Search Icon

المتحف الوطني القطري… خمسون عاماً في صون التراث وبناء الهوية الثقافية

منذ 3 ساعات

تربية وثقافة

المتحف الوطني القطري… خمسون عاماً في صون التراث وبناء الهوية الثقافية

الاحداث- كتبت لور سليمان

احتفل المتحف الوطني القطري عام 2025 بمرور خمسين عاماً على تأسيسه، مؤكداً مكانته كأحد أبرز المعالم الثقافية في المنطقة، وكمؤسسة لعبت دوراً محورياً في صون التراث القطري الغني ونقله إلى الأجيال الجديدة، بأسلوب يجمع بين الأصالة والحداثة.

 

منذ افتتاحه عام 1975، وضع المتحف هدفاً أساسياً أمامه: الحفاظ على الذاكرة الوطنية القطرية بكل مكوناتها، من حياة البحر والغوص على اللؤلؤ، إلى تقاليد الصحراء والبيئة البدوية، مروراً بمسيرة الدولة الحديثة وإنجازاتها التنموية والثقافية. وعلى مدى خمسة عقود، نجح في أن يكون أكثر من مجرد مبنى للعرض، بل منصة حية تروي قصة الإنسان القطري في تفاعله مع أرضه وتاريخه وهويته.

من مبنى تراثي إلى تحفة معمارية

عندما أُعيد افتتاح المتحف عام 2019 بتصميم المعماري العالمي جان نوفيل المستوحى من شكل “وردة الصحراء”، لم يكن الهدف تجديد الشكل فحسب، بل تجديد الرؤية. فالمبنى الجديد، الذي يدمج القصر التاريخي للشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني، يجسّد التقاء الماضي بالحاضر في صيغة معمارية فريدة، أصبحت رمزاً ثقافياً لدولة قطر في العالم.

تراث قطر

ومنذ تأسيسه، تطوّر المتحف الوطني من مؤسسة ثقافية رائدة إلى إحدى الأيقونات التي تُجسّد هوية وتراث قطر، إذ اضطلع بدور محوري في تثقيف الأجيال حول التحولات العميقة التي شهدتها الدولة، من مجتمع صغير يعتمد على الغوص لاستخراج اللؤلؤ، إلى مركز عالمي نابض بالحياة والابتكار.

ويُعدّ المتحف في جوهره تكريماً للهوية الثقافية القطرية، فكل تفاصيله — من هندسته المعمارية المستوحاة من “وردة الصحراء”، إلى معارضه التفاعلية، وبرامجه التعليمية والمجتمعية — تعكس القيم والتقاليد والسرديات التي تُشكّل التجربة القطرية.

ومن خلال حفظ الروايات الشفوية، وعرض الحرف التقليدية المحلية، واستكشاف جوانب الحياة المختلفة في قطر، يؤكد المتحف على الثقافة بوصفها تراثاً وهوية حيّة. فهو لا يُوثّق الماضي فحسب، بل يُعد منصة متجددة للتعبير الوطني، والتنوع، والذاكرة الجمعية.

وبفضل تقنيات السرد التفاعلي والمعارض المتقدمة وبرامج التعليم الشاملة، يدعم المتحف الوطني رؤية قطر الوطنية 2030، ويؤدي دوراً حيوياً في حفظ ونقل القيم والتقاليد التي تعرّف المجتمع القطري وتوحد أفراده.

ذاكرة الوطن

يمتلك المتحف مجموعات غنية من المقتنيات التاريخية والوثائق والصور والمخطوطات التي توثّق المراحل المختلفة من تاريخ قطر.

فمن خلال معارضه الدائمة والمؤقتة، يُقدَّم الزائر في رحلة زمنية تبدأ من العصور القديمة، مروراً بحياة البادية والبحر، وصولاً إلى قيام الدولة الحديثة، ومكانتها في محيطها الإقليمي والعالمي.

كما يحتفظ المتحف بتسجيلات نادرة من التراث الشفهي الشعبي، وأدوات الغوص وصناعة السفن، ومقتنيات من الحياة اليومية لأهل قطر، ما يجعله مرجعاً أساسياً لكل باحث في تاريخ المنطقة.

حارس الهوية الثقافية

على مدى نصف قرن، أثبت المتحف أنه حارس الهوية القطرية. فهو لم يكتفِ بعرض القطع الأثرية، بل عمل على إعادة إحياء الفنون التقليدية والحرف اليدوية، وتشجيع البحوث والدراسات التي تُسهم في فهم أعمق للموروث الثقافي. كما أطلق برامج تعليمية وتفاعلية للأطفال والشباب لتعريفهم بجذورهم الثقافية بطريقة حديثة وجذابة.

منصة للتبادل الثقافي

لم يكن المتحف منغلقاً على ذاته، بل أصبح مركزاً للحوار والتبادل الثقافي بين قطر والعالم. فمعارضه الدولية وفعالياته الفنية تستضيف باستمرار فنانين وباحثين من مختلف الدول، ما يعكس رؤية قطر المنفتحة على العالم والمبنية على احترام التنوع الثقافي.

نحو المستقبل

وفي اليوبيل  الذهبي لتأسيسه، أطلق المتحف حملة بعنوان «أمة في تطوّر» (Nation of Evolution)، احتفاءً بمسيرته الطويلة وبالتحولات التي شهدها المجتمع القطري، مع برنامج غني بالمعارض والأنشطة التي تمتد حتى عام 2026.

لقد أثبت المتحف الوطني القطري أنه ليس مجرد صرح ثقافي، بل ذاكرة وطنية حيّة تحفظ قصة قطر من جذورها القديمة إلى حاضرها المزدهر.

فهو يجمع بين التاريخ والابتكار، وبين التراث والحداثة، ليبقى منارة ثقافية تضيء الماضي وتلهم المستقبل، ويؤكد أن الأمم التي تصون تراثها هي الأمم التي تكتب مستقبلها بثقة واعتزاز