الحركة الفرنسية: مجرّد تسليط للضوء
الاحداث- كتبت هيام القصيفي في صحيفة الاخبار تقول:"لا تخترع الحركة الفرنسية الرئاسية المتجدّدة أي خطوة استثنائية. لكنها تعكس تقاطعاً فرنسياً مع التحولات في المنطقة، خشية على لبنان ومستقبله، فتبقيه على خريطة العمل الدائم بتسليط الضوء عليه
رغم الحرب المشتعلة جنوباً، والانهيار الاقتصادي والفراغ السياسي والمشكلات الأمنية، لا يزال لبنان يتمتّع بمظلة مانعة للانفجار الكبير. لا الحرب الإسرائيلية بمعناها الواسع اندلعت، رغم وصول التهديدات الإسرائيلية إلى حد غير مسبوق في مراحل مختلفة من الأشهر الثمانية الماضية، ولا أدّت المشكلات الداخلية إلى توترات لا يمكن إخمادها. لذا تحاول دول راعية للاستقرار القيام، مرة تلو أخرى، بجولة اتصالات تتعلق بمختلف الملفات الحساسة التي تواجه لبنان. فبدأت أولاً بالقرار 1701 ومتفرعاته، ما استغرق أسابيع من مداولات وجولات موفدين غربيين في شكل مكثف، وصلت في النهاية إلى نقطة يتيمة، وشرط وحيد وضعه حزب الله: لا كلام قبل وقف حرب غزة. علماً أن منتقدي الحركة الغربية في ما يتعلق بتفعيل القرار 1701، لاحظوا غرق الموفدين في بديهيات تنفيذ القرار وما جاء في صلبه، وما لا يحتاج معه هؤلاء أو الأمم المتحدة إلى تفسيرات جديدة تُعطى له لتطبيقه. في حين أن مجرد ربط حزب الله المطالب الغربية بوقف حرب غزة، يعني أنه سجّل تقدماً في هذا المجال.لكن إيجابية الحركة الدولية في شأن القرار 1701 هي أنها ساهمت، بالحد المطلوب، في ضبط إيقاع الحرب على لبنان وعدم توسعها، وداخلياً أبقت الرعاية الدولية عليه. واليوم، مع الإصرار على تفعيل الاتصالات في شأن رئاسة الجمهورية في لبنان، يتكرر الأمر نفسه، لأنه يعكس رغبة خارجية عربية وغربية في الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار. هذه خلاصة فرنسية في الكلام عن ملف الرئاسة، الذي لا يعوّل الأميركيون أو السعودية أو فرنسا على التقدم فيه خطوة واحدة، ما دامت إيران تقف في وجه أي محاولة لانتخاب رئيس خارج محورها.
لكنّ الخلاصة الفرنسية لا تبدأ فقط بالنوايا الحسنة التي يبديها الموفد الفرنسي جان إيف لورديان تجاه لبنان، بل في خصوصية تفعيل الحركة الفرنسية لتحريك المياه الراكدة، بعدما استنفدت اللجنة الخماسية عملها، وما يمكن أن يشكل دفعاً لوضع لبنان إلى الواجهة، ويتعدى الانتخاب الرئاسي في حد ذاته. وهي تعطي أهمية لما يُرسم للمنطقة من تحديات بعد حدث 7 تشرين الأول، بتأثيراته على مستقبل لبنان. فأي مقاربة للملف الرئاسي لم تعد تتعلق بخطوات تقنية، أو باقتراحات تشبه تلك التي حصلت قبل انتخاب الرئيسين ميشال عون وميشال سليمان. فقد دخلت على خط رئاسة الجمهورية عوامل جديدة تطاول المنطقة كلها، ولم تعد الرئاسة محصورة بإتمام استحقاق دستوري وتشكيل حكومة، أو أي سلة اقتراحات تتعلق بالأشخاص أو التعيينات وبتركيبة المؤسسات، لأن ذلك يعني التعامل مع حرب غزة وكأنها لم تكن، رغم كل المفاعيل التي أحدثتها في المنطقة، ولبنان في صلبها. كما أن ما يميّز التعامل مع ملف الرئاسة اليوم عن سابقتيه الأخيرتين، هو أن عناصر داخلية فرضت نفسها، تتعلق بأوضاع القوى السياسية الأساسية التي طاولها فقدان القدرة على التأثير أو التراجع السياسي والانسحاب من الواجهة. والأكثر أهمية هو الكلام الذي تناول النظام اللبناني والمطالبات بالفيدرالية أو التقسيم أو إعادة قراءة الطائف، كلها دخلت على خط الكلام عن مستقبل لبنان، مهما كان التفاوت في حجم تأثيره عملانياً.
على الأرجح أن لبنان سيطوي سنة ثانية من الفراغ الرئاسي
في المقابل يعكس الأداء الداخلي تجاه مبادرة فرنسا وتحرك الموفد الفرنسي، تقليلاً من أهمية الإطار الأوسع للحركة، وحصرها في بنود تقنية وتسميات ومبادرات سبق أن طُرحت مراراً من دون أن تصل إلى نتيجة. ولا تزال غالبية القوى المعنية تتصرف وكأنّ الانتخاب مجرد عملية احتساب أصوات وأسماء مرشحين، من دون الأخذ في الاعتبار أن ما تتعامل به السعودية والولايات المتحدة واليوم باريس يتخطى لازمة انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة الاعتبار إلى الموقع الماروني وانتظام عمل المؤسسات. فانتخاب رئيس في هذا الظرف من دون إطار شامل للحل وانتظار ما ستسفر عنه مفاوضات المنطقة برمّتها، يعني مجرد تقطيع للوقت وإبقاء لبنان تحت وطأة كل مشكلاته الاقتصادية والسياسية والأمنية.
لذا تكمن الخشية الفرنسية في ألا تُترجم الرغبة الحقيقية لدى عواصم عربية وغربية بتحييد لبنان عن تحولات الشرق الأوسط، بانتخاب رئيس للجمهورية من ضمن إطار شامل لضمان مستقبله، ولا سيما أن باريس تدرك كما غيرها أن أوان الحل لم يحن بعد، وتالياً، فإن الدخول مجدداً في مرحلة انتظار انتخابات إيران الرئاسية، ومن ثم الانتخابات الأميركية، يؤدي حكماً إلى أن يطوي لبنان سنة ثانية من الفراغ الرئاسي ومعها على الأرجح سنة أولى من حرب غزة، في حين أن ما تحاول الدفاع عنه هو ما تعتبره خطراً وجودياً. وهذا الكلام قيل عندما عُيّن لودريان موفداً إلى لبنان، لكنه يحمل مدلولات أخرى بعد حدث 7 تشرين الأول.