الاحداث- كتبت صحيفة "الجمهورية": انشغلت الأوساط الرسمية والسياسية في عطلة نهاية الأسبوع بالمواقف التي أعلنها الموفد الأميركي توماس برّاك، من أنّ لبنان قد يُواجه "تهديداً وجودياً"، وأنّه "سيعود إلى بلاد الشام" إن لم يعالج مسألة سلاح "حزب الله"، ما أثار ردود فعل واسعة مستنكرة على كل المستويات السياسية. على أنّ برّاك تراجع عمّا قاله لاحقاً، ليؤكّد "أنّ قادة سوريا لا يريدون سوى التعايش والازدهار المتبادل مع لبنان"، ويشدّد على "التزام الولايات المتحدة بدعم العلاقة بين الجارين المتساويين والذوي السيادة، اللذين ينعمان بالسلام والازدهار".
ولم تعلّق الدوائر الرئاسية على كلام برّاك، مؤكّدة انّها لا تتعاطى مع ما يقوله الرجل في تصريحاته وإنّما مع ما أبلغه اليها رسمياً خلال المحادثات. وقالت، إنّ لبنان ينتظر أن يتبلّغ الردّ الأميركي على مقترحاته ومقترحات "حزب الله" نهاية الشهر الجاري.
وتعليقاً على الموقف الأخير لبرّاك، أكّد مرجع رسمي لـ"الجمهورية" انّ "أي تصريح إعلامي من هنا أو هناك لا يقدّم ولا يؤخّر في الحقائق الثابتة"، معتبراً انّه "لا يجب منح هذا الموقف أهمية زائدة عن اللزوم".
وأشار المرجع إلى انّه "وبمعزل عن اللت والعجن، فإنّ الواقع يرسم مساره في نهاية المطاف استناداً إلى عوامل عدة لا يمكن اختزالها بتصريح". وأضاف: "نحن نعرف شعور الأميركيين، ولكننا في الوقت نفسه نعرف مصلحتنا جيداً". وقال: "رُبَّ ضارّة نافعة"، معتبراً "انّ تصريح برّاك استفز معظم اللبنانيين والقوى السياسية، وبالتالي أعاد تعزيز التماسك الوطني ولو بالحدّ الأدنى".
واللافت هو أنّ تصريحات برّاك المتعلقة بإمكان زوال لبنان في إطار ما سمّاه بلاد الشام، أثارت ردوداً غاضبة في الأوساط الداخلية، على اختلافاتها وتناقضاتها. وقالت مصادر سياسية لـ"الجمهورية" إنّ "براك نجح في تحقيق تقاطع لبناني نادر حول رفض المسّ بالكيان اللبناني وحدوده وشخصيته المستقلة. لكن هذا التقاطع لم يثمر تقارباً في الرؤى حول الحلول، إذ بقي كل طرف على موقفه، بل يبدو أنّ الجميع دخلوا مناخاً تصعيدياً جديداً، وسط غياب شبه تام للمبادرات".
وفيما اعتبرت المصادر تصريحات برّاك مناورات كلامية لا أكثر، بهدف الضغط على "حزب الله" والحكومة اللبنانية للانصياع لطلب نزع السلاح، فإنّ هذه التصريحات أدّت عملياً إلى تمسك "الحزب" بمواقفه. فالتهديد بتطيير الكيان اللبناني واحتمال إخضاعه لنفوذ دمشق، منحا "الحزب" حجة إضافية للتمسك بالسلاح كسبيل وحيد ناجع للدفاع، لجهة سوريا كما لجهة إسرائيل. ووفق المصادر، إنّ تهديد برّاك قدّم خدمة ثمينة إلى "الحزب" في اللحظة التي يتعرّض فيها للضغوط من أجل التخلّي عن سلاحه. ما يعني أنّ المناورة الأميركية أدّت إلى نتائج معاكسة للمبتغى".
بلاد الشام
وكان برّاك قال في حديث إلى صحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية، إنّ لبنان "يُواجه خطر الوقوع في قبضة القوى الإقليمية ما لم تتحرك بيروت لحل مشكلة أسلحة "حزب الله". مؤكّداً انّ "لبنان بحاجة إلى حلّ هذه القضية وإلّا فقد يواجه تهديداً وجودياً"، مضيفاً: "إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، والآن سوريا تتجلّى بسرعة كبيرة، وإذا لم يتحرّك لبنان، فسيعود إلى بلاد الشام". وقال: "يقول السوريون إنّ لبنان منتجعنا الشاطئي. لذا علينا التحرّك. وأنا أعلم مدى إحباط الشعب اللبناني. هذا يُحبطني".
وفي مقابلة مع صحيفة "عرب نيوز"، حذّر ايضاً من أنّ "إذا لم يُسرع لبنان في الانخراط، فسيتجاوزه الجميع"، وذلك خلال مناقشته لاحتمال تحوّل "حزب الله" من جماعة مسلّحة إلى كيان سياسي كامل داخل لبنان. وشدّد برّاك على "أنّ أي عملية لنزع السلاح يجب أن تكون بقيادة الحكومة اللبنانية، وبموافقة كاملة من "حزب الله" نفسه"، وقال: "هذه العملية يجب أن تبدأ من مجلس الوزراء. عليهم أن يُصدروا التفويض. و"حزب الله"، كحزب سياسي، عليه أن يوافق على ذلك." وتابع: "ما يقوله "حزب الله" هو: حسناً، نحن نفهم أنّه لا بدّ من قيام لبنان واحد لماذا؟ لأنّ سوريا واحدة بدأت تتشكّل"، لافتاً إلى "أنّ هذا الدفع نحو الوحدة يأتي وسط تغيّرات إقليمية متسارعة، لاسيما في ضوء ما وصفه بسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب "الجريئة" تجاه إيران". وقال: "الجميع يعيد تدوير مستقبله"، في إشارة إلى إعادة تموضع إقليمي أوسع، يشمل إعادة إعمار سوريا واحتمال انطلاق حوارات جديدة تشمل إسرائيل. وأضاف: "نحن شكّلنا فريق تفاوض وبدأنا نلعب دور الوسيط. وفي رأيي، الأمور تسير بوتيرة متسارعة".
ولاحقاً كتب برّاك عبر صفحته على منصة "إكس" أنّ تعليقاته "أشادت بالخطوات الكبيرة التي قطعتها سوريا، مشدّدًا أنّها ليست تهديدًا للبنان". وأوضح "أنّ سوريا تتحرك بسرعة كبيرة للاستفادة من الفرصة التاريخية التي أتاحها رفع الرئيس الأميركي العقوبات عنها"، مشيرًا إلى "الاستثمارات القادمة من تركيا ودول الخليج، والتواصل الديبلوماسي مع الدول المجاورة، والرؤية الواضحة للمستقبل".
"حزب الله"
وردّ "حزب الله" على تصريحات برّاك بلسان عضو "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب ابراهيم الموسوي الذي قال أمس "إنّ التصريحات التي أطلقها المبعوث الأميركي توم برّاك، والتي لمّح فيها إلى إعادة لبنان إلى ما سمّاه "بلاد الشام التاريخية"، تنمّ عن نيات خطيرة، وتكشف بوضوح عن معالم المشروع الأميركي ـ الصهيوني المرسوم للمنطقة عموماً، ولبنان خصوصاً. لكن ما فات هذا المبعوث - أو لعلّه يجهله - هو حقيقة لبنان، أنّه بلد لا يرضخ للتهديد، ولا يساوم على سيادته، بل هو بلد المقاومة والعزة والصمود، الذي روى أرضه بدماء أبنائه الشهداء صوناً لكرامته وسيادته، وإنّ لبنان لن يكون يوماً خاضعاً للإملاءات الأميركية أو راضخاً للتهديدات الإسرائيلية أو تابعاً لأيّ دولة خارجية، أو ملحقاً بها". واضاف: "إنّ هذه التصريحات الاستعلائية لا يجب أن تمرّ من دون ردّ حازم وقوي من الدولة اللبنانية، بمستوياتها السياسية والديبلوماسية كافة، وهي تُحتّم على وزارة الخارجية اللبنانية أن تبادر فوراً إلى استدعاء السفيرة الأميركية، وإبلاغها رفضاً رسمياً لهذه التصريحات العدائية الوقحة. كما يتوجب على الدولة اللبنانية أن تعلن بوضوح أنّ على الإدارة الأميركية احترام سيادة لبنان ووحدة وسلامة أراضيه، وأن لا تتدخّل في شؤونه الداخلية، وأن تلتزم دورها الذي ألزمت نفسها به، ولكنها لم تنفّذ حرفاً واحداً منه، باعتبارها الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار مع العدو الإسرائيلي بموجب ورقة الإجراءات التنفيذية للقرار 1701، بل شكّلت غطاءً لاستمرار الاحتلال والعدوان الإسرائيلي على لبنان".
برسم السلطة
ومن جهته، رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، أصدر بياناً وضع فيه تصريح برّاك "برسم السلطة والحكومة اللبنانية". وقال: "من الواضح والجلي انّ السياسة الدولية برمتها بالتقاطع مع شبه إجماع عربي، بصدد ترتيب أوضاع المنطقة لإخراجها من الأوضاع الشاذة التي كانت قائمة في بعض دولها، بهدف الوصول إلى دول طبيعية بدءاً من إيران وليس انتهاءً بحزب العمال الكردستاني في تركيا".
واضاف: "إنّ السياسة الدولية لا تتحمّل الفراغ، وأي دولة تعجز عن ترتيب أوضاعها وإعادة الانتظام لدستورها ومؤسساتها وأعمالها كدولة فعلية، ستكون خارج السباق وعلى هامش التاريخ". وتابع:
"إذا استمرت السلطة، ومن خلالها الحكومة اللبنانية، في تردّدها وتباطؤ قراراتها وتثاقل خطواتها في ما يتعلق بقيام دولة فعلية في لبنان، فإنّها ستتحمّل مسؤولية أن يعود لبنان الوطن والدولة في مهبّ الريح مجدداً". ولفت إلى انّه "في مطلع تسعينات القرن الماضي، وعندما وجدت السياسة الدولية انّ دولة الطائف التي نشأت في لبنان بعد الحرب الأهلية كانت قاصرة، تمّ تلزيم لبنان لسوريا الاسد، فهل تعيد الحكومة والسلطة الكرّة من جديد وتدفعان السياسة الدولية والعربية إلى تلزيم لبنان لأحد ما انطلاقاً من القصور الذي تظهره الدولة اللبنانية؟". ورأى "انّ الأيام التي نعيش مهمّة ودقيقة ومصيرية جداً، وأي تمادٍ في التقصير بنقل لبنان إلى وضع الدولة الفعلية من قبل السلطة والحكومة اللبنانية يمكن أن يعيدنا عشرات السنوات إلى الوراء، إن لم يكن أخطر وأسوأ من ذلك". وختم: "على السلطة اللبنانية ان تحزم أمرها في أسرع ما يمكن، وان تتخِّذ الخطوات العملية المطلوبة من أجل تحويل لبنان إلى دولة فعلية تشكّل وحدها الضمانة للمجموعات اللبنانية كلها، وإلّا ستُبقي لبنان ساحة وتعرِّضه للاستباحة مجدداً".
الحدود اللبنانية ـ السورية
من جهة ثانية، تداول بعض وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي أمس معلومات غير مؤكّدة عن انسحاب مزعوم للجيش اللبناني من أبراج المراقبة على الحدود اللبنانية- السورية في منطقة بعلبك-الهرمل، وتراجعه إلى خلف بلدة الطفيل ومناطق أخرى على السلسلة الشرقية، ما أثار تساؤلات حول حقيقة الوضع الأمني في هذه المنطقة الحدودية.
وأصدرت مديرية التوجيه في قيادة الجيش البيان الآتي: "إلحاقًا بالبيانات السابقة، تنفي قيادة الجيش ما يتمّ تداوله على عدد من مواقع التواصل الاجتماعي حول دخول مسلحين إلى لبنان وانسحاب الجيش من مناطق حدودية في البقاع. في هذا السياق، تؤكّد القيادة أنّ الوحدات العسكرية المعنية تُواصل تنفيذ مهمّاتها الاعتيادية لضبط الحدود اللبنانية- السورية، في موازاة متابعة الوضع الأمني في الداخل لمنع أي مساس بالأمن والاستقرار. كما تدعو إلى توخّي الدقّة في نقل الأخبار المتعلقة بالجيش والوضع الأمني، والتحلّي بالمسؤولية، وعدم بث الشائعات التي تؤدي إلى توتر بين المواطنين".
وفي غضون ذلك، أصدرت العلاقات الإعلامية في "حزب الله" بياناً نفت فيه "نفيًا قاطعًا ما ورد في بيان وزارة الداخلية السورية حول مزاعم ارتباط أحد الموقوفين في محافظة حمص بحزب الله". وأكّدت "أنّ "حزب الله" ليس لديه أي وجود أو نشاط في سوريا، ولا علاقة له بأي أحداث أو نزاعات هناك، وهو حريص على أمن سوريا واستقرارها وسلامة شعبها".
جنوباً
وعلى الجبهة الجنوبية، تواصل الخرق الإسرائيلي لوقف إطلاق النار والقرار الدولي 1701، وقام الجيش الإسرائيلي صباح أمس بعملية تمشيط كثيفة في اتجاه أطراف بلدة علما الشعب. فيما أفيد عن تحليق للطيران الحربي الإسرائيلي في أجواء بعلبك.
وعند الظهر ألقت مسيّرة إسرائيلية قنبلة صوتية في اتجاه بلدة عيترون. فيما انفجر صاروخ إسرائيلي من مخلفات العدوان في أحد المباني المستهدفة سابقاً في بلدة حاروف وألحق أضراراً مادية طفيفة في المحيط.
كذلك ألقت مسيّرة إسرائيلية قنبلة صوتية في اتجاه أحد الصيادين في بلدة الناقورة، فيما حلّقت طائرة استطلاع إسرائيلية في أجواء بلدتي سرعين والنبي شيت في البقاع.