الاحداث – كتب جورج شاهين في صحيفة الجمهورية يقول:" بعيداً من الأنظار ومن دون اقتناص أي صورة لأي منهما، أمضى موفدان سعودي وأميركية عطلة نهاية الأسبوع في بيروت، ما أوحى بعدد من الرسائل الغامضة التي رغبا بنقلها في اتجاه لبنان، ولم يحن أوان الكشف عنها. فالتشابك بين أحداث الساحتين الداخلية والإقليمية وضعهما أمام استحقاقات مصيرية. وإن أعاد التاريخ نفسه، سيكون على لبنان ان يفهم ما يجري حوله ليفهم ما يجري عنده. وعليه طرح السؤال، أين تلتقي الاستراتيجيتان السعودية والأميركية في لبنان وعلى من؟
لا تُحصى الملفات المطروحة للبحث في لبنان والمنطقة والعالم نتيجة الحروب التي تورطت قوى إقليمية ودولية فيها منذ عامين تقريباً. وقد تناسلت وتشابكت أحداثها والتداعيات إلى درجة كبيرة، زادت من حجم التعقيدات على كل المستويات. وعدا ما تسببت به هذه الحروب من كوارث وتقلّبات وتغييرات حدودية وارتجاجات وسقوط أنظمة ودمار شبه شامل في مناطق واسعة، فقد فشلت كل الجهود المبذولة لتحقيق ما رُسمت لها من أهداف وغايات، على رغم ما خصصت لها من قدرات عسكرية وديبلوماسية واقتصادية. وهي قدرات تعدّدت في شأنها الإحصاءات الدورية حول ما خُصّص لها من مليارات الدولارات التي رُفعت من موازنات وزارات الدفاع والأمن والاستخبارات وبرامج المساعدات الخارجية على أنواعها، وخصوصاً على مستوى القوى الكبرى، التي فرزت نسبة كبيرة منها لحلفائها، سواء كانت دولاً او مجموعات قتالية تكونت على مدار السنوات.
على هذه الخلفيات، بما تحمله من تبعات جيو- سياسية وعسكرية واقتصادية على أوضاع المنطقة والعالم، توقفت مراجع ديبلوماسية وسياسية أمام الحضور الأميركي والسعودي الاستثنائي في لبنان، الذي تجلّى بالزيارتين اللتين قام بهما كل من الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس والموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان، وبما لهما من دلالات مهما اختلفت الآراء والتوقعات في شأنهما. وإن اختلفت الآليات المعتمدة لدى كل منهما، فإنّهما يلتقيان في أكثر من مكان وتحت أكثر من سقف، لأنّ لكل منهما دوراً مختلفاً عن الآخر.
وأضافت هذه المراجع، انّه وعلى رغم من الصمت المدوّي الذي ميّز زيارتي الموفدين وما رافق حراكهما الخفي أبان نشاطهما الذي توزع بين بيروت والجنوب، فقد جهدت وسائل الإعلام لتقصّي ما قام به كل منهما. وفي الوقت الذي لم يُعلن عن وجود بن فرحان في بيروت قبل أن يوجّه الأمين العام لـ"حزب الله" الدعوة إلى السعودية إلى الحوار وطي صفحة الماضي، فوجئ الإعلاميون منتصف ليل الجمعة بخبر اللقاء الذي جمع بن فرحان مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وجاء قبل ساعات قليلة على توجّه الأخير إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها الثمانين. وفيما كان اللبنانيون ينتظرون مزيداً من المعلومات عن الهدف من زيارة بن فرحان لعون، تحدث بيان مكتب الإعلام في قصر بعبدا، انّه تخللت اللقاء "جولة أفق تناولت الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة".
ولما لم تشر هذه المعلومات الرسمية إلى مضمون الرسالة الطارئة التي حملها الموفد السعودي إلى رئيس الجمهورية، لم تظهر أي صورة للقاءاته مع بعض الشخصيات اللبنانية، عدا تلك التي كشف عنها زواره في مقر السفارة السعودية في اليرزة. ولذلك، فقد توسعت دائرة التسريبات عن الجديد في الموقف السعودي الداعم لعلاقات بلاده من دولة إلى دولة، وضرورة تنفيذ ما تعهّد به اللبنانيون على مستوى الإصلاحات الاقتصادية والمالية ومكافحة الفساد ووقف التهريب وحصر السلاح بالقوى العسكرية والأمنية الشرعية، التي تستحق كل أشكال الدعم لاستكمال الخطوات التي تشجع على قيام الدولة القوية واستعادة الثقة الدولية بها، والتي من دونها لن تُقدم المؤسسات العربية والدولية على أي مبادرة، ولا سيما منها المتصلة بمشاريع الإنماء وإعادة الإعمار. لأنّ بقاء الوضع على ما هو عليه لن تكون أي من هذه الخطوات واردة.
وفي الوقت الذي لم تنشر أي معلومة عن موقف الديبلوماسي السعودي من "حزب الله"، وما تردّد عن حوار بينهما، بقيت نتائج زيارته في إطارها العام كسابقتها. وعلى رغم من ذلك، فقد رصدت حركته السياسية المحدودة بلقاءات جمعته مع عدد من الكتل والنواب السنّة وكل من رئيس حزب "الكتائب" النائب سامي الجميل والرئيس السابق للحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط والرئيس السابق للحكومة تمام سلام في حضور نجله صائب، قبل أن يغادر في توقيت ملتبس، تزامن مع مغادرة اورتاغوس إلى نيويورك، ليلتحق كل منهما بالوفد الرسمي لبلديهما إلى اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
وإلى هذه اللمحة حول نتائج زيارة الموفد السعودي، لم تتكشف معلومات كافية عمّا قامت به اورتاغوس أيضاً في مقر قيادة "اليونيفيل"، عندما شاركت في اجتماع لجنة "الميكانيزم" في حضور جميع الأعضاء، من دون أي إشارة إلى أنّها اصطحبت الرئيس الأميركي الجديد لهذه اللحنة. كما لم تشر السفارتان الأميركية والفرنسية الى ما انتهى إليه الاجتماع - كما درجت العادة من قبل - فبقيت القضايا التي طُرحت خلاله وما انتهى إليه من قرارات في مدار الشائعات والروايات غير الموثقة عسكرياً وديبلوماسياً وأممياً، مع الوعد باحتمال توزيع معلومات رسمية في وقت لاحق.
وبعيداً من أجواء التكتم التي طالت لحظة وصولها إلى بيروت، وما شهده اجتماع الخماسية العسكرية، فقد أُفيد انّ اورتاغوس لم تستطع تخصيص أكثر من ساعات قليلة للبنان، ولم تكن هناك حاجة لتشاركها السفيرة الأميركية ليزا جونسون في مهمتها التي وصفت بأنّها أمنية وعسكرية بحتة. ذلك انّها أبلغت إلى الجانب اللبناني القرارات الأخيرة المتصلة بدعم خطة الجيش، التي لن تقف عند حدود جنوب الليطاني، وستشمل بقية المناطق اللبنانية وفق ما ترتأيه قيادة الجيش التي كّلفت بالخطة الشاملة أياً كانت المراحل التي رسمتها وتنفّذها بصمت وبالمهنية التي ميّزت أداءه، وكما خطط لها ورسمها بعيداً من أي خطوة يمكن أن تقود البلاد إلى أي مواجهة داخلية. وهي الخطة التي استدرجت المساعدة الأميركية الاستثنائية للجيش التي قرّرها الرئيس دونالد ترامب بموجب صلاحياته في إصدار المراسيم التنفيذية، بقيمة 14 مليون دولار مخصصة لخطة حصر السلاح بمعزل عن بقية المساعدات الأخرى.
وفي أي حال، مهما اختلفت آلية العمل الديبلوماسية والسياسية المعتمدة في واشنطن والرياض، فقد التقى موفداهما على كثير من العناوين الهادفة إلى دعم الدولة ممثلة برئيسي الجمهورية والحكومة في خطواتهما المتناسقة، أياً كانت الصورة التي تُبرز تمايزهما بين وقت وآخر. والتحية عبرهما تطاول القوى العسكرية والأمنية والقضائية لما فيه خير لبنان في الصيغة المطلوبة من المجتمع الدولي.