من الصحف

"انقلابات سوريا من مقاهي الحمرا" ممنوعة سعودياً

الاحداث- كتب آلان سركيس في صحيفة نداء الوطن يقول:"دخلت المملكة العربية السعودية في صلب اللعبة اللبنانية بعد طول غياب. وتعمل على حلّ الملفات الاستراتيجية. وساهم الوضع السوري في ارتفاع منسوب الاهتمام السعودي بالملف اللبناني.

كانت مُفاجئة زيارة الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان إلى بيروت. أتت من دون إعلان سابق، وهدفت إلى نقل رسالة واضحة إلى القيادات اللبنانية بارتباط أمن سوريا بأمن لبنان واللعب بالوضعية السورية من قبل "حزب الله" وغيره هو خط أحمر غير قابل للنقاش.

 

جال بن فرحان على القيادات، وبين كل لقاء ولقاء رسائل مهمّة، الرسالة الأولى هي عودة لبنان إلى الحضن العربي ووضعه تحت مظلّة الاهتمام السعودي المباشر، والاستعداد للتدخل السريع كلما دعت الحاجة وإرسال موفدين.

 

أما الرسالة الثانية فكانت للدولة اللبنانية، حيث أكّد بن فرحان وجوب تحمّل الدولة مسؤولياتها سواء في الداخل أو مع "حزب الله" أو على الحدود اللبنانية - السورية، فلا يجوز إبقاء الحدود مُشرّعة، والمال والسلاح والمقاتلون يدخلون من دون حسيب أو رقيب. لا تستطيع الدولة اللبنانية أن تشكو من تعديات من الجانب السوري وفي المقابل لا تحرّك ساكناً من أجل ضبط تحركات "الحزب" ونشاطاته.

 

وتتمثّل الرسالة الثالثة بتأكيد المملكة متابعة الملفات التي تمّ الاتفاق عليها خلال لقاء السعودية بين الطرفين اللبناني والسوري حتى النهاية، وأبرزها ملف ترسيم الحدود وضبطها وتنظيم العلاقات المشتركة.

 

وأرسل الموفد السعودي بن فرحان رسالة رابعة مهمة إلى من التقاهم خصوصاً قيادات الأطراف، واعتبر أن الرياض ستساعد لبنان عند قيام الدولة اللبنانية بتنفيذ كل تعهداتها، وكذلك ستكون هناك تنمية للأطراف والمناطق المحرومة بدعم سعودي.

 

تريد الرياض النجاح في الملف السوري، فهي عملت على استرداد العواصم العربية الأربع التي احتلتها إيران. وبعد النجاح في تحرير معظمها وسقوط محور "الممانعة"، انتقلت المملكة إلى تثبيت الأرضية السياسية والأمنية في هذه الدول. وتحتل سوريا أهمية استراتيجية لأنها تؤثر على سياسة المنطقة بأكملها.

 

وتعرف الرياض جيداً أن بقاء أحزمة الفقر والحرمان في عكار والشمال سيخلق بيئة حاضنة للفوضى يستغلها من يعمل على زعزعة الأمن ويخلق مشاكل للنظام السوري الطريّ العود، ومن السهل استغلال العنوان السني والإسلامي من أجل التحريض. وانطلاقاً من كل هذا، تدخل تنمية المناطق الحدودية وإصلاح الدولة في صلب الخطة الأساسية من أجل القضاء على أي بؤرة ستكون الحاضنة للتطرّف وزعزعة الاستقرار.

 

يتحرّك السعودي في الوقت المناسب، وهو المتعمّق في التاريخ والجغرافيا. لبنان كان سويسرا الشرق وبلد الحريات والأفكار السياسية وصراع الإديولوجيات. وشكّلت بيروت ملاذاً لكل مضطهد سياسي ومعترض على نظام بلاده. واستغلت أجهزة الاستخبارات العربية والعالمية حجم الحريات في بيروت قبل الحرب وتحركت وفقاً لمصالحها.

 

وسادت مقولة شهيرة من عام 1943 إلى 1970، تاريخ وصول حافظ الأسد إلى السلطة، بأن انقلابات سوريا كانت تحضّر في مقاهي الحمرا. واستناداً إلى التجارب التاريخية، وبعد سقوط نظام الأسد وانهيار محور "الممانعة"، تتخوّف السعودية من استغلال "حزب الله" وطهران الواقع اللبناني الهش والفلتان الموجود لينطلقا في رحلة زعزعة أمن سوريا واستقرارها.

 

ما يزال نظام أحمد الشرع في سوريا طري العود، ولم يستطع الرئيس جوزاف عون استكمال رحلة عودة الدولة وبسط سلطتها بعد سيطرة "حزب الله" عليها سابقاً وخروج لبنان من حرب مدمّرة، لذلك ترتفع المخاوف السعودية في هذا المجال، فلا يمكن الاتكال على النوايا.

وتطالب الرياض الدولة اللبنانية بتحرّك حازم وصارم، حفاظاً على أمنها الداخلي ومنعاً لزعزعة استقرار النظام السوري الجديد. وهذا الأمر يُفسّر سرعة زيارة بن فرحان إلى بيروت ومحادثاته مع القيادات اللبنانية تزامناً مع زيارة الرئيس نواف سلام إلى دمشق، وبالتالي يدخل لبنان وسوريا مرحلة جديدة تتوضّح معالمها، وأبرز تلك المعالم عدم وجود أي سلاح غير شرعي قادر على التحرك ودعم جماعات قادرة على زعزعة العواصم العربية التي تحررت.