الأحداث - يشهد لبنان أزمة مياه متصاعدة، في ظلّ تراجع غير مقبول في معدلات المتساقطات. ومع بداية فصل الصيف، بدأت ملامح الجفاف تفرض نفسها في مختلف المناطق، ما دفع العديد من العائلات إلى الاعتماد بشكل أكبر على صهاريج المياه الخاصة لتأمين حاجاتها اليومية. الأزمة لم تعد محصورة بجغرافيا محدّدة، بل باتت تطول معظم المناطق اللبنانية، وسط غياب حلول جذرية طويلة الأمد وتخوّف من تفاقم الوضع في الأشهر المقبلة.مشهد الآليات التي تجوب الأحياء لتعبئة خزانات المنازل بات مألوفًا، ويعكس عمق الأزمة التي تزداد حدّتها مع ارتفاع درجات الحرارة وغياب أيّ مؤشرات على تحسّن الوضع في المدى القريب. وفي ظلّ هذا الواقع، تبدو أزمة المياه مرشّحة للتصاعد، لتُضاف إلى سلسلة الأزمات التي ترهق اللبنانيين يومًا بعد يوم.في حديث خاص مع "نداء الوطن"، حذّر مدير عام مؤسّسة مياه لبنان جان جبران من أزمة مائية حادّة تلوح في الأفق نتيجة الظروف المناخية القاسية التي شهدها لبنان هذا العام، مؤكّدًا أن المؤسسة بدأت بوضع خطط طارئة لتجاوز الأزمة بأقلّ الأضرار الممكنة.وأوضح أن لبنان لم يشهد شتاءً حقيقيًا هذا العام، ولم تتساقط الثلوج كما في السنوات الماضية، وحتى شهر كانون الثاني لم تسجل فيه أي نقطة مطر. وأضاف: "الآبار جفّت، سدّ شبروح لم يمتلئ، وكذلك سد القيسماني، أما الينابيع فقد شحّت بالكامل وكأن المطر لم يهطل هذا العام".أشار جبران إلى أن نسبة المياه التي تم تحصيلها هذا العام لم تتجاوز 30 % مقارنةً مع العام الماضي، ما ينذر بأزمة شاملة تطول مختلف المناطق، خصوصًا شمال لبنان حيث بدأت المعاناة مبكرًا.وبشأن الحلول المطروحة، كشف جبران أن الاتجاه سيكون نحو تقنين توزيع المياه، قائلًا: "المشترك الذي كان يتلقّى المياه ثلاث مرات في الأسبوع، سيحصل عليها مرة واحدة فقط حاليًا". وأوضح أنّ المؤسسة ستعيد تشغيل بعض الآبار التي سبق وتمّ إيقافها بسبب كلفتها العالية، رغم أن ذلك سيرتب مصاريف إضافية على المؤسسة وأضاف: "لقد أرسلنا خطة طوارئ إلى وزارة الطاقة ومجلس النواب، ونعمل حاليًا على تنفيذها ضمن الإمكانيات المتوفرة".أما عن الارتفاع الكبير في أسعار صهاريج المياه، فأرجع السبب إلى عاملين: أولًا، هناك من يستغل الأزمة لرفع الأسعار بشكل غير مبرر، وثانيًا، أصحاب الآبار الخاصة أنفسهم يعانون من نقص المياه في آبارهم، ما يرفع كلفة التشغيل.وختم جبران بالتأكيد على أن انقطاع المياه لن يكون كاملًا، مشدّدًا على أن المواطنين سيستمرّون في الحصول على المياه، لكن بكميات أقل بكثير مما اعتادوا عليه.بين شحّ المياه وانقطاعها المتواصل، لم يعد أمام اللبنانيين خيار آخر سوى اللجوء إلى أصحاب الصهاريج لتأمين حاجاتهم اليومية من المياه. إلّا أن هذا الحل البديل تحوّل بدوره إلى عبء إضافي، إذ إن الأسعار ارتفعت بشكل كبير، لتتجاوز في كثير من الأحيان قدرة العائلات على تحمّلها، خصوصًا في المناطق التي تشهد انقطاعًا شبه تام.يتراوح سعر الصهريج الواحد بسعة 1000 ليتر بين 8 و 10 دولارات، وذلك بحسب قرب موقع المنزل من ناعورة تعبئة المياه، إذ يشير أحد أصحاب الصهاريج لـ "نداء الوطن" إلى أن أصحاب النواعير رفعوا الأسعار بحجة ارتفاع كلفة الكهرباء وزيادة استهلاك المازوت لتشغيل المضخات. كما تختلف الأسعار بين منطقة وأخرى، وترتفع أيضًا بحسب موقع الخزّان، إذ تزداد الكلفة عندما تكون التعبئة على الأسطح نتيجة الحاجة إلى مجهود إضافي من قبل العمّال. أما الصهاريج الكبيرة بسعة 20 ألف ليتر، فتتراوح أسعارها بين 60 و 70 دولاراً.ومع حاجة معظم العائلات إلى أكثر من صهريج واحد أسبوعيًا، تتضاعف الكلفة، ما يضع الكثيرين أمام خيارات صعبة. وبينما لا تزال الأزمة الاقتصادية تضغط على مختلف تفاصيل الحياة اليومية، تصبح المياه - وهي أبسط الحقوق - رفاهية مكلفة.