Search Icon

انفجار مرفأ بيروت: جرحٌ مفتوح وعدالةٌ مؤجَّلة
ومالك سفينة «روسوس» يلتزم الصمت أمام البيطار

منذ 8 ساعات

سياسة

انفجار مرفأ بيروت: جرحٌ مفتوح وعدالةٌ مؤجَّلة
ومالك سفينة «روسوس» يلتزم الصمت أمام البيطار

الاحداث- كتب إيلي صعب

لم يكن الرابع من آب 2020 يومًا عابرًا في تاريخ لبنان، بل لحظة فاصلة حُفرت في ذاكرة الوطن ووجدان اللبنانيين. في ذلك المساء المشؤوم، دوّى انفجار مرفأ بيروت كزلزال مدمّر، حاصدًا أكثر من مئتي شهيد، وآلاف الجرحى، ومخلّفًا دمارًا هائلًا طال العاصمة وأحياءها، وشرّد عشرات آلاف العائلات، في واحدة من أفظع الكوارث غير النووية في العالم.

سقط الضحايا من كل الفئات: أطفال كانوا في منازلهم، ممرضون وأطباء هرعوا لإنقاذ الجرحى، عناصر إطفاء استُشهدوا وهم يؤدّون واجبهم، وصحافيون نقلوا الحقيقة فدفعوا حياتهم ثمنًا لها. تحوّل المرفأ، شريان لبنان الاقتصادي، إلى رمز للإهمال المزمن، والفساد المستشري، وانعدام المحاسبة.

ولعلّ من أكثر اللحظات رمزية وتأثيرًا بعد الانفجار، كانت زيارة البابا فرنسيس إلى لبنان وتوقّفه عند مرفأ بيروت المنكوب. هناك، وسط الركام والدمار، وقف البابا صامتًا رافعًا الصلاة لأرواح الضحايا، وملامسًا بيده جرح مدينة لم يندمل. لم تكن الزيارة بروتوكولية، بل حملت بعدًا إنسانيًا وأخلاقيًا عميقًا، إذ وجّه من قلب المأساة رسالة واضحة إلى العالم مفادها أنّ آلام اللبنانيين ليست منسيّة، وأن العدالة للضحايا ليست مطلبًا محليًا فحسب، بل قضية ضمير إنساني. تركت تلك الزيارة أثرًا بالغًا في نفوس أهالي الشهداء واللبنانيين عمومًا، ومنحتهم لحظة عزاء معنوي وأملًا بأن الحقيقة، مهما طال الزمن، لا بدّ أن تُكشف، وأن صرخة بيروت ستبقى حيّة في وجدان العالم

خمسة أعوام تقريبًا مرّت، ولا يزال أهالي الضحايا ينتظرون الحقيقة الكاملة. حقيقة من أدخل نيترات الأمونيوم، ومن خزّنها، ومن علم بوجودها، ومن أهمل التحذيرات المتكرّرة، ومن سمح ببقائها قنبلة موقوتة في قلب العاصمة. العدالة التي وُعد بها اللبنانيون ما زالت متعثّرة، تصطدم بحصانات سياسية، وضغوط قضائية، ومناورات قانونية عطّلت التحقيق مرارًا.

وفي هذا السياق، علمت «الأحداث24» أنّ مالك سفينة «روسوس» الروسي إيغور غريشوشكين، الموقوف في بلغاريا، رفض الإدلاء بإفادته أمام المحقّق العدلي في قضيّة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، وامتنع عن الإجابة على أيّ من الأسئلة الموجّهة إليه خلال جلسة الاستماع. خطوة تعكس مجددًا حجم العراقيل التي تواجه مسار العدالة، وتطرح علامات استفهام إضافية حول مصير التحقيق ومآلاته. وبحسب المعلومات، من المقرّر أن يعود القاضي البيطار إلى بيروت غدًا لاستكمال إجراءاته، وسط ترقّب أهالي الضحايا لأي تقدّم يُعيد الأمل بكشف الحقيقة.

لكنّ انفجار المرفأ لم يكن مجرّد حادث قضائي أو أمني، بل مأساة إنسانية وطنية. هو قصة مدينة نُكبت، وناس خسروا أبناءهم وأحلامهم في لحظة. هو صرخة أمهات لا يطلبن سوى معرفة كيف ولماذا قُتل أولادهن، ومن المسؤول عن أكبر جريمة إهمال عرفها لبنان الحديث.

سيبقى انفجار مرفأ بيروت جرحًا مفتوحًا ما لم تُستكمل التحقيقات بلا استنسابية ولا استثناء، وما لم يُحاسَب كل من يثبت تورّطه، أيًا كان موقعه أو نفوذه. فالعدالة في هذه القضية ليست مطلبًا لفئة أو لعائلات الضحايا فقط، بل شرط أساسي لاستعادة ثقة اللبنانيين بدولتهم، ولمنع تكرار المأساة، ولإثبات أن دماء الأبرياء لا تُهدر في وطنٍ أنهكته الأزمات لكنه لا يزال يستحق الحياة.

Link Whatsapp