الاحداث- خاص
شهدت محافظتا البقاع وبعلبك-الهرمل يومًا انتخابيًا استثنائيًا في المرحلة الثالثة ما قبل الاخيرة من الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان، طغت عليه التوترات الأمنية والمفارقات السياسية، وسط مشاركة شعبية لافتة في بعض المناطق، رغم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة. الانتخابات التي يُفترض بها أن تعبّر عن هموم محلية إنمائية، تحوّلت في كثير من الدوائر إلى ساحة اختبار للنفوذ السياسي وإعادة تموضع القوى التقليدية.
نسب الاقتراع: مشاركة مرتفعة
أظهرت الأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية والبلديات أن نسبة الاقتراع في المحافظتين تجاوزت المعدلات المسجلة في بيروت، إذ بلغت في بعلبك-الهرمل 46.47%، وفي زحلة 43.26%، بينما سجّل قضاء البقاع الغربي 41.10%، وراشيا 37.54%، والهرمل 33.40%. هذه الأرقام تعكس إقبالًا شعبيًا لافتًا، وتدلّ على تمسّك فئات واسعة من المواطنين بخيار المشاركة، سواء بدافع التغيير أو بدافع المحافظة على المواقع والنفوذ المحلي.
إشكالات أمنية وتجاوزات انتخابية
رغم الطابع الديمقراطي العام الذي غلّف العملية الانتخابية، إلا أن اليوم الانتخابي لم يخلُ من حوادث أمنية وخروقات موثقة، أبرزها:
- تضارب داخل أحد مراكز الاقتراع في بلدة حوش الحريمة (البقاع الغربي)، استدعى تدخل القوى الأمنية.
- وجود دعاية انتخابية داخل مركز الاقتراع في بلدة الخضر.
- تسجيل أكثر من 365 شكوى رسمية لدى وزارة الداخلية تتعلق بتجاوزات متعددة.
- انفجار صهريج بنزين في بلدة حوش السيد علي، ما أثار الذعر، وإن لم تُثبت صلته المباشرة بالعملية الانتخابية.
وقد أدّت هذه الحوادث إلى تشويش المناخ الانتخابي، ما أثار تساؤلات حول قدرة الأجهزة المعنية على ضبط العملية وفق المعايير المطلوبة.
الانتخابات والصراع السياسي
تحوّلت الانتخابات البلدية في عدد من الدوائر، خصوصًا في زحلة، إلى صراع سياسي مكشوف. فبينما خاضت لائحة “قلب زحلة” المعركة بدعم تحالفات محلية، واجهتها ماكينة “حزب الله” بحشد منظم وفعّال، دفع الكنائس إلى قرع الأجراس لحثّ المواطنين على الاقتراع، في مشهد يعكس حدة الاستقطاب.
وترافق هذا المناخ المشحون مع حملة استهدفت النائب جورج عقيص، على خلفية تصريحات اتُّهم فيها بالإساءة لمعالم دينية، وهو ما نفاه، مؤكدًا أن انتقاده كان موجّهًا لاستخدام المال الانتخابي، لا للمقدسات.
استقدام مجنّسين: خرق أم امتداد سياسي؟
من أبرز النقاط المثيرة للجدل خلال النهار الانتخابي كان الحديث عن استقدام باصات تقلّ سوريين مجنّسين من الداخل السوري إلى مناطق بقاعية للمشاركة في الاقتراع. ورغم غياب أي تأكيد رسمي من وزارة الداخلية، إلا أن تداول هذه المعلومات أثار استياء شرائح من المجتمع المحلي، واعتُبر محاولة لتوجيه نتائج الانتخابات عبر كتل ناخبة غير متجذّرة اجتماعيًا في المجالس المنتخبة.
ورأى مراقبون في الأمر استمرارًا لنهج سياسي معروف استُخدم في استحقاقات سابقة، مع ما يحمله من تهديد لمبدأ العدالة الانتخابية، ويضع علامات استفهام حول شرعية بعض النتائج في المناطق الحدودية.
العودة إلى السياسة من بوابة الإنماء
تكشف نتائج اليوم الانتخابي أن المزاج الشعبي في البقاع وبعلبك-الهرمل لا يزال حاضرًا وفعّالًا، وأن المشاركة في الشأن المحلي تُعدّ أداة للتعبير السياسي والاعتراض أو التثبيت، في ظل مؤسسات دستورية قائمة، ورئيس جمهورية جديد يسعى إلى دفع عجلة الإصلاح.
ورغم كل ما رافق الانتخابات من توتر وخروقات، فإن نسب المشاركة المرتفعة في بعض الأقضية، والمنافسات الحادة، تؤشر إلى حيوية ديمقراطية لا تزال تنبض في بعض مفاصل الحياة العامة.
خلاصة
نهار انتخابي طويل ومشحون في البقاع وبعلبك-الهرمل، امتزج فيه المحلي بالعشائري، والسياسي بالأمني، لكنّه كشف في الوقت نفسه عن وعي شعبي واسع بأهمية المشاركة، وحيوية مناطقية لا تزال ترفض الاستسلام للركود والانقسام. ومع أن بعض الظلال ألقت بثقلها على النزاهة الكاملة للعملية، تبقى الانتخابات خطوة ضرورية نحو ترسيخ الحكم المحلي وتعزيز ثقافة المساءلة والمحاسبة من القاعدة