغها بالتحالف... يضيق الخناق أكثر فأكثر حول الرئيس ماكرون!
مكتب البرلمان كان قد رد طلب عزل ماكرون الموقع من 104 نواب! وهو، وإن كان لن يناقش العزل في البرلمان إلا أنه يعبر عن الوضع السياسي للرئيس ماكرون!
وكان سيباستيان لوكورنو قد قدم استقالة حكومته بعد ساعات على تشكيلها، في خامس حكومة في سنتين، وثالث حكومة في سنة!
في الواقع، تكمن العقدة المستحيلة في الأرقام النيابية. إذ يبلغ إجمالي عدد مقاعد الجمعية الوطنية 577 مقعداً، وتتطلب الأغلبية المطلقة الحصول على 289 مقعداً. ولكن لم تحصل أي كتلة برلمانية على هذه الأغلبية المطلقة في هذه الانتخابات الأخيرة.
بين الخيارات "الممكنة" والتحالفات المستحيلة!
يستحيل على الرئيس ماكرون التحالف مع حزب التجمع الوطني، الذي يُعتبر أقصى اليمين في السياسة الفرنسية. على الرغم من أن هذا التحالف يمكنه الحصول على الغالبية المطلقة (159 + 142)! إذ أن التناقض السياسي بينهما كبير جداً!
وقد يضطر الرئيس ماكرون التخلي عن كل ما بناه "في الوسط" إذا ما ذهب يساراً وتحالف مع الجبهة الشعبية ناقص فرنسا الأبية (180-72)، التي يعتبرها يسارية متطرفة!
وهو يمكنه أن يحصل مع الأحزاب اليسارية "المعتدلة" على أقل بقليل من الغالبية المطلقة (159 + 102). وهذا النوع من التحالف الحكومي قد يكون قابلاً للحياة إذا لم يحاول اليمين التقليدي إسقاطه مع "المتطرفين"!
حاول ماكرون في الحكومات الثلاث الأخيرة الحكم بالتحالف مع اليمين التقليدي (159 + 39)، مع أكثرية نسبية تدور حوالى 200 نائب. إلا أن تقاطع مصالح اليسار مع أقصى اليمين (180 + 142)، كان كفيلاً بإسقاط الحكومات المتتالية.
المخرج الممكن هو الذهاب الى حل البرلمان من جديد، والذهاب من جديد الى انتخابات نيابية مبكرة! ولكن المخرج قد لا يكون حلاً!
فعلى الأرجح ستخرج صورة المجلس النيابي الجديد مشابهة للمجلس النيابي الحالي. وهو ما سيزيد الوضع تعقيداً على الرئيس ماكرون! وسيطالبه الكثيرون عندها بالاستقالة!
وإذا كان الرئيس ماكرون ليس في وارد الاستقالة قبل نهاية ولايته في العام 2027، فإن حكم فرنسا، كما كتبتُ منذ حل البرلمان، أصبح مستحيلاً حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي من المفترض، وليس أكيداً(!)، أن تعطي الرئيس غالبية رئاسية "مطلقة" في المجلس النيابي الجديد.
صعود مستمر لأقصى اليمين!
"الجبهة الجمهورية"، أي تحالف الجميع ضد حزب التجمع الوطني في أقصى اليمين في الدورة الانتخابية النيابية الثانية الأخيرة قطعت الطريق على حصول الفريق "الأكثر شعبية" في عدد أصوات المقترعين على النسبة الأعلى من عدد النواب.
وقد حصل حزب التجمع الوطني على حوالى 9 مليون صوت مقابل 7 مليون لليسار، و6.5 مليون صوت لفريق الرئيس ماكرون... وهو في تطور شعبي هائل منذ سنتين!
ولم يعد حزب التجمع الوطني بعيداً عن الغالبية المطلقة في البرلمان. كما لم يعد بعيداً عن الفوز بالرئاسة، في ظل مراوحة اليمين التقليدي (الجمهوريون) في ظل مستنقع الانقسامات وحرب القادة والتخلي عن المباديء الأساسية!
أحجام الكتل البرلمانية الفرنسية!
بناءًا على نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية لعام 2024 (التي جرت جولتها الثانية في 7 تموز/ يوليو)، فإن عدد المقاعد التي حصلت عليها الكتل الكبرى في الجمعية الوطنية (مجلس النواب الفرنسي) هو كما يلي:
الجبهة الشعبية الجديدة (Nouveau Front Populaire - NFP): حصلت على 180 مقعداً (تحالف يضم أحزاب اليسار الأربعة)، بينهم 72 نائباً لفرنسا الأبية وحدها.
مجموعة الرئيس ماكرون (Ensemble): حصلت على 159 مقعداً. (تحالف الوسط)
التجمع الوطني (Rassemblement National - RN) وحلفاؤه: حصل على 142 مقعداً. (أقصى اليمين)
الحزب الجمهوري (Les Républicains - LR) وحلفاؤه: حصل على 39 مقعداً. (اليمين التقليدي)
من دون الخوض في الأزمات المالية الكارثية والدين العام الذي يقترب من 4 تريليون يورو، أو في أزمات السياسة الخارجية، أو في الأزمات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية... تمشي فرنسا فوق طرقات من الرمال المتحركة تشدها يوماً بعد يوم باتجاه الأسفل! وهي ستحتاج بالتاكيد الى يد الاتحاد الأوروبي لمنعها من الغرق!
أما الرئيس ماكرون فطريق جلجلته ما يزال طويلاً! وهو لن ينتهي إلا بخروجه من الحكم!
* كاتب وخبير في الشؤون الدولية