الاحداث- كتب مارون أبو حرب*
في خلال العقد الماضي، برزت الإمارات العربية المتحدة كإحدى أبرز الوجهات العالمية في مجال تنظيم الثروات الخاصة والتخطيط للوراثة، عبر إدخال أنظمة المؤسّسات الوقفية (Foundations) في مراكزها المالية الكبرى، وهي:
مركز دبي المالي العالمي (DIFC)، وسوق أبوظبي العالمي (ADGM)، ومركز رأس الخيمة الدولي للشركات (RAK ICC).
بالنسبة للمقيمين في الإمارات والأفراد الأوروبيين الباحثين عن أدوات فعّالة لإدارة الثروة العائلية وحماية الأصول وتنظيم انتقالها عبر الأجيال، تُعدّ المؤسسة الوقفية الإماراتية حلاً قوياً ومرناً.
ما هي المؤسسة الوقفية الإماراتية؟
المؤسسة الوقفية في الإمارات هي كيان قانوني يتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة، يُنشأ بموجب تشريعات خاصة بكل منطقة حرة.
يؤسسها “مُنشئ” (Founder) لا يمكن تغييره أو استبداله، وينقل هذا المؤسس الأصول لتُدار من قبل مجلس إدارة (Council)، وربما تحت إشراف وصيّ (Guardian) (اختياري)، لصالح مستفيدين محددين أو لتحقيق أغراض معينة.
وعلى عكس الشركات، لا تملك المؤسسات الوقفية مساهمين أو شركاء، بل هي كيانات “يتيمة” تملك أصولاً وتمارس أنشطة محدودة، وتُشبه الصناديق الائتمانية (Trusts) لكنها تتمتع باعتراف قانوني أوضح واستقلالية أكبر.
يمزج هذا النظام بين مفهوم “الفونداسيون” في القانون المدني ومبادئ الثقة (Trust) في القانون الأنكلوساكسوني، بحيث يمكن للمؤسسة أن تملك العقارات والأسهم وحقوق الملكية الفكرية باسمها الخاص، وفق قواعد حوكمة يحددها المؤسس في ميثاقها الداخلي.
النظم القانونية للمؤسسات الوقفية في الإمارات
- مركز دبي المالي العالمي (DIFC):
يخضع لقانون رقم 3 لعام 2018 الذي ينص صراحة على أن “المؤسسة كيان اعتباري يتمتع بشخصية قانونية مستقلة عن مؤسسها”.
يسمح بإنشاء مؤسسات لأغراض خيرية أو خاصة أو تجارية، ما يجعله إطاراً قانونياً مرناً ومعترفاً به دولياً.
- سوق أبوظبي العالمي (ADGM):
أُنشئ بموجب لوائح عام 2017 ويُشبه إلى حد كبير نظام دبي، لكنه يتميز بـسرّية أكبر؛ فهويات أعضاء المجلس غير مدرجة في السجل العام، ولا تُطلب تقارير سنوية إلا بناءً على طلب خاص من المسجّل.
- مركز رأس الخيمة الدولي للشركات (RAK ICC):
أُنشئ بموجب لوائح عام 2019، وهو خيار أكثر كفاءة من حيث التكلفة وسرّية المعلومات.
يشترط وجود وكيل مسجل ولا يوجد سجل عام للمؤسسات أو المستفيدين.
يتمتع هذا النظام باستقلالية قانونية واضحة ويُعتبر مثالياً لحماية الثروات العائلية وحفظ الخصوصية.
لماذا تستهوي المؤسسات الوقفية الإماراتية الأفراد الأوروبيين؟
تجمع هذه المؤسسات بين خصائص القانونين المدني والأنكلوساكسوني، وتتمتع باعتراف عالمي وحياد استراتيجي.
تضمن شخصيتها القانونية المستقلة فصل الأصول عن المؤسس، مما يحميها من مطالبات الدائنين ويقلل من المخاطر القانونية والنزاعات الوراثية.
وفي الدول الأوروبية التي تُطبّق قوانين الوراثة الجبرية (Forced Heirship)، يمكن للمؤسسة الوقفية أن تمنح المؤسس مرونة أكبر في توزيع أصوله بعد الوفاة بما يتوافق مع القوانين المحلية.
كما أن البيئة الضريبية المواتية في الإمارات تعزز جاذبية هذه الهياكل.
فبموجب المادة 17 من المرسوم الاتحادي رقم 47 لسنة 2022 بشأن ضرائب الشركات والأعمال، يمكن لبعض “المؤسسات العائلية” أن تُعامل ضريبياً كـ“شراكات غير مدمجة”، ما يعني أن الضرائب تُفرض على المستفيدين لا على المؤسسة نفسها، طالما أنها لا تمارس نشاطاً تجارياً مباشراً.
السرية والخصوصية
توفر المؤسسات الوقفية الإماراتية مستويات عالية من السرية:
ففي RAK ICC لا يوجد أي كشف علني عن الميثاق أو أسماء الأعضاء أو المستفيدين.
وفي DIFC وADGM، تقتصر الإفصاحات على الهيئات التنظيمية فقط، مما يضمن بقاء المعلومات العائلية والمالية في نطاق محدود وآمن.
هذه الخصوصية، مع الامتثال للمعايير الدولية مثل CRS وDAC6، تشكل عامل جذب مهم للأفراد الأوروبيين.
الفوائد العملية للأفراد الأوروبيين
يمكن للمؤسسة الوقفية أن تُستخدم لتجميع الأصول، وحماية الثروة العائلية، وضمان استمرارية الحوكمة.
فعلى سبيل المثال:
يمكن لرجل أعمال فرنسي أو إيطالي أن ينقل ملكية استثماراته العالمية إلى مؤسسة وقفية في مركز دبي المالي، محدداً أفراد عائلته كمستفيدين وفق لوائح واضحة.
كما يمكن لعائلة نمساوية تملك عقارات في أوروبا إنشاء مؤسسة في سوق أبوظبي العالمي لتوحيد الملكية ووضع قواعد توزيع متسقة مع القيم العائلية.
إضافة إلى ذلك، تُعد المؤسسة الإماراتية منطقة محايدة لامتلاك الاستثمارات العالمية، بمعزل عن التقلبات السياسية أو الضريبية في أوروبا، ويمكن استخدامها أيضاً لأغراض العمل الخيري المنظم ضمن بيئة قانونية مستقرة.
يجب على المؤسسين التأكد من أن الميثاق الداخلي للمؤسسة يعكس أهدافهم بدقة ويتوافق مع القوانين المحلية والدولية.
ويُوصى بالحصول على استشارات قانونية وضريبية متخصصة لضمان أقصى استفادة ممكنة.
وعند تنفيذها بشكل صحيح، يمكن للمؤسسة الوقفية الإماراتية أن تُشكّل أساساً لإرث عابر للأجيال، يعزز استدامة الثروة العائلية ويؤمن انتقالها المنظم على مدى طويل.
*محامي دولي