الاحداث- خاص
شهدت انتخابات بيروت البلدية والاختيارية التي جرت اليوم نسبة اقتراع ضعيفة وصلت إلى نحو 20.78%، في مؤشر صادم على حالة الانكماش الديمقراطي في العاصمة اللبنانية. هذا الرقم المنخفض يعكس واقعاً معقداً يرتبط ليس فقط بالإحباط السياسي أو الظروف الاقتصادية، بل أيضاً بتغير ديموغرافي ناتج عن هجرة واسعة للسكان من بيروت في السنوات الأخيرة.
الهجرة سبب جوهري لانخفاض الاقتراع
على مدى العقد الماضي، شهدت بيروت موجات هجرة كبيرة، خاصة بعد الأزمات المتلاحقة التي ضربت لبنان من انهيار اقتصادي، انفجار مرفأ بيروت في 2020، إلى تردي الخدمات العامة وانعدام الأمن الاجتماعي والاقتصادي. هذه الظروف دفعت شريحة واسعة من المواطنين، خصوصًا الشباب والطبقة الوسطى، إلى الهجرة بحثًا عن فرص أفضل في الخارج.
نتيجة لذلك، تقلص عدد الناخبين الفعليين المقيمين في بيروت، ما انعكس مباشرة على نسبة الاقتراع التي تُظهر صورة مشوهة وغير كاملة لمشاركة السكان الحقيقيين في الحياة السياسية المحلية.
تأثير الهجرة على المشهد الانتخابي والاجتماعي
الهجرة لا تؤثر فقط على أرقام الاقتراع، بل تعيد تشكيل بنية المجتمع في بيروت. غياب فئات واسعة من الشباب والمهنيين يضعف من التنوع السياسي والاجتماعي داخل صناديق الاقتراع، ويزيد من هيمنة الجماعات التقليدية والأحزاب الطائفية التي تعتمد على قواعد ثابتة ولكن محدودة.
كما أن انخفاض نسبة المشاركة يعكس ضعفًا في تمثيل الإرادة الشعبية الحقيقية، مما قد يؤدي إلى ضعف شرعية المجالس البلدية المقبلة وعدم قدرتها على تنفيذ برامج تنموية فعالة.
الأجواء الانتخابية في ظل هذا الواقع
رغم هذا الواقع الصعب، أجريت الانتخابات في أجواء منظمة نسبيًا، مع جهود أمنية وإدارية بقيادة وزارة الداخلية لضمان سير العملية الانتخابية بسلاسة. كانت زيارة رئيس الحكومة نواف سلام لغرفة العمليات واطلاعه على مجريات الانتخابات محاولة لكسب ثقة الجمهور، ولكنها لم تنجح في رفع معدل الإقبال بشكل ملموس.
وزير الداخلية أحمد الحجار كان على رأس جهود التنظيم والمتابعة، مؤكداً جاهزية الوزارة لتأمين بيئة انتخابية هادئة، لكن المعاناة الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن تجاوزها فقط بالإجراءات الأمنية.
ماذا يعني هذا للمستقبل؟
انخفاض نسبة الاقتراع في بيروت، بفعل هجرة السكان، يطرح تساؤلات جدية عن مستقبل المشاركة السياسية وفعالية المجالس البلدية في العاصمة. هذا الواقع يستدعي استراتيجية شاملة للحفاظ على سكان بيروت، من خلال تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز فرص العمل، ودعم البنى التحتية والخدمات، ليعود المواطنون ويشعروا بأن مشاركتهم السياسية ذات جدوى.
إلا أن الحل لا يكمن فقط في السياسات المحلية، بل يتطلب تعاونًا أوسع على المستويات الوطنية والدولية لإعادة بناء بيروت كمدينة جذابة ومستقرة.
الخلاصة
انتخابات بيروت الأخيرة كشفت بوضوح مدى تأثير الهجرة على الحياة السياسية المحلية، حيث أدت إلى انخفاض نسبة الاقتراع إلى مستويات لم تكن مألوفة في العاصمة. هذا الواقع يفرض تحديات كبيرة على الحكومة والبلديات المقبلة لتعزيز المشاركة وتحقيق التنمية المستدامة التي تعيد بيروت إلى مكانتها كعاصمة نابضة بالحياة.