Search Icon

لمصلحة من أُهملت دراسة اللجنة الفنية في الضمان بشأن المستــلزمات الطبية؟ مصلحة المستورد فوق المضمون

منذ 3 ساعات

من الصحف

لمصلحة من أُهملت دراسة اللجنة الفنية في الضمان بشأن المستــلزمات الطبية؟ مصلحة المستورد فوق المضمون

الاحداث- كتب فؤاد بزي في صحيفة الاخبار يقول:"كالعادة تطير فرص الإصلاح الواحدة تلو الأخرى، وآخرها ما حصل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي قرّر مجلس إدارته بالتوافق مع الإدارة، إجراء تعديلات سطحية على تغطية المسلتزمات الطبية، ومنحوا المستوردين مجالاً للعودة إلى مستويات الربحية السابقة لبيع المستلزمات التي يريدونها.

وقد جاء هذا الأمر على حساب الدراسة التي أعدّتها اللجنة الفنية في الضمان والتي أعادت النظر في ملف المسلتزمات الطبية واقترحت العمل وفق السعر المرجعي بعد تصنيف المستلزمات إلى فئات بكاملها من أجل تحقيق وفر بنسبة 56% وتأكيد جودة المنتج.

وقد جاء قرار الضمان بعد أخذ وردّ؛ فلم تكد اللجنة الفنية ترفع دراستها إلى مجلس الإدارة، حتى تلقى المجلس ورقتين من إدارة الضمان اتخذ على أساسهما القرار الرقم 1443، والذي قضى بالموافقة على تغطية المستلزمات الطبيّة بنسبة 90% على أساس لوائح وزارة الصحة، علماً بأن الإدارة اقترحت أن تكون نسبة التغطية 60% فقط. أي إن المجلس وافق على اقتراح الإدارة بعد تعديل في النسب.

وصدر هذا القرار في جلسة واحدة من دون أي نقاش جدّي، لا سيما أن دراسة اللجنة الفنية كانت مدرجة على جدول الأعمال بكل ما فيها من أفكار وأرقام تعيد تسعير كلّ المستلزمات الطبيّة وفقاً لتصنيف مختلف يخضع لمعادلات علميّة قائمة على السعر في بلد المنشأ والشهادة الصحيّة.

وبدا أن الضمان، بإدارته ومجلس إدارته، خضع لضغوط الأطباء ومستوردي المستلزمات الطبيّة، الذين قلقوا على أرباحهم الخيالية من دراسة اللجنة الفنية. فالقرار المتخذ يتيح للطبيب والمستشفى التحكّم في أي مستلزم يفترض تركيبه للمريض مهما بلغ سعره ومهما كانت جودته.

وفي مؤتمر صحافي، كان أقرب إلى المهرجان، أثنى وزير العمل محمد حيدر على ما سماه «الجهود الجبّارة التي قام بها الصندوق». ولم يعلّق حيدر الذي طلب من اللجنة الفنيّة في الضمان إعداد دراسة حول المستلزمات الطبيّة، على الإطاحة بمشروعها.

ومن جهتها، اعتبرت الإدارة أنّها «وعدت ووفت بإعادة التغطية الصحية إلى نسبة 90%» رغم أنّ بياناتها الإعلامية كلّها، ومنذ سنتين على الأقل، تدّعي عودة التغطية الصحية إلى نسبة 90%، بل اعتبرت أن ما أقرّ في المجلس «مسار إصلاحي وتطويري».

هكذا ضاعت فرصة الإصلاح. كما غيرها. إذ ليس واضحاً حجم الكلفة التي سيفرضها هذا القرار على فرع المرض والأمومة في الضمان، ويقدّر أنه بمئات ملايين الدولار، وذلك من أجل السماح للأطباء والمستشفيات باختيار المستلزم الطبي الأكثر ربحاً، مع أنه قد لا يكون الأكثر إفادة للمريض، أو قد لا يكون الأفضل لجهة الجودة والنوعية.

فقرار الإدارة لا يستند إلى أيّ دراسة علميّة، بل يسمح باختيار المستلزمات من اللوائح الطبية لوزارة الصحة من دون أي مرجعية طبية خارجية يمكن الاستناد إليها. وهذه اللوائح قالت عنها اللجنة الطبية في الضمان التي كلّفتها الإدارة بإعداد الدراسة المضادة لدراسة اللجنة الفنيّة إنّها «تحتوي على أكثر من 100 ألف مستلزم، وتحتاج إلى غربلة». وإعادة النظر والتدقيق باللوائح المليئة بالشوائب، باعتراف الضمان، ليست موضوعة على الطاولة اليوم.

بدا أن الضمان خضع لضغوط الأطباء ومستوردي المستلزمات الطبيّة

فالضمان قرّر أن يسير في الطريق نفسه الذي سار عليه في السنوات الماضية، أي الالتزام بما يقدّمه المستوردون والمورّدون من مستلزمات من دون تحديد حاجاته أو قدرته على الدفع وفق مبدأ الكلفة والمنفعة. وكأن الأموال التي ستُدفع ثمناً لهذه المستلزمات ليست من أموال المضمونين ومن اشتراكاتهم. إذ لا يكفي أن تكون وزارة الصحة هي المرجعية في هذا الموضوع بعدما ارتبطت دوائرها على مدى العقود الماضية بقضايا الفساد وسوء السياسات.

فعلى سبيل المثال، كيف يمكن الوثوق بإدارة يقوم موظفوها بالسفر على حساب مستوردي الأدوية في رحلات سياحية تحت ستار «التأكد من صلاحية مصانع الأدوية التي يستورد منها لبنان»؟ فالإدارات المتعاقبة في وزارة الصحة وافقت في أكثر من مناسبة على إدخال أدوية ومستلزمات غير مطابقة للمواصفات أو غير ذات فائدة. بهذا المعنى، فإن تمكين وزارة الصحة يحتاج إلى إعادة هيكلة المنظومة الصحية بكاملها.

وللتذكير بما أسقطته إدارة الضمان في ملف المستلزمات الطبيّة، فإن اللجنة الفنيّة في الصندوق أحصت استخدام 44 ألفاً و686 مستلزماً طبياً تتوزّع على 10 اختصاصات طبيّة، ووضعت سيناريوين اثنين لتصنيفها وتسعيرها والتعامل مع تغطية ثمنها:
- السيناريو الأول، والذي أوصت به اللجنة الفنيّة، قادر على تحقيق العدالة التسعيريّة بين المورّدين والمستفيدين، ويخفض أسعار المستلزمات الطبيّة عبر «اعتماد مبدأ التسعير وفقاً لبلد المنشأ، سواء كانت الدولة مرجعيّة أو غير مرجعيّة»، ويؤدي إلى وفر يقدّر بنحو 53.8%. - السيناريو الثاني، والمبني على أساس «التسعير وفقاً لنوع الشهادات التقنيّة والتنظيميّة»، يستند إلى القاعدة التي تفيد بأنّ المستلزمات الطبيّة الحاصلة على شهادات اعتماد من هيئات رقابية دوليّة، مثل «وكالة الغذاء والدواء الأميركيّة «FDA، أو CGS»، تكون أسعارها أعلى من المستلزمات التي تحمل شهادات من بلدان أخرى. وتؤدي عملية إعادة التسعير، وفقاً لـ«السيناريو 2»، إلى انخفاض بنسبة 52%، أي انخفاض متوسط سعر الوحدة من 549 دولاراً إلى 262 دولاراً.
 

شركة واحدة تستحوذ على 11% من توريد المستلزمات

أظهر تحليل البيانات في دراسة اللجنة الفنيّة لتصنيف وإعادة تسعير المستلزمات الطبيّة في الضمان الاجتماعي وجود تركز واضح وحصرية في سوق المستلزمات الطبيّة في لبنان، ما يشير، بحسب اللجنة الفنيّة، إلى اتفاقات طويلة الأمد بين المورّدين والمستوردين. أو بمعنى آخر، احتكار. إذ يبلغ عدد المستوردين المسجّلين في لوائح وزارة الصحة 175 مستورداً، بينما يستحوذ 12 مستورداً على نسبة 55% من المواد المستوردة. ويبلغ عدد المورّدين 433، يستحوذ 31 منهم على 50% من المستلزمات، فضلاً عن أن مستورداً واحداً يستحوذ على حصّة 11% من استيراد المستلزمات الطبية.
لم تذكر اللجنة الفنيّة أسماء الشركات، بل قامت بترميزها بشكل يمنع معرفة هوية الشركات المستوردة أو المورّدة. ويتصدر لائحة الكبار الإثني عشر، مستورد واحد يستحوذ على نسبة 11% من عدد المستلزمات المستوردة، إذ يستورد 4 آلاف و762 مستلزماً من أصل 44 ألفاً و686 مستلزماً طبياً. وتصل قيمتها إلى مليون و840 ألف دولار، أي 9% من القيمة الإجمالية المدفوعة سنوياً، والتي تصل إلى 22.4 مليون دولار.
من جهة ثانية، تسيطر شركات أخرى على المستلزمات الطبية ذات القيمة المادية الأعلى، إذ تستورد أعداد قليلة منها لا تتجاوز 500 مستلزم سنوياً، بنسبة لا تزيد على 5% من الأعداد الإجمالية، ولكنّها الأغلى ثمناً. على سبيل المثال، تستحوذ إحدى الشركات على 563 صنفاً فقط، أي أقل من 1% من إجمالي المستلزمات المستوردة. ولكن تصل قيمتها إلى 2.4 مليون دولار، وهي الأعلى، ما نسبته 12% من إجمالي قيمة المستلزمات المستوردة. وهذا ما يشير إلى أنّ قيمة المستلزم الواحد الذي تستورده هذه الشركة تصل قيمته إلى 4 آلاف و300 دولار، أي أعلى 9 مرّات من متوسط قيمة المستلزم الواحد التي تبلغ 461 دولاراً. وفي سياق مرتبط، يقوم 433 مورداً محلياً بتوزيع المستلزمات الطبيّة على المستشفيات والمراكز الطبيّة. ويظهر في هذا السوق أيضاً التركز، إذ يستحوذ مورّد واحد على 2209 مستلزمات طبية، ما نسبته 5% من العدد الإجمالي، ويسيطر 19 مورّداً على نصف القيمة الإجمالية لقائمة المستلزمات الطبيّة، ما يمثل 4% فقط من إجمالي عدد المورّدين.
ولكن تتفاوت نسب السيطرة على سوق المستلزمات الطبيّة بشكل فاقع بين المورّدين. على سبيل المثال، المورّد الذي يسيطر على العدد الأكبر من المستلزمات، والتي تشكل 5% من العدد الإجمالي، يستحوذ على 3% فقط من إجمالي الكتلة المالية، إذ لا تزيد قيمة هذه المستلزمات على 620 ألف دولار. في المقابل، تمتلك شركة أخرى 3% من الأصناف المستوردة فقط، ولكن تصل قيمتها إلى 2.4 مليون دولار، أي 12% من إجمالي القيمة.