الاحداث- كتب نذير رضا في صحيفة الشرق الاوسط يقول:"حثّ البابا ليو الرابع عشر، اللبنانيين، على المضي بطريق السلام، مستهلاً زيارته إلى بيروت بعبارة «طوبى لفاعلي السلام». ودعا اللبنانيين إلى التحلي بـ«شجاعة» البقاء في بلدهم، الغارق في أزماته الاقتصادية والسياسية التي ضاعفت هجرة الشباب، مشدداً على أهمية «المصالحة» من أجل مستقبل مشترك، ومؤكداً أن فاعلي السلام «يجرأون على البقاء، حتى عندما يكلّفهم ذلك بعض التضحية».
ووصل البابا ليو الرابع عشر إلى بيروت، الأحد، حاملاً رسالة سلام إلى لبنان، آتياً من إسطنبول، في زيارة تستمر حتى الثلاثاء. وأقيمت مراسم استقبال رسمية له في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، بحضور رؤساء الجمهورية جوزيف عون، والبرلمان نبيه بري، والحكومة نواف سلام، ورجال دين. وأطلقت مدفعية الجيش قذائف خلبية ترحيباً بوصوله. وأطلقت السفن الراسية في مرفأ بيروت أبواقها ابتهاجاً.
ومن المطار، توجّه البابا، وهو أول بابا يزور لبنان بعد بنديكتوس السادس عشر سنة 2012، إلى القصر الرئاسي، حيث التقى الرؤساء عون وبري وسلام، قبل أن يلقي خطابه الأول أمام السلطات وممثلي المجتمع المدني والسلك الدبلوماسي.
بداية متجددة
وقال البابا في خطابه من القصر الجمهوري: «هناك ملايين اللبنانيين، هنا وفي كلّ العالم، يخدمون السّلام بصمت، يوماً بعد يوم. أمّا أنتم، الذين تحملون المسؤوليات المختلفة في مؤسّسات هذا البلد، فلكم تطويبة خاصّة إن استطعتم أن تُقدّموا هدف السّلام على كلّ شيء».
وتحدث عن صفة تُميّز اللبنانيين، قائلاً: «أنتم شعب لا يستسلم، بل يقف أمام الصعاب ويعرف دائماً أن يُولد من جديد بشجاعة. صمودكم هو علامة مميزة لا يمكن الاستغناء عنها لفاعلي السلام الحقيقيين»، مضيفاً أن «عمل السلام هو بداية متجددة ومستمرة. الالتزام من أجل السلام، ومحبة السلام لا يعرفان الخوف أمام الهزائم الظاهرة، ولا يسمحان للفشل بأن يثنيهما، بل طالب السلام يعرف أن ينظر إلى البعيد، فيقبل ويعانق برجاء وأمل كلّ الواقع. يتطلب بناء السلام مثابرة، وحماية الحياة ونموّها يتطلبان إصراراً وثباتاً».
وقال البابا: «هناك لحظات يكون فيها الهروب أسهل، أو ببساطة، يكون الذهاب إلى مكان آخر أفضل. يتطلب البقاء أو العودة إلى الوطن شجاعة وبصيرة». ودعا اللبنانيين إلى اتباع «طريق المصالحة الشاق».
وقال: «الميزة الثانية لفاعلي السلام أنهم لا يعرفون فقط البدء من جديد، بل يفعلون ذلك بصورة خاصّة بطريق المصالحة الشّاق». وتابع: «هناك جراح شخصية وجماعية تتطلب سنوات طويلة، وأحياناً أجيالاً كاملة، لكي تلتئم. إن لم تعالج، وإن لم نعمل على شفاء الذاكرة، وعلى التقارب بين من تعرضوا للإساءة والظلّم، فمن الصعب السير نحو السلام».
وأضاف: «عانيتم الكثير من تداعيات اقتصاد قاتل، ومن عدم الاستقرار العالمي الذي خلّف آثاراً مدمرة في المشرق أيضا، ومن التشدد وتصادم الهويات ومن النزاعات، لكنكم أردتم وعرفتم دائماً أن تبدأوا من جديد».
وتابع: «لا توجد مصالحة دائمة من دون هدف مشترك، ومن دون انفتاح على مستقبل يسود فيه الخير على الشر الذي عانى منه الناس أو فرضوه على غيرهم في الماضي أو الحاضر. لذلك، لا تولد ثقافة المصالحة من القاعدة فقط، ومن استعداد البعض وشجاعتهم، بل تحتاج إلى السلطات والمؤسسات التي تعترف بأن الخير العام هو فوق خير الأطراف، والخير العام هو أكثر من مجموع مصالح كثيرة».
تضحية البقاء
أما الميزة الثالثة لفاعلي السلام فتتمثل في «أنهم يجرأون على البقاء، حتى عندما يكلّفهم ذلك بعض التضحية». وأوضح: «هناك لحظات يكون فيها الهروب أسهل، أو ببساطة، يكون الذهاب إلى مكان آخر أفضل. يتطلب البقاء أو العودة إلى الوطن شجاعة وبصيرة، على أساس أن الظروف الصعبة هي أيضاً جديرة بالمحبّة والعطاء».
وقال البابا ليو الرابع عشر: «نعلم أن عدم الاستقرار، والعنف، والفقر، ومخاطر كثيرة أخرى هنا، كما في أماكن أخرى من العالم، تُسبّب نزفاً في الشباب والعائلات الذين يبحثون عن مستقبل في مكان آخر، مع شعور عميق بالألم لمغادرة الوطن. بالتأكيد، يجب أن نعترف بأن أموراً إيجابية كثيرة تأتي إليكم من اللبنانيين المنتشرين في العالم. مع ذلك، يجب ألا ننسى أن البقاء في الوطن والمساهمة يوماً بعد يوم في تطوير حضارة المحبة والسلام، هو أمر يستحق التقدير».
وأشار إلى أن الكنيسة «لا تهتم فقط بكرامة الذين ينتقلون إلى بلدان أخرى، بل تريد ألا يجبر أحد على المغادرة وأن يتمكّن من العودة بأمان كل الراغبين فيها».
عون: لم نمت... ولن نرحل
من جهته، قال الرئيس اللبناني جوزيف عون إن لبنان تأسس من أجل الحرية لا من أجل دين أو طائفة أو جماعة، مؤكداً ضرورة الحفاظ على بلاده. وأضاف عون، خلال استقباله البابا بالقصر الرئاسي في بيروت، أن لبنان «وطن الحرية لكل إنسان. والكرامة لكل إنسان... وطن فريد في نظامه، حيث يعيشُ مسيحيون ومسلمون. هم مختلِفون لكنهم متساوون».
وتابع: «من هنا واجب الإنسانية الحية الحفاظ على لبنان. لأنه إذا سقطَ هذا النموذجُ في الحياة الحرة المتساوية بين أبناء ديانات مختلفة، فما من مكانٍ آخرَ على الأرض، يَصلحُ لها».
وشدّد عون على أنه «إذا زالَ المسيحي في لبنان، فسوف تسقط معادلة الوطن، وتسقط عدالتُها. وإذا سقطَ المسلمُ في لبنان، فسوف تختل معادلة الوطن، ويختلّ اعتدالها».
وحذّر الرئيس عون من أنه «إذا تعطل لبنانُ أو تبدّل، فسوف يكون البديلُ حتماً، خطوط تماسٍ في منطقتِنا والعالم، بين شتى أنواعِ التطرّفِ والعنفِ الفكري والمادي وحتى الدموي».
وقال الرئيس اللبناني، مخاطباً بابا الفاتيكان «صاحب القداسة، أبلغوا العالم عنا، بأننا لن نموت ولن نرحل ولن نيأس ولن نستسلم. بل سنظل هنا، نستنشق الحرية، ونخترع الفرح ونحترف المحبة».
حل الدولتين
وتأتي زيارة البابا لبيروت، على وقع مخاوف محلية من اتساع نطاق التصعيد الإسرائيلي على لبنان، رغم التزام السلطات بنزع سلاح «حزب الله»، بعد عام من سريان وقف لإطلاق النار أنهى حرباً مدمرة بين الطرفين.
وكان البابا أكد تمسك الفاتيكان بحل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، قائلاً في أول مؤتمر صحافي له على متن الطائرة التي أقلته إلى بيروت، إن هذا هو «الحل الوحيد» الذي يمكن أن يضمن العدالة للطرفين».