الاحداث - رعى شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، ندوة بعنوان "البعد المواطني في وثيقة الأخوة الإنسانية للسلام العالمي والعيش المشترك"، بدعوة من المجلس النسائي اللبناني واللقاء للحوار الديني والاجتماعي وتجمع الجمعيات النسائية في الجبل، وذلك في قاعة جمعية الرسالة الاجتماعية في عاليه.
وتحدث في اللقاء مفتي الشمال السابق الشيخ الدكتور مالك الشعار، رئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف، رئيسة المجلس النسائي اللبناني عدلا سبليني زين، رئيسة تجمع الجمعيات النسائية في الجبل فريدة الريّس، بحضور الوزير السابق محمد الصفدي وعدد كبير من رجال الدين من الطوائف الإسلامية والمسيحية وشخصيات وفاعليات وأعضاء من المجلس المذهبي، وهيئات نسائية ومتنوعة.
النشيد الوطني استهلالا، وتقديم من نجوى البعيني، معتبرة أن "وثيقة الأخوّة الإنسانية تُجيب عن العديد من الهواجس التي تستبدّ بالبشرية، وهي إعلان مشترك عن نوايا صالحة وصادقة للمؤمنين بالله، ودعوة لتمتين قيم الخير والمحبّة والسلام، ومدّ يد العون للمعوزين والمحرومين والمهمّشين".
واعتبر المطران سويف في مداخلته أن "الوثيقة التي جاءت في لحظة تاريخيّة، هدفت إلى ترسيخ قيم السلام والتعايُش العالمي، بعد عقود من النزاعات والتطرّف، كما أن وثيقة Nostra Aetate "في عصرنا"، التي أصدرها المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1965، في أعقاب الحربين العالميتين، تمثل الجذور الفكرية لهذا المسار، إذْ فتحت الكنيسة الكاثوليكيّة بابًا جديدًا لاحترام التنوّع الديني ونبذ الكراهية وإعادة بناء جسور الثقة بين أتباع الديانات".
وإذ ربط بين الوثيقتين، أبرز أهمية "تحقيق العدالة الإنسانية والسلام المشترك، حيث تتزايد التحدّيات: مثل العولمة، والتطرّف العنيف، وصراعات الهوية، ما يجعلها دعوة مفتوحة لإيجاد حلول جماعية، لبناء مجتمعات مُتسامحة ومُتعاونة، والأمر الذي يساعدنا على ترسيخ ثقافة الحوار وقيم العيش المشترك، ويمنحنا رؤية واضحة لدور الأديان، كقوة إيجابية، تُساهم في مستقبل أكثر عدلاً وسلامًا للبشرية جمعاء".
ورأى أن "الاختبار اللبناني يعكس وثيقة الأخوّة الإنسانية ويُصبح نموذجًا للشرق والغرب، إنطلاقاً من هذا الجبل الشامخ، ومنذ قرون، فسيفساء دينيّة وثقافيّة فريدة، حيث تعايش المسلمون والمسيحيّون، بطوائفهم المختلفة، في إطار من الاحترام المتبادل، محقّقين عمليًّا مبادئ الأخوّة الإنسانية، قبل صدور الوثيقة نفسها. ثم تاريخ لبنان في احتضان التنوّع وتحويله إلى مصدر قوّة حضارية ودوره لكونه أكثر وأكبر من وطن، هو رسالة الحرية واللقاء والحوار والتنوّع والعيش معًا. جبل لبنان تحديدًا، رغم التحدّيات والآلام التي ولّدت الجراح، كان عبر التاريخ مركزًا للحوار واللقاء بين مختلف المكوّنات، مما يجعله رمزًا للأمل، وان التزام لبنان بروح الأخوّة الإنسانية، يُثبت بأن السلام ممارسة متجذّرة في تاريخه".
كما تناول "المبادئ الجوهرية للأخوّة الإنسانية، مثل كرامة الإنسان والسلام عبر الحوار، ورفض العنف والتطرّف، والمصالحة والغفران، وخدمة الإنسان فوق كل انتماء، بما يتخطّى الفوارق الدينيّة والسياسيّة نحو تعاون اجتماعي وإنساني وتربوي مشترك، لتعزيز المواطنة والولاء للوطن والبيت المشترك"، معتبرا ان "المواطنة ترجمة للأخوّة، ولتعزيز دولة القانون وإصلاح النظام التربوي، ومؤكدا أن "التعدّدية غنى وليست تهديدًا للآخر، والحوار شرط للاستقرار، الى جانب دور المجتمع المدني والمبادرات الشبابيّة، الذين عاشوا جغرافيًا بعيدين عن بعضهم بعضًا، بعد الحرب اللبنانية".
ودعا الى "تحويل التعدّدية الدينية إلى قوّة بنّاءة، وإطلاق مبادرات إنسانية مشتركة، وتجديد الخطاب الديني والذاكرة التاريخيّة، وصون وحدة العائلة ونموّها السليم، وتفعيل روح العطاء والعمل التطوّعي".
بدوره، رأى المفتي الشعّار أن "الإنسان أخٌ للإنسان وهذه قضيةٌ حتميةٌ وأساسيةٌ وجوهرية، وفي الحديث النبوي: "الخلق كلهم عيالُ الله وأحبُهم إلى الله أنفعهم لعياله "، وفي حديث آخر يقول: "خيرُ الناسُ أنفعهم للناس".
وتناول الوثيقة، انطلاقا من "أن السلام بدونه ينعدم ويستحيل التعايش المشترك، والأخوَّةُ هي المضمون للعلاقة الإنسانية لتجعل للحياة طعمًا، فالأخوّة والإنسانية هي بحد ذاتها إطار جامع لكل أبناء الوطن المتعدّد والمتنوّع، كما أنها مصدر التلاقي والتعاون والتوازن في الحقوق والواجبات بين أبناء المجتمع الواحد والوطن الواحد، فلا إقصاء لأحد فردًا كان أم جماعة، طائفةً كانت أم مذهبا أم قبيلة، وليس هناك ما يسمّى أقليّات تبعًا للعدد السكاني، هناك إنسان وأخوّة بين الإنسان والإنسان ومواطنة أي هناك انتماءٌ للوطن. والولاء للوطن لا يصطدم مع القيم الدينية أو الرسالات السماوية، ولا يعني أن نترك ديننا أو معتقدنا أو قيامنا بواجباتنا الدينية فالوطن بدستوره وقانونه كفل لكل واحد حريته الدينية وممارسته لشعائر الدين دون قيدٍ أو شرط وحفظ دور العبادة وأماكنها، والحق بإقامة الأعياد".
وتطرق الى "البعد الوطني في الوثيقة في مجال الحرية، التي هي عطاءٌ من الله الخالق الموحد وهبةٌ، وسلبُها يعني سَلْبَ الكرامة الإنسانية، وحاجة الإنسان إلى الحرية كحاجته إلى هواء الجبل النقي، فيما أخطر حقوق الآخرين، هو حق الدولة على المواطني. فليس جائزًا أن يخالف المرء القوانين المرعية الإجراء حتى ولو كان في منأىً عن الناس، وليس من حق أحد أن يمارس عملاً بحجة الحرية، تعودُ بالضرر على الدولة أو الوطن. فالحرية صفةٌ إنسانيةٌ بامتياز، ومن خلالها يترقى أبناء الوطن، ولم تكن الحرية يومًا تعني أيّ معنىً من معاني الاعتداء على ما يخالفنا أو إرهابُ من عاكسنا".
كما تناول الشعار "القيم المستقاة من الرسالات السماوية المسيحية والإسلام، ولو تأمّل الناسُ وتدبّروا هذه القيم لأَدركوا إنها صمام أمان المجتمع"، وايضا الإنسان، الذي كان ولم يزل وسيبقى القضية الأم في هذه الحياة، ومن أجله كانت الرسالات وكان الأنبياء والمرسلون، بل من أجله كانت الحياة".
أخيراً، ألقى شيخ العقل كلمة مرتجلة، قال فيها: "أذكر بالذي كان يشغلنا في البدايات لا سيما أبان تلبُّد الغيوم السوداء التي مرّت على لبنان والتي يجب اخذ العبر منها وصولا الى الانخراط في مسيرة المصالحة وبالتالي الحوار، الذي تخصصتُ في مجاله لأهميته الاجتماعية والثقافية المستمدة من حقيقة الأديان، وفي طرابلس حيث التقينا سابقا في لقاء التضامن الروحي، وكانت أولى قصائدي الشعرية بهذا المجال، قلت يومذاك:"أخي في رحاب الله، واللهُ شاهدُ، يوّحدنا بالحق، والحقُ واحدُ".
أضاف: "عشنا تلك التجربة عن كثب الى أن برزت وثيقة الأخوة الإنسانية التي جعلتنا نفكّر ما نحمله بأدبياتنا ما قاله أيضاً الإمام علي: "الناس صنفان، إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق"، فالأخوة إذا في الدين، وهو ما لحظته الوثيقة "إنه أخٌ لك في الإنسانية ايضا". فمن منطلق وثيقة الأخوة الإنسانية التي أكدت في مضامينها على البعد الوطني لاحترام الكرامة الإنسانية، حرية الإنسان كما المجموعات، احترام هو الأساس وليس التكفير والتعصّب والعنف باسم الدين وباقي المصطلحات التي برزت مع بدايات القرن الحادي والعشرين ضمن موجات التطرف والقتل، حتى أنها امتدت أخيراً الى سوريا في ما هو مؤلم وخطير بأن ينتشر التطرّف من جديد المحرَّك بأيدٍ خفيّة تريد شرّاً لهذا المشرق العربي، الذي نعتز بالانتماء اليه كما نعتز بهويتنا العربية والإسلامية ووطنيتنا، وكل في موقعه وبيئته وطائفته ومنطقته".
وتابع: "إننا نؤكد على احترام التنوع في الوحدة، لأنه لا يمكن لاي طائفة مهما علا شأنها وكثر عددها أن تتفرّد بالوطن، مهما كان الوطن كبيرا أم صغيرا، نحن مع روح الدين الطيبة ولكن مع مرتكزات وثوابت الدولة التي يجب أن تستمد روحيتها من روحية الدين، لا أن يكون الدين مسيطرا على الدولة وعامل تحدّ وتفرقة. روح الدين وقيمه وركائز الإنسانية والأخلاقية مسار مجتمعي عام وليس هو الدولة ومتى توفر ذلك فإننا نلتقي معا على تلك المساحة المشتركة".
واستطرد: "وثيقة الأخوة الإنسانية ركزت على الحوار، والحوار هو البحث عن المساحات المشتركة وتوسيعها، وليس لجلب الآخر الى معتقدي ومنطقتي، فيما المطلوب هو أن نكون جميعا في المنطقة الوسطى المشتركة بكل ما تحتويه من قيم إنسانية وأخلاقية واجتماعية ووطنية وفي مواضيع البيئة والأرض والقضايا الكبرى وحتى العالمية في مواجهة تحديات كبرى تواجه مجتمعاتنا، مثل الانحراف والإلحاد وتدمير البيئة والإنسان، كلها عوامل نلتقي على مواجهة مشتركة لها، لذا فالوثيقة أكدت أيضاً على تلك المشتركات وعلى الحوار والتلاقي حولها. أما الدين فليس هو الغاية وإنما هو الوسيلة الفضلى لتحقيق الغاية، والغاية هي الإنسان، وتحقيق إنسانية الإنسان، بمنأى عن التطرف والتعصب والتقوقع، فعسى أن نستطيع تحقيق تلك الغاية".
وختم شيخ العقل بشكر جميع الذين عملوا لإنجاح الندوة، مرددا أبياتاً من قصيدة قالها في احتفال يوم التضامن الروحي 13 كانون الأول 2014، قائلا: قُمْ ناجِ ربَّك، عاندْ مَن يُعاندُهُ، وصارعِ الشرَّ وﭐصرعْ مَن يُساندُهُ، مَن قال إنّ سلاحَ الدِّينِ "قُنبُلةٌ"
أو حدُّ سيفٍ، رعايانا طرائدُهُ، مَن قال إنّ سبيلَ الله يُدرِكُه، مَن عطَّلَ العقلَ، والإرهابُ رائدُهُ، مَن كفّر الناسَ، مَن أفتى بقتلِهُمُ
ونفّرَ الخلقَ، والحُمّى تُعاودُهُ، مَن حجّمَ الدينَ في قولٍ وفي عملٍ، وحجّرَ الفكرَ، فاختلّت عقائدُهُ، مَن ألبسَ الوحيَ ثوباً من تخلُّفِه
ولوّنَ النصَّ أهواءً تُراودُه، قُمْ يا أخي في حِمى الرَّحمن، ليس لنا، إلّاهُ مثوىً، نُناجيهِ، نُعاهِدُهُ، مقاصدُ الدينِ في الأديانِ واحدةٌ
واللهُ يقبلُ مَن طابتْ مقاصدُهُ، الدينُ غايتُه الإنسانُ، جوهرُه الانسانُ، والعَرَضُ الفاني زوائدُهُ، إن لم نُجاهدْ لأجلِ الناسِ، لا أملٌ
بأيِّ جُهدٍ، ولا في ما نُجاهدُهُ، وإن رضينا ﭐحتقارَ الناسِ، باطلةُ كلُّ العباداتِ، لا تُجدي معابدُهُ".