
ما بين "الساحل السوري" و"صواريخ الاردن" بروفا لأي سيناريو؟
الاحداث - كتب جورج شاهين في صحيفة نداء الوطن يقول:"ما من خلاف بين المراجع الديبلوماسية والعسكرية حول حجم القلق مما تعيشه المنطقة من تقلّبات نتيجة مجموعة من السيناريوهات التي توحي بوجود نزاع كبير لن تنتهي فصوله في وقت قريب. فالصدمة التي يعيشها "محور الممانعة" ما زالت تتفاعل، وسط عدم رغبة البعض بالاعتراف بحجم الخسارة التي مُني بها في لبنان وسوريا وصولاً إلى العراق واليمن، في وقت يعتقد البعض انّ الحل سيأتي من مفاوضات الملف النووي الإيراني. وإلى تلك المرحلة، ما زالت المواقف عاجزة عن قراءة الغد. وهذه بعض المؤشرات الدالّة.
تعترف مراجع ديبلوماسية وعسكرية بعجزها عن قراءة مستقبل التطورات والأحداث المتسارعة في المنطقة، نظراً إلى حجم المفاجآت التي تحملها مع كل حدث تشهده عقب مخلّفات عمليتي "طوفان الأقصى" و"حرب الإسناد"، وما بينهما من مجموعة الحروب الصغيرة التي توسعت رقعتها لتشمل المنطقة كاملة على خلفية مَن تجاوب مع خطط "وحدة الساحات" والآلية التي اعتمدتها إسرائيل للمواجهة، بعد أن استجرّت دعماً اميركياً ودولياً غير مسبوق، في اعتبارها حرباً وجودية تقودها طهران، وخصّصت لها ما امتلكته من قدرات في مجموعة العواصم العربية التي ادّعت أنّها باتت تديرها منذ سنوات عدة عن طريق قيادة "الحرس الثوري" الإيراني.
وعلى رغم من مجموعة النكسات التي أصابت "محور الممانعة" نتيجة ما انتهت إليه مجموعة الحروب في قطاع غزة ولبنان، وصولاً الى المشاركة اليمنية والعراقية وسقوط النظام السوري الذي لم يكن امراً متوقعاً بهذه السرعة القياسية، فأنّها لم تؤدِ بعد إلى رفع "العلم الأبيض"، في إشارة واضحة إلى "الاستسلام الممنوع". وكل ذلك يجري على خلفية اقتناعها بأنّها لا تزال تحتفظ بعدد من أوراق القوة - ولو كانت محدودة – التي تسمح لها بإعادة قلب الأوضاع حيثما استطاعت في مجموعة الدول والعواصم المنكوبة، اعتقاداً منها بأنّ ممكناً ذلك من خلال العمليات المتفرقة ولو على دفعات متقطعة، لإزعاج الأنظمة الجديدة أو إبطال بعض الإجراءات التي اتُخذت لوقف مدّها ومنع قيام أي عملية تمسّ أياً من أنظمة المنطقة.
وعند الدخول في التفاصيل، تعترف هذه المراجع انّ هناك كثيراً من المؤشرات التي يمكن أن تقود إلى هذه المعادلة البسيطة. وهي من خلال قراءتها لبعض الأحداث، يمكن ان تنسج سيناريوهات قد تنطبق على ما جرى في الساحل السوري ومنطقة الأكراد وفي عدد من المحافظات وصولاً إلى أرياف دمشق وجنوبها كما في الأردن، من خلال الكشف عن شبكة كانت تسعى إلى تصنيع صواريخ متوسطة المدى وتجهيز وحدات تسمح لها باستخدامها لأعمال أمنية مخلّة بالأمن الداخلي وربما أكثر.
ولتعزيز هذه النظرية، تضيف المراجع عينها، انّ الهجمات المنظّمة التي شنتها وحدات سورية وصفت بأنّها من مخلّفات النظام، على مراكز الأمن العام السوري في عدد من أقضية الساحل السوري ومدنه وأريافه ومحيط دمشق، كانت تهدف إلى إحداث البلبلة في صفوف النظام الجديد، الذي لم يكن بعد قد شكّل قواه العسكرية والأمنية الداخلية، كما بالنسبة إلى الوحدات المكلّفة حماية الحدود وإدارة المعابر البرية مع جيران سوريا. وهي وإن جاءت في توقيتها مع أحداث الشمال مع مسلحي "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وتلك الجارية في الجنوب حيث الانتشار الدرزي، كانت كافية لدقّ الإسفين الأول في جدار النظام الجديد، وإظهار عجزه عن الإمساك بكل الأراضي السورية، وجاءت ردّات الفعل الفورية والعاجلة لتُسقط هذه العملية وتبقيها ضمن إطارها المحدود، على رغم من حجم الضحايا الأبرياء الذين سقطوا في عقر الساحل السوري ومناطق مختلفة من حمص وحماه ومناطق في أرياف دمشق.
وإن استُغلت المحاولة التي نُسبت إلى "محور الممانعة" ومخلّفات "النظام السوري المنهار" نقاط الضعف في خواصر "النظام السوري الجديد" لمجرد انّها استهدفت المناطق الرخوة والحساسة، كتلك التي تكتسب الأحداث فيها الطابع الطائفي والمذهبي من مناطق الأكثرية الكردية في شمال شرق سوريا إلى الأكثرية العلوية في الساحل والدرزية في جنوب غرب البلاد، فقد استُهدف الأردن بنقطة ضعفه في إمكان استغلال نمو التطرّف الإسلامي المتمثل بمجموعات "الإخوان المسلمين" الذين يضمرون المكائد للنظام الملكي فيه، فأُعطيت العملية التي باتت تُعرف بشبكة "صواريخ الاردن" الصفة عينها على أنّها من مخططات المحور المصاب في المنطقة ومحاولاته الدؤوبة لإحياء مظاهر القوة وتأكيد استمراره موحّداً على رغم من مجموعة الضربات التي استهدفته.
وعليه، فقد جاء الربط الأردني الرسمي على لسان القادة الحكوميين والعسكريين الكبار، وما جنّده النظام من مواقع المسؤولية للكشف عن الشبكة التخريبية، بأنّ للمتهمين قواعد خلفية في لبنان، كان يهدف إلى التواصل بين ساحات المحور مجدداً وإظهار قدرته على النهوض والتحرك في الساحات التي اعتقد البعض انّه تمّ "تطهيرها" والقضاء على مصادر قوته فيها نهائياً. ولتجاوز الصور التي أُعطيت عن عملية تصفية تجري في العراق لكل المجموعات المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وجمع أسلحتها، خوفاً من ردّ الفعل الأميركي إن نقلت واشنطن تجربتها اليمنية الاخيرة إلى الساحة العراقية. وكل ذلك يمكن ربطه بالعملية الكبرى التي بدأتها القوات الأميركية للقضاء على قدرات الحوثيين في اليمن وتدمير قدراتهم العسكرية والمرافق العامة، بالإضافة إلى استهداف قادتهم للمرّة الاولى منذ العام 2015.
على هذه الخلفيات تعتقد المراجع الديبلوماسية والعسكرية انّ الربط بين كل هذه الأحداث يعدّ منطقياً وواقعياً، وليس من الصعب التوصل إلى هذه النتيجة الحتمية في ظل الحديث المتنامي منذ اللحظة الأولى لما انتهت إليه العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان وقطاع غزة وسوريا، والانتقال إلى مرحلة إعادة النظر في شكل الشرق الاوسط الجديد وخرائطه الجديدة وطريقة تقاسم مواقع القوة فيه. ذلك انّ كل القوى الإقليمية المنخرطة في هذا النزاع قد تمّ فرزها. وفي مقابل زوال بعض القوى برزت أخرى ليس من الصعب الإشارة اليها إن تمّ رصد ما حققته تركيا وإسرائيل من مكتسبات سياسية وعسكرية وديبلوماسية، وباتت على شفير مواجهة متكافئة لن تستفيد منها أي قوة منهما.
وانطلاقًا مما تقدّم يمكن فهم التوجّهات الأميركية الجديدة التي تحاول حسم الخلافات بين القوى المتعاونة معها. فهي تبحث عن مخارج تحول دون أي مواجهة عسكرية تركية ـ إسرائيلية في موازاة حماية بعض الأنظمة التي تريد الحفاظ عليها، كما هي الحال في الأردن ولبنان والعراق ودول الخليج العربي باستثناء اليمن، في انتظار فهم الخريطة الجديدة التي تريدها لسوريا واليمن ومستقبل إيران، بعد إبعاد أذرعها عن المشهد السياسي حيث هي في عدد من بلدان المنطقة.