Search Icon

ستة أشهر على رئاسة جوزاف عون: تفرّجٌ أم حَزْم؟

منذ يوم

أقلام حرة

ستة أشهر على رئاسة جوزاف عون: تفرّجٌ أم حَزْم؟

الاحداث- بقلم:  ليلى حروق

مضى نصف عام على انتخاب الرئيس جوزاف عون، من دون أن يلمس اللبنانيون أي تحوّل جوهري في أداء الرئاسة أو في نهج الحكم. رئيس الجمهورية، الذي دخل إلى قصر بعبدا محمولًا على شعارات الإنقاذ والسيادة والإصلاح، بدا خلال هذه الفترة أقرب إلى المتفرّج منه إلى الفاعل، وإلى المتابع الصامت أكثر من كونه صانعًا للقرارات.

منذ انتخابه، لم تُسجَّل أي مبادرة ملموسة من الرئاسة تجاه الملفات الوطنية الحساسة التي تنخر جسد الدولة: من تفلّت السلاح خارج إطار الشرعية، إلى الانهيار الاقتصادي، وغياب تنفيذ الأحكام القضائية، مرورًا بالفساد المتجذّر، ووصولًا إلى التهريب المنظّم عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية. الأخطر من ذلك، هو غياب أي رؤية واضحة لإعادة الاعتبار لهيبة الدولة ومؤسساتها.

في الوقت الذي تتعرض فيه البلاد لضغوطات إقليمية ودولية غير مسبوقة، مالياً وأمنياً وسيادياً، اختار الرئيس الصمت، الذي لم يُفهَم كحياد، بل كموقف سلبي يثير القلق بشأن دور الرئاسة في صون السيادة وضمان وحدة الدولة.

ولا يمكن إغفال أثر البيئة السياسية المحيطة بالرئيس. فقد اختار الإحاطة بعدد من المستشارين المحسوبين على محور “الممانعة” وعلى التيار الوطني الحر، ما أطاح مبكرًا بصورة “الرئيس الحيادي”، وأعاد تثبيت نفوذ سياسي لطالما ارتبط بانهيار الثقة بين الناس والدولة.

وهكذا، باتت رئاسة الجمهورية تعمل بروحية المنظومة التي أنتجت الأزمات المتراكمة، بدل أن تفتح صفحة جديدة في إدارة البلاد.

دولة بلا قرار؟

في لحظة إقليمية حرجة كالتي يمر بها لبنان، من الطبيعي أن يُنتظر من رئيس الجمهورية أن يكون المرجعية الدستورية العليا وصاحب المبادرة السياسية. إلا أن الواقع يُظهر أن الدولة أصبحت متروكة لقوى الأمر الواقع، فيما تكتفي المؤسسات الرسمية – رئاسةً وحكومةً – بمراقبة الانهيار وتدوين بيانات بلا أثر.

الغارات على الجنوب، الانهيار المالي، الانسداد السياسي، كلها وقائع لم تقابلها أي مواقف رئاسية وازنة تليق بحجم الحدث. ويحق للمواطن أن يتساءل: أين الرئيس من سلاح حزب الله؟ من النفوذ الإيراني؟ من تعطيل الحياة الدستورية؟ الأسف أن الجواب لا يتعدّى بيانات عامة لا تحمل مضمونًا تغييريًا فعليًا.

تراجع الدعم الدولي: رسالة أم عقوبة؟

على الصعيد الخارجي، تتزايد المؤشرات على فتور متصاعد في الموقف الدولي من لبنان. الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، وهما من أبرز الداعمين التقليديين، أبدتا في الأشهر الماضية برودًا واضحًا. ويكفي التوقف عند عدم زيارة مورغن أورتاغوس إلى بيروت، رغم جولة موسّعة في المنطقة، كمؤشّر إلى تبدّل الأولويات. فالإدارة الأميركية الحالية، بقيادة دونالد ترامب، باتت ترى أن الانفتاح على دمشق أكثر واقعية من الاستثمار في دولة تتراجع سيادتها وتغيب فيها الرؤية.

هذا التراجع في الاهتمام لا يجب أن يُفهم كعقاب، بل كمؤشّر صريح على أن الدول الكبرى لا تنخرط في مساعدة من لا يُظهر نية حقيقية لمساعدة نفسه.

اللبنانيون يريدون فعلًا لا خطابًا

أكثر ما يُربك اللبنانيين اليوم هو غياب القيادة الحقيقية. فقد سئم الناس البيانات الإنشائية، ويريدون رئيسًا يقود، لا رئيسًا يُحيّي ويُصافح. الرئاسة، في شكلها الحالي، تحوّلت إلى واجهة مناسباتية أكثر منها مركز قرار فعلي، بينما تتراكم التهديدات من كل اتجاه.

ستة أشهر مضت، ولم يخرج العهد الجديد عن عباءة العهود السابقة في الإنكار والتردّد. عهد بدأ بوعد الحياد والانفتاح، لكنه ما زال حتى الآن أسير الاصطفافات القديمة وموازين القوى التي كبّلت الدولة لعقود.

إن لم تبادر الرئاسة إلى تحمّل مسؤوليتها الوطنية، والاضطلاع بدور سيادي فاعل، فإن ما تبقّى من هيبة الدولة سينهار تدريجيًا، وقد لا يبقى حينها من الجمهورية إلا الاسم… وتاريخٌ من الفرص الضائعة.