الاحداث- كتبت صحيفة "الأنباء" الالكترونية: منذ أكثر من أربعة عقود، لم تكن العلاقات اللبنانية السورية يوماً أقرب إلى العلاقات الطبيعية الندية بين دولتين جارتين كما هي في طور التأسيس اليوم، فبعدما اعتاد المسؤولون السوريون على التعامل مع لبنان على أنه "تابع" أو "إحدى محافظات سوريا"، تعود اليوم مواقف الادارة السورية الجديدة لتؤشر على الاعتراف بلبنان "الدولة" والتعامل معه على هذا الأساس.
الأجواء الايجابية التي سادت الاجتماع الذي عقد أمس بين الوفدين اللبناني والسوري للبحث في مسألة الموقوفين السوريين في لبنان، تظهّرت في النتائج التي أفضى اليها اللقاء المشترك بين الوفد اللبناني برئاسة وزير العدل عادل نصار والوفد السوري برئاسة وزير العدل السوري مظهر الويس، بحضور نائب رئيس الحكومة اللبنانية طارق متري. وأكد مصدر قضائي لـ "الأنباء الإلكترونية" أن "الأمور متجهة الى الحلحلة والاتفاق، إذ تمت مناقشة مسودة الاتفاقية القضائية الجديدة"، مؤكدًا "حرص الجانبين على إنجاح المساعي".
لكن العين شاخصة على غزة بعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه برعاية وجهود شخصية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، غير أن الأسئلة المحورية المطروحة هي: هل ستلتزم إسرائيل بالاتفاق؟ وهل سيحقق الاتفاق استدامة واستمرارية في التطبيق؟ وماذا عن المرحلة الثانية؟
وإذ رأى مصدر مراقب لـ "الأنباء الإلكترونية" أن ثمة إشارات مقلقة ودلائل على صعوبة تنفيذ الاتفاقيات، فإسرائيل تقول بأن عدم تسليم جثامين الرهائن يمكن أن يؤدي الى إفشال الاتفاق.
تطور إيجابي
ومن أبرز ما تمت المطالبة به من الجانب السوري السلطات اللبنانية وأعلن عنه الويس، الفارين من العدالة السورية والتابعين للنظام السابق. وبحسب مصادر "التقدمي" وردت معلومات تفيد بأن ضباطًا تابعين الى نظام الأسد فرّوا إلى لبنان ويقومون بأدوار أمنية مشبوهة في بيروت.
واستناداً لمصادر التقدمي، فإن أربعة ضباط رفيعي المستوى من النظام السوري السابق، وهم معروفون بأنهم من أصحاب "السمعة السيئة" نتيحة الانتهاكات التي ارتكبوها بحق معارضي نظام "الأسدين" كما ضد مواطنين لبنانيين، ويقيمون في لبنان بعلم وموافقة من جهاز الأمن العام اللبناني ويمارسون أدواراً أمنية مشبوهة، ما يطرح سؤالاً جوهرياً: لماذا سمح الأمن العام لهم بالدخول إلى لبنان، ولماذا لا تصدر بحقهم عن الادارة السورية الجديدة مذكرات اعتقال لكي يصار إلى التعامل معهم على هذا الأساس؟
هذا ودعا التقدمي الأجهزة الأمنية اللبنانية كافة والأجهزة القضائية بالتحرك للتأكد من هذه المعطيات والمعلومات الواردة واتخاذ الإجراءات اللازمة والمقتضى القانوني، نظرًا لتأثير ذلك على الأمن في لبنان من جهة، ومنع أي وجود أمني يجعل من لبنان قاعدة لعدم استقرار أمني في سوريا، من جهة أخرى.
وفي سياق اخر، كل ما تم الإعلان عنه أمس على إثر اللقاء يؤشر الى مسار جديد من العلاقات بين البلدين، لاسيما أن كل الملفات طرحت دون أي تحفظات ومحاذير. كما أن التطور الإيجابي في معالجة الملفات المتعلقة بالموقوفين السوريين في لبنان والمفقودين والمخفيين قسرًا واللبنانيين الفارين من العدالة وغيرها من الملفات، نتاج اجتماعات مكثّفة ولقاءات بين الجانبين، والتي ستتابع في المرحلة المقبلة.
وبما يتعلق بملف الموقوفين السورين تحديدًا، فسيتم على مراحل، إذ تم تحديد من سيُسلم الى السلطات السورية من الموقوفين ومن سيستثنى، وهم المتهمون وملاحقون بجرائم القتل والاغتصاب والقتال ضد الجيش.
عون يستدرك المخاطر
"نحن مصمّمون على تنظيم مؤتمرين لدعم لبنان؛ الأوّل مخصّص لدعم الجيش اللبناني، والثاني للنهوض بلبنان وإعادة الإعمار فيه، كما أحيّي القرارات الشجاعة التي اتخذتها لتحقيق حصرية السلاح في يد القوات الشرعية اللبنانية"، هذا نا جاء في رسالة تلقاها رئيس الجمهورية جوزاف عون من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتحمل في طياتها دعمًا فرنسيًا حول خطوات لبنان في تنفيذ حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، لاسيما بعد الربط بين أي دعم دولي للبنان بملف السلاح والإصلاحات.
ومع التهدئة في غزة وانعقاد قمة شرم الشيخ من ناحية، ورسالة استهداف العدو الإسرائيلي في المصيلح من ناحية أخرى، معطوفًا على كلام الرئيس عون بقوله أن مسار التفاوض الذي نراه في المنطقة يجب ألا نعاكسه، مذكرًا بالتفاوض مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وأسفر عنه اتفاق ترسيم الحدود البحرية، أشار مصدر خاص بـ "الأنباء الإلكترونية" أن الرئيس عون يستدرك المخاطر التي تخيم حول لبنان، بالتصعيد الإسرائيلي أو حرب جديدة، وعلّ التفاوض يؤجل أو يمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها، كما أن لبنان فاوض على الحدود البحرية من قبل، ويجب أن يجد طريقة للتفاوض للحفاظ على حقوقه حتى يكون موجوداً على طاولة المفاوضات.
وحول مسار حصر السلاح في يد الدولة، شدد المصدر على أن المطلوب تطبيق إتفاق الطائف وكل القرارات الدولية وحصر السلاح على كل الأراضي اللبنانية وليس فقط في جنوب الليطاني، إلا أن الجيش اللبناني لم يعطَ الإمكانات اللازمة لتنفيذ ذلك. وأشار المصدر الى أن مسالة قرار حزب الله بشأن سلاحه هي مسألة لا تتم الا بالقناعة، وإذا لم يأخذ حزب الله قراره، إما سينخرط في الدولة أو سيستمر في الدويلة، علمًا أن هذا السؤال تطرحه المصادر الغربية والأميركية، وإذا لم يكن هناك قبول في زمن الدولة سيزداد الوضع صعوبة.
غزة .. مؤشرات مقلقة!
انتهت قمة شرم الشيخ بتوقيع كل من الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا على وثيقة بشأن إشاعة السلام والازدهار في المنطقة بعد توقيع "اتفاق وقف الحرب في غزة". ولكن الأسئلة المحورية، هل ستلتزم إسرائيل بالاتفاق؟ وهل سيحقق الاتفاق استدامة واستمرارية في التطبيق؟ وماذا عن المرحلة الثانية؟
وإذ رأى مصدر مراقب لـ "الأنباء الإلكترونية" أن ثمة إشارات مقلقة بالنسبة لمستقبل تطبيق المرحلتين الثانية والثالثة، أي استكمال الانسحاب من غزة ونزع سلاح حركة حماس وإنشاء هيئة دولية إقليمية فلسطينية لإدارة غزة، "فدونه صعوبات هائلة"، وفق المصدر.
واعتبر المصدر أن ثمة نوع من تزوير للتاريخ في الموضوع الفلسطيني بالذات، فلم نسمع كلمة عن فلسطين أو غزة أو الأفق خلال القمة، وحتى الآن يمكن القول إن كل هذا التفاؤل مبالغ به، والوضع حذر، والعبرة في التطبيق ودومًا يكمن الشيطان في التفاصيل. ولا شك أن وقف إراقة الدماء مسألة مهمة جدًا و"لكن تضخيم الأمر الى هذا الحد هدفه سياسي بالنسبة الى ترامب، عجز بالإمكانية عن القيام بأي عمل بالنسبة للآخرين.
الى ذلك، ثمة مخاوف وشكوك من توجه ترامب الى تغليف مشروعه ريفييرا الشرق الأوسط عبر مجلس السلام الذي يرأسه حول غزة، ومن أبرز المؤشرات على ذلك وجود جاريد كوشنر في صلب المفاوضات.
ومن ناحية أخرى، يبقى مصير غزة مجهولًا، ويخشى إن يتعثّر الاتفاق وأن تتبع إسرائيل الأسلوب الذي تتبعه في لبنان، أي يتم التوقيع على اتفاق وبعد ذلك تحت عنوان إمكان خرق الاتفاق من قبل حماس أو أي مسلحين اخرين، تستمر في عملية القصف، وهو ما حصل أمس باستهداف شمال وجنوب غزة.
أما مسألة حكم غزة ووجود رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير في الهيئة، فـ "يزيد الشكوك أن هناك إدارة سيئة"، بحسب ما رأى المصدر، معيدًا ذلك الى بقاءه على رأس اللجنة الرباعية من أجل السلام 8 سنوات دون أي إنتاج؟
ولا شك أن المرحلة المقبلة محفوفة بالمخاوف من التزام إسرائيل بالإتفاق، لاسيما أن تاريخها مشبّع بالانقضاض على كل ما وقعّت عليه. هذا وتوّقع مصدر خاص عبر "الأنباء الإلكترونية" عدم تنفيذ إسرائيل للاتفاق، فلا مصلحة لديها بذلك، لكن ثمة عاملان يجعلانها تمضي به، الأول داخلي نتيجة الضغوط الداخلية حول تسليم الرهائن، فيما الثاني خارجي ومرتبط بصورتها السيئة في المظاهرات في الخارج كدولة منبوذة.