مؤتمر "إعلاميون ضد الكراهية" بدأ أعماله في الاردن ودعوة إلى تأسيس ائتلاف إعلامي عربي لمكافحة خطاب الكراهية
الاحداث- افتتح، صباح اليوم، في العاصمة الأردنية عمّان مؤتمر مجلس حكماء المسلمين «إعلاميون ضد الكراهية» أعماله برعاية الأمير غازي بن محمد، عضو مجلس حكماء المسلمين، كبير مستشاري ملك المملكة الأردنية الهاشمية الملك عبدالله بن الحسين، في حضور أبرز الإعلاميين العرب.
المومني
استهل المؤتمر بكلمة لراعي المؤتمر الأمير غازي بن محمد ممثلًا بوزير الدولة الأسبق لشؤون الإعلام السابق في الاردن الدكتور محمد المومني.وقال فيها:"لقد أدرك الأردن وقيادتُه أنّ جهودَنا في الدّفاع عن قيمِ دينِنا لا تكون فقط مع الآخر من باقي دول العالم ومجتمعاته؛ بل هي أيضاً معركةٌ داخلية، لتقفُ بوجهِ القلّة من المسلمين ممن استغلوا الدّين وامتطوه لأسبابٍ ومآربٍ سياسية، ومنهم ومع كلّ أسفٍ من لوّث قيم الدّين وحرّفه ليروّج للعنف والإرهاب؛ فكانت المعركةُ الفكرية الداخلية حتميةً وضرورية، لكي نخلّص الدين من مستغلّيه وحارفيه.
وقد أعلن الأردن مبكراً، بكلّ شجاعة وقوة، أن الحربَ على الإرهاب، هي حربُنا، حربُ العرب والمسلمين، ليس فقط لأن الإرهاب شرٌ على الإنسانية لا بدّ من وقفه، أو لأننا جزء من حضارة إنسانية ندافع عن قيمها، بل لأنّ الإرهاب والمجازر كانت تُرتَكَبُ باسم الدين الإسلامي الحنيف، والإسلام منها براء.
واتساقاً مع واجب الأردن، ودوره الدينيّ والإنساني والعروبيّ، فقد قدّم مباردات عدّة لنشرِ التسامح والوئام، والأخوّة والتعاضد والتعاون، وتجلية الصورة الحقيقية الناصعة للإسلام الوسطي المعتدل السمح، فكانت "رسالة عمان" العميقة والعظيمة، وهي الرسالة التي كتبَها وتوافق عليها خيرة الخيرة من علماء الأمّة المسلمين وفقهائهم، فكانت رسالةٌ مكثّفة مختصرة عن فحوى الدّين وقيمِه، ومراميهِ ومقاصدِه، تقول للعالمِ أجمع ما هو الدّين الإسلامي، وما هي قيمه الجليلة والنبيلة، وقد أخذت انتشاراً واسعاً وحضوراً عالمياً، وحظيَت بالثناء من قبل أعلى المرجعيات الدينية والثقافيّة والإنسانية الدولية، وتُرجِمَت لعشراتِ اللغات وتعقَدُ لها المؤتمرات السنويّة.
كما تبنّى الأردن مبادرة "كلمة سواء" في عام 2007، التي تدعو لحوارِ الثقافات والأديان، لتعظّم ما يجمعهم وتعليه، وترسّخ قيم التسامح والإنسانية والتعاضد والتعاون، وقد انبثق عنها عدة مراكز ومبادرات حوار بات لها حضورُها المميز. وكان أيضاً أنْ تبنّت الأمم المتحدة، وباقتراح من الأردن، مبادرة "إسبوع الوئام بين الأديان" عام 2010 لنشر الوئام والمحبة والسلام بين الأديان والثقافات، لينهضوا معاً بمنظومة القيم الإنسانية العالمية التي ترسّخ السلامَ وتنشرُ المحبة.
أضاف:"لا يوجد أنبل ولا أرفع من مقاصد اجتماعكم هذا، الذي تعقدوه للبحث في سبل مواجهة خطاب الكراهية، الذي اجتاح فضائاتنا الإعلامية والاتصالية، فزرع الفرقة والفتن تحت شعار حرية التعبير، وهو ليس كذلك، ولا يمت للحرية بصلة، بل هو خطابٌ طارىءٌ بغيض ووباءٌ يجتاحُ مجتمعاتنا. وأنكم في مسعاكم هذا، إنما تواجهون واحداً من ثلاث تحدياتٍ رئيسة تواجه الإعلام في زماننا هذا؛ وهي انتشار خطاب الكراهية، وبث الأخبار الكاذبة والمزيّفة، والتنمّر وانتهاك الخصوصية من قبل بعض وسائل إعلام غير مهنية، التي استغلّت التطور المضطرد في وسائل تكنولوجيا الإعلام والاتصال.
هذا تحدٍ كبير تواجهه الدول والمجتمعات، وقد بات عاملاً أساسياً من عوامل الفرقة ونشر الفتن بين الناس، وعلينا جميعاً أن نجدَ الوسائل لمواجهة هذا التحدي والتصدّي له، فالحرية والحق بالتعبير، لا تعنيان بحالٍ استخدام خطاب الكراهية والإقصاء، أو استهداف الآخر ونبذه، فهذه قيم دخيلة على مجتمعاتنا، وهي بالتأكيد ضد قيم ومبادىء ديننا الحنيف، الذي يدعو للتسامح والتآخي ونصرة الضعيف، والصدق والأمانة في القول والعمل.
ومما يزيد مهمتكم تعقيداً، ندرة الدراسات العلمية التي تؤطر وتعطي الإحصائيات الرقمية حول إنتشار ظاهرة خطاب الكراهية في الإعلام، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، أو تلك التي تتحدث عن التداعيات السياسية والاجتماعية لهذه الظاهرة البغيضة، وربما يُنتظر من مؤتمر بهذه السوية الرفيعة، وهذا العدد من الخبراء والممارسيين، أن يوصوا بنوع الدراسات المطلوبة، والمعلومات الرقمية الضرورية، وأيضاً إقتراح أنواع التأهيل والتدريب الذي يحتاجه ممارسو مهنة الاعلام، لكي يحذروا ويكبحوا جماح انتشار ظاهرة خطاب الكراهية.
إن عليكم أيّها السادة مسؤولية كبيرة، دينية وإنسانيّة، فأنتم قادةٌ وخبراء في مجتمعاتكم ودولكم، عليكم مسؤولية أن تقولوا لنا كيف نكافح وننهي خطاب الكراهية، وما هي الحدود الفاصلة بين حرية التعبير والحق في القول والاعتقاد، وبين خطاب الكراهية الذي يزرع الشر والإنقسام، وينال من إستقرار المجتمعات وينخر بها، ويستبيح القيم، ومنظومة الاخلاق".
وتابع:"إنني إذ أتمنى لكم مداولات مفيدة في مؤتمركم هذا، لأذكركم جميعاً بحجم التحدي الذي تواجهه الأمة جراء انتشار خطاب الكراهية، والمسؤولية الكبيرة المترتبة عليكم وعلينا جميعاً، في وقف هذا الخطاب ومحاصرته وتعريته ونبذه وعزله، وأنْ نجدَ الطرق ونحدد أسلوب العمل، ونقترح السياسات، والممارسات الضرورية، لكي يسود الخطاب الجامع المعتدل، الوازن، الذي يدعو للإعلاء من قيم التسامح وقبول الاختلاف والمحبة والسلام".
الرميثي
ثم ألقى الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين الدكتور سلطان الرميثي، كلمة قال فيها:أرحب بكم جميعا في هذا اللقاءِ الثاني بين مجلسِ حكماءِ المسلمينَ وقادةِ الرأيِ والإعلامِ في العالمِ العربيِّ، ضمنَ جهودِ المجلسِ الراميةِ إلى خلقِ ائتلافٍ إعلاميٍّيهدفُ إلى مُكافحَةِ خِطَابِ الكراهيةِ والتمييزِ في وسائلِالإعلامِ العربيةِ، سواء على شبكةِ الإنترنت أو خارجَها، منْ خلالِ تعزيزِ المعاييرِ الأخلاقيةِ، وتفعيلِ المواثيقِالصِّحافيَّةِ لإعلاءِ كرامةِ الإنسانِ، في عصرٍ نشهدُ فيه ارتفاعَ صوتِ خطابِ الكراهيةِ متزامنًا مع أزماتٍ حالكَةٍ تجتاحُ العالمَ؛ من لجوءٍ وتهجيرٍ وتفرقةٍ وأوبئةٍ.
إن دورَ وسائل الإعلام – وأنتم أيها الأساتذةُ أعلمُ بها مني- يعدُّ حاسِماً في إطْلاع الرأي العامِّ على بعض القضايا البالغةِ الأهميةِ؛ مثلَ: (الهجرةِ واللجوءِ والتمييزِعلى أساس الدين والعرق والجنس..) وهي قضايا تَتَصَدَّرُ -اليومَ- أسبابَ انتشارِ خطابِ الكراهيةِ والصورِالنمطيَّةِ التي تستهدفُ الأفرادَ في جميع أنحاءِ العالم، وخاصة -هنا- في منطقتنا العربية.
ووسطَ هذا المشهدِ المتشابكِ والمعقَّدِ.. ودعمًا لجهودِ مؤسساتٍ كثيرةٍ في مجالاتٍ أخرى، تظهرُ الحاجةُ الماسَّةُ إلى إنتاج خطابٍ إعلاميٍّ متوازنٍ وعادلٍ، يعملُعلى تغييرِ الأنماطِ السلبيةِ السائدةِ، ونزعِ فتيلِ الكراهيةِبِمَا يترتبُ عنها من أزماتٍ. كما يعملُ -في الوقتِ نفسِهِ- على فتحِ أبوابِ الحوارِ العقلانيِّ والدائمِ؛ كأفضلِسبيلٍ لمواجهةِ خطابِ التَّفرقةِ والتمييزِ والكراهيةِ.. حوارٌ نأملُ أن يُعِيدَ الإعلامَ إلى جوهرهِ النقيِّ.. ويَبْعَثَ فيه -ومن خلالهِ- رسالَتَهُ الإنسانيةَ النبيلةَ، بعيدا عن الحسابات السياسية والحزبية والطائفية.
لا شكَّ -طبعاً- أنَّ المشهدَ الإعلاميَّ العربيَّ زاخرٌ بالممارساتِ الصحفيِّةِ الجيِّدةِ، والقصص الإيجابيةِالتي تصبُّ في صالحِ قضايَا التعايشِ ونَبْذِ الكراهيةِ، ولكننا نرى أن هناك مجالا أكبرَ للمزيد من التقدم عبر تقديم المواردِ اللازمةِ، والتدريبِ الإضافيِّ للصحفيين والمؤسسات الإعلامية؛ وذلك للعمل على الارتقاء بمعاييرِالبثِّ والنشرِ في القضايا المتعلقة على سبيل المثال: (بالهجرة، واللجوء، والدين، والعرق، والفئات المهمشة بشكل عام..) من أجل تمكينِ الصحفيينَ والإعلاميين من الوسائلِ اللازمةِ لمواجهةِ خطاب الكراهيةِ والتعصبِ والعنصريةِ والتمييز."
أضاف:"إننا هنا في لقائنا الثاني بعدَ نَظِيرِهِ الأولِ: "التجمع الإعلامي العربي من أجل الأخوة الإنسانية" الذي عُقد قبل نحو عامين في أبوظبي، نطمحُ طموحاً مشروعاً، ونريدُ بِشِدَّةٍ، ونناشد بكل ما أُوتِينَا من أدبٍ، بألَّا تصبحَ وسائل الإعلام أسلحةً للتعصبِ، وعُرضةً للتحيز والتلاعب السياسي..
وجميعُنا يذكر بمرارة حروب البلقان في التسعينيات،والإبادةَ الجماعية في رواندا، والتي عملت وسائل الإعلام فيها على إلحاق ضرر كبير بالإنسانية بسبب التعصب والكراهية.
وبينما عانى عالـمُنا العربيُّ -منذُ عقدين من الزمان- من ويلاتِ الحروب والتفككِ والصراعاتِ المذهبية والدينيةِ؛ فإننا نعيشُ -جميعًا- في هذه الأيام ما يمكن أن نُسَمِّيَهُ ب"اللحظةِ الذهبيةِ"؛ لحظةُ الدروسِ المستفادةِمنَ الآلامِ والأوجاعِ.. لحظةُ المصالحة والتسامحِوالتَّعَايُشِ.. لَحْظةُ المواطنةِ والاندماج... لحظةٌ تجعلُنَا نرغبُ في تفعيلِ إنسانِيَّتِنَا الـمُطْلَقَةِ وتأسيسِ خطابٍ إنسانيٍّ حقيقيٍّ، يقوِّم المجتمعاتِالعربيةِ ويهذِّبُ سُلُوكَهَا.
أُدْرِكُ أنكم، أيها الأساتذةُ الأفاضلُ، تشاركونَ مجلسَحكماءِ المسلمينَ طموحَهَ وتَطَلُّعَاتِهِ الإنسانيةِوالأخلاقيةِ.. وأعلمُ أنكم ستبحثونَ في نُبلٍ هذه التطلعاتِ على مدارِ يَوْمَينِ من نقاشاتِكم وحواراتِكم.. وأثقُ أنكم أهلٌ لرصدِ المشاكلِ الراهِنَةِ واقتراحِ الحلولِالمناسبةِ لَهَا..
لكنني من باب الاستزادَةِ من طاقاتكمُ الكامنةِ... أدعوكم للتفكيرِ في أهميةِ إدراكِ المؤسساتِ الإعلاميةِ والعاملينِ فيها لخطورةِ الجهلِ وعدمِ تقديرِ الثقافاتِ والتقاليدِ والمعتقداتِ المختلفةِ، الأمرُ الذي يقودُ إلى تشكيلِ الصورِالنمطيةِ وتعزيزِ خطابِ الكراهيةِ والعنصريةِ والتمييز، وهو الأمرُ الذي يُظهِرُ -في مقابلِ ذلكَ- مدَى أهميةِ اعتناءِ الإعلاميينِ بكلماتهِم وصورِهِمْ، التي عادةً ما يكونُلَها تأثيرٌ عميقٌ في الأفرادِ والمجتمعاتِ على حدٍّ سواء".
الاب بدر
بدوره، ألقى المدير العام للمركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، الدكتور رفعت بدر،
يسعدني ويشرّفني الترحيب بكم باسم المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام الذي يعقد هذا المؤتمر الدوليّ بالشراكة مع مجلس حكماء المسلمين الموقّر. إنّ مصطلح خطاب الكراهية بغيض، وإن كان ثمة أمر نكرهه، فهو الكراهية. كم هي بغيضة وممجوجة من قواميسنا وثقافاتنا وأدياننا. لكنها أيها الأصدقاء، مع كل أسف، موجودة، وهي شقيقة بل توأم للعنف والانتقام.
وقد جئنا اليوم، برعاية كريمة من صاحب السمو الملكيّ الأمير غازي بن محمّد، صاحب أطروحة الدكتوراه عن الحبّ في القرآن الكريم، لنقول بصوت واحد: نعم لثقافة المحبة وثقافة اللقاء والأخوّة الإنسانيّة والوئام، ولا وألف لا لتجييش الإعلام لخدمة المصالح الشخصيّة الضيقة.
وقّع قداسة البابا فرنسيس وثيقة الأخوّة الإنسانيّة، في زيارته التاريخيّة إلى دولة الإمارات العربيّة الشقيقة، مع فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، رئيس مجلس حكماء المسلمين. وقد قال قداسته في رسالته "كلكم أخوة،Fratelli Tutti "التي نشرها العام الماضي:
"إنّ عبادة الله الصادقة والمتواضعة "لا تؤدّي إلى التمييز والكراهية والعنف، بل إلى احترام قدسيّة الحياة، واحترام كرامة الآخرين وحرّيتهم، والالتزام المحبّ تجاه الجميع". في الواقع "مَن لا يُحِبّ لم يَعرِفِ الله لأَنَّ اللّهَ مَحبَّة" (1 يو 4، 8). ولهذا السبب فإن "الإرهابَ البَغِيضَ الذي يُهدِّدُ أمنَ الناسِ، سَواءٌ في الشَّرْقِ أو الغَرْبِ، وفي الشَّمالِ والجَنوبِ، ويُلاحِقُهم بالفَزَعِ والرُّعْبِ وتَرَقُّبِ الأَسْوَأِ، ليس نِتاجًا للدِّين - حتى وإنْ رَفَعَ الإرهابيُّون لافتاتِه ولَبِسُوا شاراتِه - بل هو نتيجةٌ لتَراكُمات الفُهُومِ الخاطئةِ لنُصُوصِ الأديانِ وسِياساتِ الجُوعِ والفَقْرِ والظُّلْمِ والبَطْشِ والتَّعالِي؛ لذا يجبُ وَقْفُ دَعْمِ الحَرَكاتِ الإرهابيَّةِ بالمالِ أو بالسلاحِ أو التخطيطِ أو التبريرِ، أو بتوفيرِ الغِطاءِ الإعلاميِّ لها..." (من وثيقة الاخوة الانسانية). فالمعتقدات الدينية فيما يتعلّق بالمعنى المقدّس للحياة البشرية تسمح لنا بـ "الاعتراف بالقيم الجوهرية للإنسانية المشتركة، وباسم هذه القيم، يمكننا ولا بد لنا من أن نتعاون، ونبني ونتحاور، ونغفر وننمو، فنسمح لمختلف الأصوات بأن تلحّن نشيدًا نبيلًا ومتناغمًا، بدل صرخات متعصبّة من الكراهية" (كلكم أخوة، 283).
بمستطاع أدوات التواصل أن تعود إلى كونها أدوات بناء جسور المحبة لا جدران الفصل والتمييز والكراهية ، وهذا ما عزّزه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظّم في مقاله الشهير "أدوات تواصل لا تناحر"، في 20\10\2018، حيث قال: "بدأت أرى مؤخرًا على منصات التواصل الاجتماعي، محاولات لخلخلة ثبات هذه المرساة، وهو ما دفعني لمخاطبتكم اليوم. فحين نتصفح منصات التواصل الاجتماعي نصطدم أحيانا بكمٍّ هائل من العدوانية، والتجريح، والكراهية، حتى تكاد تصبح هذه المنصات مكانًا للذم والقدح، تعج بالتعليقات الجارحة والمعلومات المضللة، والتي تكاد أحيانًا تخلو من الحياء أو لباقة التخاطب والكتابة، دون مسؤولية أخلاقية أو اجتماعية أو الالتزام بالقوانين التي وجدت لردع ومحاسبة كل مسيء".
إنّها "ثقافة اللقاء" أيها الأصدقاء التي تحتّم علينا أن نكرّس إعلامنا بأشكاله كافة لخدمتها. إنها مدرسة حضارة المحبّة التي نحن مدعوون إلى أن نكون أولاً تلاميذ فيها ... قبل أن نكون معلمين.
يطلّ المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام بعد أسابيع على الاحتفال بعشر سنوات على إنشائه، في قلب البطريركيّة اللاتينيّة، وعلى الأرض الأردنيّة التي نحتفل معها هذا العام بمئة سنة على تأسيس دولة المملكة لأردنيّة الهاشميّة، بثقة وعزة نفس وكرامة وانفتاح على الثقافة العربيّة وعلاقات الأخوّة الرائدة مع جميع الدول العربيّة الشقيقة، وعلى الفضاء الإنسانيّ الذي نتقاسم معه الحلو والمر، والعيش بالسراء والضراء، كما حصل في فترة الوباء والآن في فترة الشفاء. إنها أرض المعمودية والمغطس الكريم، وأرض المسيح والمعمدان، أرض رسالة عمّان، وأرض الهاشميين الأبرار، انّها أرض أسبوع الوئام بين الأديان الذي أطلق من الأردن للعالم الفسيح.
وهنا لا بدّ من شكر لوسائل الإعلام التي عملت على تفعيل قيم التضامن في فترة الكورونا، وعلى إيصال كلمة العزاء والتشجيع إلى البشر الذين عاشوا أيام خوف ومحنة كبيرين. وقد أخذ المركز الكاثوليكي على عاتقه ببثّ روح الفرح والتضامن والتفاؤل في نفوس الناس من خلال بث الطقوس الدينية من الكنائس الفارغة من الناس والعامرة بالمحبّة. ولنا هنا أن نتساءل كيف كان إعلامنا في فترة الوباء؟ هل نقلنا رسائل تعزية وتضامن وأخوّة إنسانية؟ أم، لا سمح الله، كنا سائرين أحيانًا على درب التنمر وخطاب الكراهية ومضاعفة أوجاع الناس؟
نعتزّ في المركز الكاثوليكي بأن نكون معكم في هذين اليومين ، بعد أن كنا معكم في أبو ظبي في مستهل العام الماضي، في المؤتمر الدولي الذي نظمه ايضا شريكنا مجلس حكماء المسلمين ، للتفكير حول دور الإعلاميين في ثقافة "الأخوّة الإنسانيّة"، واليوم ها نحن نكمل المشوار، بالتفكير عن دور الإعلام في دحض وتفكيك وتقليص بل إزاحة خطابات الكراهية. وإليكم بعض المقترحات:
1) مدونة سلوك أخلاقية إعلاميّة، وقد نشر المركز الكاثوليكي قبل عامين، مثلها في مؤتمر دولي نظمه هنا في عمّان، حول "دور الإعلام في الدفاع عن الحقيقة"، ودعونا وقتها مختلف وسائل الإعلام على التوقيع على المدوّنة التي أرجو من مؤتمرنا الكريم أن يتبناها، مثلما يتنبى أيضًا مدونة العشرين نقطة التي وقعنا عليها في ابو ظبي. وتنص مدوّنة عمّان على:
1. ألتزم في عملي الإعلامي بأن أبرز دائمًا روابط التقارب والتواد بين الناس أجمعين.
2. ألتزم بالابتعاد عما يثير النعرات العنصرية أو الطائفية وما يفرّق.
3. ألتزم بدعم المناخ الذي يعمل على تعزيز العلاقة التشاركية لتطوير مفهوم الوطن النموذج الذي يتساوى وينعم فيه الجميع، بمواطنة صالحة، تتمتع بذات الحقوق والواجبات.
4. ألتزم باحترام حقوق الفرد والعائلة في سرية شؤونهم الخاصة وكرامتهم الإنسانية.
5. ألتزم من خلال أداء الرسالة الإعلامية، سواء عبر قنوات الإعلام التقليدي أو السوشال ميديا، أن أسهم في الارتقاء بالذوق العام واحترام حقوق الإنسان والمرأة والأسرة والطفولة.
6. ألتزم بمحاربة الإشاعة المغرضة وباعتماد الصدقية بالرجوع إلى المصادر الموثوقة، لأن من حق الشعب معرفة الحقيقة.
7. ألتزم باحترام كرامة الأديان والرموز الدينية.
8. ألتزم بالابتعاد عن الحقائق المشوّهة والمزيّفة Fake News وأن تكون الحقيقة هي مصدري وهدفي.
9. أدعم الابتعاد عن خطاب الكراهية لأي إنسان أو جماعة بشرية، لا على أساس ديني ولا قومي ولا طائفي ولا إثني.
10. أدعم التعاون مع الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة من أجل خدمة الحقيقة والدفاع عنها.
2) التركيز على القضايا العادلة ، بدل الخوض في النقاشات التي لا تسمن ولا تقدم ثقافة . القدس ايها الاصدقاء هي العنوان العريض لنقاشاتنا ومطالبنا العادلة ، من خلال دعوة العالم الى الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني ، ومن خلال التركيز على الوصاية الهاشمية التي تحفظ الحقوق وتحامي عن المقدسات : قال جلالة الملك عبدالله الثاني قبل ايام قليلة ، في كلمته في الامم المتحدة: ..." القدس الشريف في قلب السلام، فهي مدينة مقدسة بالنسبة لمليارات الأشخاص حول العالم. ومن جانبنا، سيستمر الأردن بالعمل على الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في مدينة القدس، ومقدساتها الإسلامية والمسيحية من منطلق الوصاية الهاشمية عليها". فدعونا نركز بثنا الاعلامي اليومي على أمور تخدم البشرية ولا تهدمها .
3) عدم تبسيط الواقع بما يرضي طرفًا واحدًا. إن خطر تبسيط الواقع يظهر بوضوح شديد حتى في حالة الأخبار المتعلقة بالدين واستخدامه المشوه والتجديف لتبرير العنف والإرهاب. والحالة الواضحة هي الربط بين المسيحية والغرب - وبالتالي بين المسيحية وسياسات الدول الغربية - الذي تروج له وسائل الإعلام المتطرفة. لكن من الواضح أيضًا ضرورة وقف الربط بين الإسلام والتطرف، بين الإسلام والراديكالية، بين الإسلام والإرهاب، وهو الأمر الذي نجده للأسف أحيانًا في بعض وسائل الإعلام الغربية التي تنسى أنه في الهجمات الإرهابيّة تُسجل أعلى نسبة من الضحايا في العالم بين المسلمين. إن تقديم ما يحدث اليوم على أنه "حرب" بين الإسلام والمسيحية هو باطل لا يأخذ بعين الاعتبار جوهر الحقيقة.
4) التركيز على الندوات التربوية الخاصة بحسن وأخلاقيات استخدام وسائل الإعلام، وقد جربنا ذلك في المركز الكاثوليكي وعقدنا عددًا من الجلسات التثقيفية للشباب الجامعيين، حول تنمية القدرة على استخدام وسائل الإعلام لبناء الحضارة الإنسانيّة النبيلة وليس هدمها. فلنتعاون أيها الأصدقاء بهذا الخصوص. ولا نكرر من بعد اليوم، أننا قد تقدمنا تقنيًا لكننا تراجعنا أخلاقيًا، لا سمح الله.
5) لتعزيز ثقافة اللاعنف والسلام من قبل وسائل الإعلام فيجب التنبّه لاستخدام اللغة والتعابير. إنّ الكلمات مهمّة. يمكن استخدام الكلمات كحجارة، وبالتالي يمكن لهذه الكلمات أن تقتل. هذا هو السبب في أن الصحافة المهنية الجيدة تتجنب "شيطنة الخصم"، واستخدام كلمات سخرية وكراهيّة. إنّ تبني اللغة والكلمات العنيفة يمكن أن تسهّل الانتقال بشكل ملموس نحو مواقف وأفعال عنيفة. إنّ اليوم أكثر من أي وقت مضى هو وقت الشهود وليس المعلمين: في مواجهة القصف اليومي للكلمات الفارغة والشعارات، يحتاج الناس إلى شهادات عن الحياة وقصص حقيقية. أي أنهم بحاجة إلى النظر إلى أشخاص مثلهم يشهدون - بقصصهم وحياتهم، وليس بالكلمات - كيف يمكن تجربة السلام والأخوة والإنسانية. إنّ الأشخاص الذين يشهدون كيف أنه من الممكن والجميل أن نعيش مع إخوة ينتمون إلى دياناتمختلفة. هناك عالم من الخير لا يصل إلى صفحات الويب والصحف وأجهزة الراديو والتلفزيون.
في فترة الوباء، جرت هنالك بطولات حقيقية من أشخاص على أسرة المرضى، ومنهم في إيطاليا رجال دين مسيحي فضلّوا أن يقدموا جهاز التنفس إلى الشباب، ومضوا إلى درب الملكوت، مضحّين بحياتهم. هؤلاء لا يركز عليهم الإعلام، مثلما يركز على خطأ بسيط يقوم به رجل دين في الغرب. دعونا لا نخرج من هنا، إلا ونحن مصممون على استخدام وسائل إعلامنا التقليدية أو الحديثة، فيما يخدم ثمار الروح، بالتواضع وروح الخدمة للمتلقين، والبحث عن الحقيقة، والاهتمام باللغة، والقدرة على الاستماع وقول الخير، واحترام الآخر: وهذا يسهم بشكل مباشر في تعزيز ثقافة اللاعنف والسلام".