الأحداث- وجّه رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع رسالة مفتوحة إلى رئيسي الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام، لافتاً إلى "أنّنا لا نجد سبباً للتأخير بحلّ الأجنحة العسكريّة للحزب"، وقال: "التذرّع بحرب أهليّة مزعومة ليس في مكانه".
وقال جعجع: "تعلمون من دون أدنى شكّ كم كان فرح اللّبنانيين كبيرا بتولّيكم مسؤوليّاتكم. لكن للأسف، أقلّه حتّى الآن، لم يترجم هذا الفرح أمنا واستقرارا وثقة بالمستقبل. صحيح أنّ الحكومة الحاليّة أقدمت على بعض الخطوات بالاتجاه الصحيح، وصحيح أيضا أنّه لا تفوح منها أيّ روائح فساد وصفقات، ولكن ليس بهذا وحده يحيا اللّبنانيون.
من المؤكّد أنّكم تعلمون، كما يعلم اللّبنانيون جميعا، أنّ الاتجاه الذي تتّخذه الأحداث في لبنان ليس سليما، كي لا أقول خطرا.
بعيدا عن المهاترات والإيديولوجيّات والتحاليل غير المجدية، تقع عليكم مسؤوليّة تجنيب البلاد ما هو أعظم، إذا لم أقل أيضا انتشالها من حيث هي وإيصالها إلى برّ الأمان.
فخامة الرئيس، دولة الرئيس، أنا أتوجّه إليكم لا من موقع الخصومة، ولا من موقع المنافسة، بل من موقع اللّبنانيّ "الضنين" على بلاده، وبالأخصّ على مستقبل أجياله.
إنّ البحث في "جنس الملائكة"، وبالطروحات النظريّة وتحديد المسؤوليّات الاستراتيجيّة، وإعادة النظر بمفاهيم السيادة والاستقلال والوطنيّة، كلّها مضيعة كبيرة للوقت ولا تؤدّي إلى أيّ نتيجة سوى إلى إضاعة المزيد من الوقت.
السؤال الوحيد الذي يجب أن يشغل بالكم في الوقت الحاضر هو: ما الذي يجب فعله لإنقاذ لبنان واللّبنانيين ممّا هو أعظم وإيصالهم إلى برّ الأمان؟
لقد أصبح واضحا للقاصي والداني أنّ التنظيم العسكريّ والأمنيّ لحزب الله هو في صلب المشكلة الكبرى التي نعيشها. والجميع مجمع على أنّ حلّ التنظيم العسكريّ والأمنيّ لحزب الله هو المقدّمة الإجباريّة لأيّ انفراج للوضع الماليّ.
من جهة ثانية وأساسيّة، إنّ وجود التنظيم العسكريّ والأمنيّ لحزب الله هو أصلا عالة كبرى على الجسم اللبناني؛ فهذا الوجود مناقض تماما لاتفاق الطائف وللدستور، كما هو مسؤول عن وضعيّة "اللادولة" التي نعيش فيها منذ ما يزيد على ثلاثين عاما، بالإضافة إلى ما تسبّبه من اغتيالات وتعدّيات على العديد من القيادات والمناطق اللّبنانيّة، إلى مسؤوليّته الكبرى عن الشلل الذي حصل في العقود الأخيرة في جسم الدولة اللّبنانيّة والذي أدّى إلى كلّ الكوارث التي ألمّت بنا، خصوصا حرب 2024 والتدهور الاقتصاديّ والماليّ والمعيشيّ الذي سبقها.
مع كلّ هذه الأسباب الموجبة، وبالأخصّ مع رغبة أكثريّة واضحة من اللّبنانيين بحلّ كلّ ما هو عسكريّ وأمنيّ خارج الدولة، لا نجد سببا أو مبرّرا للتأخير الحاصل في حلّ الأجنحة العسكريّة والأمنيّة لحزب الله، خصوصا بعد قراري مجلس الوزراء في 5 و7 آب المنصرم.
إنّ التذرّع بحرب أهليّة "مزعومة" ليس في مكانه، إذ إنّنا لا نتحدّث عن خلاف بين حزبين أو بين مجموعتين مدنيّتين، بل نحن نتحدّث عن قرارات اتّخذتها الدولة؛ دولة شرعيّة كاملة المواصفات، وبكلّ وعي وإدراك.
من جهة ثانية، هل يجوز، ومهما كانت الذرائع، ترك لبنان واللّبنانيين في مواجهة المجهول وما هو أعظم، فقط "كرمى لعيون" بعض المسؤولين الحزبيّين المرتبطين أصلا بالقرار الإيرانيّ، وليس بأيّ قرار لبنانيّ؟
ومن ثمّ، بأيّ منطق تخضع الأكثريّة في لبنان لتصرّفات الأقليّة، وتخضع الشرعيّة لتصرّفات "اللّاشرعيّة"؟ وأين أنتم، الممثّلون الفعليّون الشرعيّون للدولة، من ذلك؟
فخامة الرئيس، دولة الرئيس، إنّ رمي كرة النار هذه في حضن الجيش وحده لا يجوز؛ فمع عمل الجيش، هناك عمل سياسيّ، تصميم سياسيّ واضح وحاسم تجاه كلّ من يرفض تنفيذ قرارات الحكومة في 5 و7 آب. فليس من المنطق بمكان الطلب من الجيش الاهتمام ببعض الفروع، بالوقت الذي تصدح فيه خطابات الأصول علنا ويوميا، برفضها لقرارات الدولة، وباستمرارها بإعادة تأهيل بنيتها العسكرية والأمنية، وتسايرونها على الرغم من كل ذلك بتمييع خطابكم السياسي، بدلا من ان تكونوا واضحين صريحين حاسمين معها، وتلزموها أنتم بتبنّي خطاب القسم والبيان الوزاري للحكومة بشكل واضح وصريح.
إنّ المطلوب في الأيّام الحسّاسة التي نعيشها إعلان سياسيّ واضح جدّا، وليس مجرّد كلمات؛ إعلان يتكرّر كلّ يوم، في العلن وفي الاجتماعات المغلقة، ومن ثم تتبعه خطوات سياسيّة وإداريّة واضحة لوضع هذه الأصول الفاجرة عند حدّها.
فخامة الرئيس، دولة الرئيس، من الممكن للأيّام أن ترحم، لكنّ التاريخ لا يرحم أبدا؛ فلنساهم جميعا في صناعة هذا التاريخ قبل فوات الأوان، لنكون في صلب التاريخ بدلا من أن نكون عرضة لأحكامه".